محمد عبدالسميع (الشارقة)
توقّع الروائيّة والشاعرة الإماراتية صالحة غابش روايتها «رائحة الزنجبيل»، الصادرة عن دار «كلّ العرب للطباعة والنشر»، بقاعة باريس بفرنسا يوليو المقبل، بعد ترجمتها للغة الفرنسية، حيث تعكس الرواية رؤية الكاتبة تجاه الأحوال والمكان والماضي وفضاء المدينة الإماراتيّة، من خلال منطقة الحيرة في الشارقة نموذجاً، عبر سرد أدبي له شروطه وتقنياته في الحوار والتساؤلات واللغة المتأرجحة بين الحنين إلى الماضي والناس والقناعة بالتحوّل نحو فضاءات المدينة الأوسع، لتتجلّى التساؤلات، وتبرز الثيم والأفكار من خلال مقدرة غابش التي عُرفت شاعرةً وذهبت باتجاه الرواية الأولى لها بعد تجربتها في عدد قليل من القصص الأدبية.
تعتمد رواية «رائحة الزنجبيل» على استعادة الماضي وقراءته من منظور حديث، بالاستناد إلى بيت أسرة عبدالله الغافي في منطقة الحيرة بالشارقة، بما في هذه المنطقة من ارتدادات نفسيّة وحنين يؤمن بالتغيّر دون أن يبقى متمترساً عند رائحة الماضي والبقاء فيه، كما وصفها نقّاد في مقارنتهم بين هذا العمل وأعمال روائيّة سابقة في الإمارات تناولت المكان والماضي والحاضر والتصوّر الاجتماعي وفق إرهاصات روائيّة.
أمّا «رائحة الزنجبيل»، كعنوان للرواية، فهو مُتعلّق ببعض الطقوس الاجتماعيّة لأسرة عبدالله الغافي، التي تنسحب على طقوس كثيرين في الحيرة والشارقة وكلّ الإمارات، عبر تقنية (الفلاش باك) التي تستدعي بها صالحة غابش (كوب الحليب بالزنجبيل)، الذي كانت تعدّه والدتها للشفاء من وعكة صحيّة، وحول هذا العنوان وفي آفاق أوسع تتوافد على الكتابة عبر تقنية الحوار، تبرز الثيم والرؤى والقلق والنظر والتحوّط أو الإيمان والقناعة والتصالح مع الحاضر، في الوقت الذي يتمّ فيه الحنين إلى الماضي وناسه، وهو ما منح الرواية برأي النقّاد بعداً جميلاً في الرؤية العقلانيّة التي لم تكن لتطفئ جذوة العاطفة المتوقّدة في صدر الروائيّة وأنفاسها كلّما لامست ذلك الجمال والزمان الأصيل في الحيرة، ما بين البحر والناس والحركة اليومية واتساع المكان.
دارت الحواريّة في الرواية بين الشخصيّة الرئيسيّة «علياء» وشخصيّة «عذيبة»، كطرفين للحوار بين الماضي والحاضر، وكتساؤل مشروع ورؤى لها ما يبررها، في ميل واضح لعلياء نحو ذلك الماضي والتساؤل عن ضيق المكان وتزاحم المباني وافتقاد رائحة الزمن الجميل، فيما تكون الإجابة بأنّ ضيق الصدور هو الأهمّ بالمعالجة، وأنّ التقدّم قَدر كلّ المدن والمناطق ولا بدّ من العيش فيه والتصالح مع أدواته، وهو ما رأته وأقرّت به علياء نفسها، في اهتمامها بقيم الناس وأصالتهم وارتباط الأجيال الحاضرة بماضيها دون الانسلاخ عنها باتجاه الحاضر والقادم.
يذكر أن هذه الرواية صدرت عام 2008، لكاتبة شاعرة، وقد رأى النقّاد أنّ الأديب الشاعر حين يكتب الرواية فإنّه لا يمكنه أن يتخلّص من أسلوبه الشعري مهما حاول، في الوصف والحنين وشعريّة النصّ وتوشيه الخطابات والنداءات حول شيء مفقود يسعى الكاتب لأن يكون حاضراً في النفوس، وعلى هذا فقد كان التحدي هو عدم الإخلال بشروط النصّ الروائي وانقطاع الأفكار بالخطابات والنداءات، حفاظاً على النسيج الروائي المتوخّى عبر لوحات الرواية.
وباعتبارها منطقةً من أهمّ مناطق الشارقة القديمة، كان اختيار الروائيّة غابش لمنطقة الحيرة موفّقاً، كمتكأ للأحداث والتطوّر والوقوف عند فضاءات إنسانيّة رائقة، خصوصاً أنّ الحيرة كانت منطلق النهضة الشعريّة المعروفة في الشارقة والإمارات، مثلما هي ساحرة بطبيعتها ونسيمها وشاطئها ونخيلها، وكلّ ذلك كان محطّات توقّف لعلياء، وهي تمرّ بسيارتها فيها لتحرر نفسها من ضجيج وضوضاء وانشغالات تفرضها شروط المدينة في أيّ بلد، فكانت رائحة التراث النقيّ والجميل الذي بادرت غابش إلى الإمساك بخيوطه واستعادته بشروط الرواية المتنافذة على الشعر، أمراً مثيراً ولافتاً للعودة إلى المكان واقتباس تفاصيله والهروب إليه وإلى سكينته وبراءات الطفولة الأولى التي عاشتها الكاتبة، وهي تروي عن الكثيرين فترة معاصرتهم لزمنين، الأوّل يتأرجح بين المعياريّة أو اتخاذه أساساً لكلّ تطوّر أو تغيير، والثاني زمن تفرضه طبيعة الحياة وسُنّتها في التغيّر والتطوّر أو التقدّم بما يحمله كلّ ذلك من مصاحبات وظروف.
من أجواء الحوار بين (علياء) و(عذيبة)، نلمس أسلوباً غير متحجّر أو متحيّز تمام التحيّز لزمن معيّن، مثلما يرد الحديث الموشّى بنكهة فيها ممازحة وربما كوميديا وخوف على (الاتساع) الذي كانت تعيشه علياء ومن جيلها في ذلك الزمان، في حين تبدو الإجابات ذات حجج ومنطق عند دفاع الطرف الآخر عن الحداثة وولوجها أو عدم التهيّب منها.