فاطمة عطفة (أبوظبي)
تيار التواصل بين الأجيال في الفنون والآداب لا يمكن أن ينقطع، لأن الإبداع لا يتم عادة إلا بعد قراءة مخزون التراث وأعمال الكتاب الرواد.
وفي هذا المجال تقول الشاعرة شيخة الجابري: إن تجسير الفجوة بين الأجيال أمر مهم جداً في الناحية الإبداعية وفي الحياة، ولا ينبغي لصاحب المعلومة أن يحتفظ بمعلومته، بل عليه أن ينقل تجربته ومعرفته إلى الآخرين. وهذا الجيل الأدبي، إذا لم يجد من يتواصل معه فلا شك سيكون هناك نوع من الخلل في كيفية نقل التجارب الأدبية والثقافية بين الأجيال، وحتى من باب المعرفة هناك أجيال من المبدعين الشباب قد لا يعرفون من سبقهم، لماذا؟ لأن هناك فجوة ما بين الجيل القديم والجيل الجديد.
تبادل وتداول الأفكار
وأضافت الجابري أن من الواجب على الطرفين أن يبادرا لعميلة التواصل، وهذه تخضع لجهود تجسير المسافة في التجربة والإبداع ما بينهم، وخاصة اليوم ونحن نمر بعصر تغيرت فيه أدوات كثيرة في الفعل الثقافي والأدبي، بما في ذلك أدوات التفكير وطرق إيصال الرسالة الأدبية، وثمة طرق جديدة في تسريع تبادل وتداول الأفكار، وبالتالي تصبح ثمة توليفة من العلاقات الإنسانية التي ستصب في النهاية في مصلحة الإبداع ذاته.
وتابعت الجابري قائلة: عندما يكون هناك تواصل بين الأجيال يكون هناك إثراء في المنتج الثقافي الذي يظهر عن طريق هذا التواصل. ولذلك، مهم جداً أن يقرأ الجيل الجديد ما سبقه.
وتؤكد الجابري أن الكاتب الجاد لابد أن يقرأ لمن قبله من كبار الكتاب المبدعين في العالم أو في البلاد العربية، سواء في مجال الأدب أو الشعر أو التشكيل كثقافة عامة، لأن القراءات الحصيفة لا تقتصر على صنف دون آخر، كما أن على الكبار الأدباء أيضاً واجب التعرف على إبداعات وتجارب الكُتاب الشباب. ولذلك فمن المهم جداً تجسير الفجوة بين الأجيال، والأهم أن تقوم الجهات الثقافية الرسمية الراعية للعمل الثقافي بهذا الدور، وتكون جسراً بين الأدباء ليصلوا جميعاً إلى أهداف الثقافة في التميز والتألق والإبداع.
إلهام الأدباء الرواد
وبدوره قال الكاتب محمد شعيب الحمادي: لاشك أن التواصل بين الأجيال مهم جداً في جميع المجالات، سواء العلمية أو العملية. وفي عالم الإبداع الأدبي خاصة ينبغي أن يكون حبل التواصل متيناً وقوياً حتى يستفيد جيل الشباب من الجيل السابق من الكتاب والأدباء الذين كانت لهم تجارب ثرية، وفي أزمنة مختلفة تطورت معها الأدوات والمناهج في الكتابة الأدبية.
ويرى الحمادي أن قراءة مؤلفات الكتاب السابقين تعتبر أيضاً نوعاً من التواصل الفكري والثقافي، حيث إن الكاتب الشاب قد يستلهم مما يقرؤه من كتب الأدباء الذين سبقوه. وهذا يساعده في المخزون الإبداعي. والعديد من الكتاب والأدباء المخضرمين، لهم دور كبير في تنمية مواهب الشباب والكُتاب حديثي التجربة، سواء من خلال اللقاءات المباشرة في التجمعات الأدبية، أو من خلال المحاضرات والجلسات الثقافية. وأكد الحمادي أن من واجبنا أيضاً أن نثمن تواضع الأدباء الرواد ودورهم الكبير في هذا التواصل الذي كان له تأثير فعال في تثبيت الفكر الإبداعي للمواهب الشابة، والذي أعطى الدافع والحافز على الاستمرار في الكتابة. وبالطبع لا يقتصر دور رواد الكتابة في التواصل بين الأجيال فقط، بل إن الكثير من الكتاب يتبنون أيضاً بالفعل مواهب شابة، من حيث التوجيه والنصح والإرشاد، كما يقومون بمراجعة النصوص قبل النشر لإبداء الرأي والتصحيح، وهذا في حد ذاته جهد لا يستهان به.
نقل التجربة والمعرفة
أما الكاتبة د. فاطمة المعمري فترى أن فرص الالتقاء موجودة ومتعددة بين ما أنجزه الرواد والجيل الجديد، وتقول: هناك تواصل جيد بين الأجيال في المجالات الإبداعية المتنوعة، حيث نلمس هذا التواصل السهل عبر المنصات الافتراضية والملتقيات الواقعية، وهو تواصل مهم في نقل المعرفة والخبرة والتجربة بين الأدباء الرواد والشباب ويؤدي إلى مكاسب ثقافية ملموسة. ولكن نظراً لأن أغلب هذه اللقاءات ذاتية وشخصية، فهي تعتمد، بالأساس، على تواضع المبدع الرائد ليتواصل مع الشباب.
وتؤكد د. المعمري أن من المهم أن تكون هذه اللقاءات دورية ومؤسساتية، وأن يتم ذلك بتنظيم عمل مؤسسي يشرف على خلق مجتمع إبداعي متواصل بصوره فعالة، ويخلق وعياً كافياً لدى الجيلين بحيث يعي الشباب أهمية تجربة الرواد وخبرتهم، ويدرك الرواد شغف الشباب وحماسهم، كما أن هذه اللقاءات مهمة في منح الشباب معلومات كافية لتوثيق تجربة الرواد وسيرهم والترويج لها عربياً وعالمياً.