الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: العدالة العمياء

د. عبدالله الغذامي يكتب: العدالة العمياء
2 يوليو 2022 01:32

لم يك الرابع والعشرون من يونيو 2022 باليوم السعيد لمفهوم العدالة، وذلك ما وقعت به المحكمة العليا الأميركية حين أفتت بحق المواطنين بحمل السلاح في الأماكن العامة، محبطةً بذلك محاولة ولاية نيويورك تقييد حمل السلاح في الأماكن العامة، وذلك في أعقاب حوادث كثيرة جرى فيها استخدام جنوني للسلاح وصل لقتل الأطفال في المدارس وقتل عموم الناس في الشوارع والمطاعم تبعاً لانتشار الأسلحة بيد من هب ودب من قاطني الولايات، وهانت بسببهم حياة البشر وانعدم الأمن العام في البلاد كلها، وبلغ الأمر بأوباما حين ولايته أن ظهر على شاشات التلفزيون وهو يذرف دموعه حسرةً على قلة حيلته في أن يستصدر أي قانون ولو كان ضعيفاً يتضمن ولو بعض تقنين لانفلات السلاح وشيوع الجرائم المجنونة في المجتمع الأميركي.
والتعديل الثاني الدستوري يقول: «إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، ولا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها»، وقد صدر عام 1791، ومنذ ذلك الحين والجدل حوله لما يزل محتدماً ويزداد احتداماً، كلما حدثت حادثة قتل جماعي تروع الناس وتهز أمنهم، ثم ما يلبث أن يذوب الجدل نظراً لتقاعس المشرعين عن سن قانون صارم يحسم القضية، أي أن الجدل لم يعد حول إجراء تعديل دستوري جديد، وإنما قصارى المأمول هو تقنين شروط محكمة وغير رخوة، ولكن كل ما يفعله المشرعون هو وضع قوانين مطاطة فقط لتسكيت الاحتجاجات، ثم جاءت المحكمة العليا لتفتح مجال حمل السلاح في الأماكن العامة كحق دستوري للمواطنين، وهنا تقع العدالة في أحرج مواقفها فكيف يحمي الدستور القتلة ويساند رغبات تجار السلاح وفي الوقت ذاته يتجاهل دماء الضحايا ومخاوف الأحياء تحت مظنة حماية الحقوق التي تحولت إلى حقوق قاتلة وعدوان مجنون بدلاً من كونها دفاعاً عن النفس، وكما أن الآباء المؤسسين لم يترددوا في عمل تعديلٍ ثانٍ للدستور يبيح حمل السلاح للميليشيا الحسنة حسب مصطلحهم حينها، فماذا عن الميليشيا السيئة التي تقتل وتعتدي..!! على أن التعديلات الدستورية بلغت ستة وعشرين تعديلاً فلماذا لا يأتي تعديل حديث ينقذ البشر من الموت المجاني. 
وهنا تحضر المفاهيم في صيغتها العمياء، حيث يتم الالتزام بحرفية الدستور وحرفية تعبيراته، والتعامي عن الشرط الظرفي الذي يخضع لضغوط تجار السلاح وقوتهم في فرض شروطهم وهيمنتهم على أصحاب التشريع، وهذا ليس جديداً على الفلسفة الغربية مذ ظهرت فكرة العدالة للأقوى في جمهورية أفلاطون، حيث ترد قصة سقراط وإخفاقه في تفنيد هذه الفكرة وانتصرت مقولة تراسيماخس حول أن العدالة للأقوى، وتبعها قول أفلاطون بأن الحرية والمساواة شر مؤكد لأنها تساوي بين العبد والسيد، وهو معنى يستعاد بصيغ لا تحصى في الفكر البراقماتي الأميركي اليوم، حيث يتحكم الأقوياء في صناعة المفاهيم وفي تأويلها لمصلحة القوي المتنفذ.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©