محمد نجيم (الرباط)
افتتح بالدار البيضاء، معرض فني جماعي يقدم أحدث الأعمال لكل من سميرة آيت لمعلم، بنيونس عميروش، شفيق الزكاري، وسعاد بياض. وفي حفل الافتتاح قال مندوب المعرض الناقد الفني أحمد لطف الله: الإنسان كتلة من اللغة، كل جوارح الجسد حروف وكلمات وإيماءات. حتى في صمته يتحدث جمالاً. ولذلك يتم اتخاذه «ناطقاً رسمياً باسم الإبداع والفن. فلِسان الإنسان، هو لسان مُخْتَلَف الخطابات الإبداعية الأدبية والفنية والبصرية. كُنهُ اللّسان واحد، هو الكيان الوجودي للجسد وكل ما ينتجه من: أحاسيس، أفكار، رؤی، أحلام، وتمثلاتٍ تعبيرية وجمالية.
وتساءل أحمد لطف الله: من أين ينطلق الإنسان في تحولاته التصويرية؟ أمن التباهي، أم من التعبير؟ فالجسد، على حد تعبير رولان بارث: «يحمل دائماً هذه الازدواجية: فهو من طبيعة شكلية، وهو في الآن نفسه فخم ومهيب».
ولذلك فليس التباهي أو التعبير عنه، سوى صيرورة إبداعية، مؤكداً أن حضور الإنسان في فن التصوير المغربي الحديث والمعاصر، كان أمراً بديهياً، لأن الفنان المغربي لم ينطلق في رسوماته من فراغ، بل من ذاكرته البصرية التي تؤثثها مشاهد اللوحات والمنحوتات العالمية.
ولأن الفنان عموماً لا يلقي بنظره نحو الخارج إلا ويرتد إليه بتمثلات ذاتيةً وإنسانية، فقد تكثفت الأعمال الفنية حول الإنسان، لدى كثير من التشكيليين.
وفي المعرض، يبدو الإنسان عند الفنانة التشكيلية سميرة آیت المعلم، هاجساً فنياً، أو قریناً ملازماً، يرافقها في ترحالها الإبداعي، بل ويتكون داخل مسيرتها الجمالية. وجميع العناصر البلاستيكية في أعمالها تخدم الإنسان: اللون، الشكل، الحجم، والإيقاع... وتثير الحركة باستمرار لرسم سير حياة مفعمة بذاكرة حية، تخاطب الصمت والأحلام.
ولطالما تجلت الإنسانية منزوعة التفاصيل بأطياف لا تتردد في تخطي ألوانها، لتحتفظ بمرئيتها الترابية في غالب الأحيان، كأنها تصر على الالتفاف حول أحادية قصدية تعيد كتابة الذات.
أما في لوحات الفنان بنيونس عميروش، فهو يعبر عن الإنسان بطقوسه الخاصة، وهي طقوس غير بعيدة عن الفن بمعناه العام. فالفضاء الجمالي للوحات مسنود بالبلاغة المتوهجة بتعابير الفنون: الموسيقى، السينما، الفوتوغرافيا، مما يضاعف من القيمة الفنية، حيث تمزج فرشاة الفنان التي تتدخل من حين لآخر بین جمالية الجسد، وجماليات الفنون، وتمنح الفنان مساحات متميزة للاشتغال، فنرى المعالم الموسيقية للأزمنة الجميلة ذائبة على القماشة، وعمالقة السينما العالمية يراودون بين الشكل واللون، بينما يحلق الإنسان برقصاته الساحرة داخل إطار اللوحة، وتعرض توليفة ضوئية تنطق جمالاً.
وترغب أعمال بنيونس أن تذكرنا بفنون الزمن الجميل، بل وتسمعنا صرختها: ما أضيق الذاكرة، لولا فسحة الفن بوصف الناقد أحمد لطف الله! ولذلك فصرخات الإنسان في أعمال الفنانة سعاد بیاض، هي تجليات للمكابدة، وتستفيد هذه التمثلات والمعالجة الفنية من التجربة الجمالية للفنانة سعاد، وخبرتها في فن التصميم.
فتبدو في أعمالها براعة ملحوظة في التركيب، فهي تمنح الإنسان أوضاعاً حركية ضاجّة بقلق الوجود.