الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الصحراء هي الغابة» يعمق فهم العلاقة بين الإنسان والأرض

عمل «الصحراء هي الغابة»
17 أغسطس 2022 02:16

نوف الموسى (دبي)

كنتُ مأخوذة برائحة النباتات المحلية، في مشروع «حديقة الفنان»، بمركز جميل للفنون، في مدينة دبي، وتحديداً عمل «الصحراء هي الغابة» للفنانين سونوج دي ونامراتا نيوج، وتخيلت ما يمكن أن يصنعه هذا التداخل البديع بين الروائح العطرية لنبات عشبي من مثل «الخُبيز» الذي ينمو بكثرة في إمارتي الفجيرة ورأس الخيمة، عبر تضاريس جبلية صخرية، وبين نبات «الجعدة»، الذي يتميز بأزهار مختلفة الألوان، ويستخدم لتخفيف آلام المعدة، وقد كانت أزهاره تستخدم في صنع الوسائد لكونها رقيقة وعطرية، وكذلك نبات «الصخبر» الذي ينتج زيتاً عطرياً قوي الرائحة، أمام حضور نبات «الشيح» العشبي ذي الرائحة العطرية أيضاً، فكلما جاءت ريح خفيفة عابرة من خور دبي، بجانب موقع المركز المطل عليه، حتى تحدث حالة من التمازج بينها، ما يوحي بالإلهام الفلسفي والفكري لثقافة الممارسة البيئية ودورها في بناء منظومة المفاهيم والعلاقات الاجتماعية بين الناس، وتأثير ذلك التشابك بالغ التعقيد، كما يتصوره العمل الفني، في إمكانية التجريب ورؤية الصحراء بمنظور «الغابة» وقدرتنا من خلال فن عمارة الحدائق الفنية على الاستدلال على تاريخية التنوع والتعددية في عمق العلاقة بين الإنسان والأرض، كون النباتات وتشكلاتها الفطرية جاءت كعلامات وإشارات لصيغة التناغم للتنوع البيولوجي داخل المناظر الطبيعية، وما الذي فعله الإنسان من عمليات ترويض تحكمها سياسات الطعام والعيش، في إحداث حالة تطور لأنواع نباتية بذاتها، وشح لأخرى، ما يعكس نمو مفاهيم وسلوكات وأنماط مجتمعية، وبالمقابل هناك ضمور لغيرها من الممارسات الاجتماعية، فالتفكير في الصحراء كغابة، بطبيعته يهدينا إلى العلاقات الجديدة وامتداداتها اللا نهائية، وأثرها في الإبداع المعرفي والثقافي. 

  • جانب من النباتات المحلية في العمل (الصور من المصدر)
    جانب من النباتات المحلية في العمل (الصور من المصدر)

وفي العمل «الصحراء هي الغابة»، يتطلب من الزائر النظر إلى نحو 25 نوعاً من النبات، بصورة مستقلة، ومن ثم المحاولة المتفردة في تشكيل لغة ما، أيّ بناء شكل إبداعي مكمل للعمل الفني، والهادف إلى تعميق العلاقة بين المشاهد والنبتة سواء عشبة أو شجرة، قد تكون الشجرة المعمرة التي يطلق عليها «عرفج» لافتة، كونها تزهر خلال شهر ديسمبر، وهي بذلك تعكس الموروثات المجتمعية لشتاء الإمارات، فقد كان الناس يأكلون أزهارها الطرية، وتعتبر من أندر النباتات في دولة الإمارات، وتتغذى الماعز على هذه الأشجار كونها مدرة للحليب، وبالتالي فإن حضور هذه الشجرة في مكونات الطعام، يمثل الترابط بين وجود الإنسان والماعز في هذه البيئة والرواسب المعدنية الطبيعية التي تتشكل في الصحراء، مشكلاً منظراً طبيعياً يعيش ويتفاوض ويتكيف ويتبناه كل واحد منا في تشابك معقد للعلاقات واللغات والهويات، وفي بيان للفنانين سونوج دي ونامراتا نيوج يسرد كلاهما البعد التفصيلي للعمل: «تماماً مثل الماعز «المستأنسة» للإنسان، فإن الماعز أيضاً «دجّن» الإنسان، ومثل شجرة الغاف «دجّن» الماعز، قام الإنسان أيضاً «بتدجين» شجرة الغاف - لتسليط الضوء على العنصر الأساسي، «الطعام»، الذي يورطنا في هذه السياسة. فعل الأكل يربط بين البشر وغير البشر في علاقة حميمة بالمناظر الطبيعية التي يتجلى فيها نظام حكم غريب في «الغابة»».  
جمع الفنان سونوج دي، الذي تدور أعماله حول التأمل في السياسة وانسيابية المعاني في الخامات النابعة من الارتباط النقدي بالمناظر الطبيعية، والفنانة نامراتا نيوج التي تعمل على الاستقصاءات النظرية للتفاعل البشري وغير البشري في المشهد الطبيعي وسياسة التمثيل والرؤية، المعلومات حول النباتات المحلية في الإمارات من خلال محادثات مع المزارعين المحليين والأسر وعلماء البستنة وعلماء النبات، ما يفتح أفق مغايرة لأثر تلك النقاشات في إبداع مكون ثقافي متجدد، في جعل المزارعين يتبنون في كون الأرض والمساحات الزراعية، تمثل معارض فنية واسعة، تسمح للمتلقي أن يتفاعل معها في سؤال حول الهوية وارتباطها بالأرض في كونها فرصة لاكتشاف معنى «التنوع» بشكل عملي، يدفع باتجاه معايشة السلوك الثقافي النابع من الممارسة البيئية، والذي يصل بنا إلى احتمالات فكرية قد تنسجم مع ذاكرة المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©