السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ألمانيا في ضيافة أبوظبي.. أضواء على «نظام التعليم والتدريب المزدوج»

علي الأحمد
5 يونيو 2022 02:45

علي الأحمد*

اختتم قبل أيام معرض أبوظبي الدولي للكتاب وعرس عاصمتنا الثقافي السنوي، وفي نسخته لهذه السنة كانت جمهورية ألمانيا الاتحادية هي ضيف الشرف. 
والسؤال ما هي أنجح تجربة ألمانية معاصرة؟
متى ما سلطنا الضوء على ألمانيا نجد الكثير من إنجازات وإسهامات الشعب الألماني، في تطور الحضارة الإنسانية، والحديث في هذا المقال يتناول تجربة ألمانية صرفة، والأكثر شهرة ونجاحاً، بل ويحاول الاتحاد الأوروبي نشرها في الدول الأخرى، التجربة هي «نظام التعليم والتدريب المزدوج».
قبل أكثر من 50 سنة، بدأ نظام التعليم والتدريب المزدوج في المدارس الألمانية، واليوم وبعد أن ترسخت هذه البرامج التدريبية في النظام التعليمي أصبحت نسبة البطالة بين الشباب الألماني هي الأدنى في دول الاتحاد الأوروبي، ليس ذلك فحسب بل إن ألمانيا تتصدر دول العالم في معدل العمالة الماهرة.
لماذا يعد نظام التعليم والتدريب في مرحلة الدراسة الثانوية ركيزة أساسية للقدرة التنافسية للاقتصاد الألماني؟ ما أهداف هذا النظام التدريبي وما هي نتائجه؟ ولماذا تميزت ألمانيا؟
الاستثمار في التدريب هو عامل رئيسي للنجاح في عالم تتزايد فيه المنافسة، وتنمية المهارات تزيد القدرة على الإبداع وتطور الكفاءة المهنية، هذا ما تقوله صفحة الوزارة الاتحادية للتعليم والبحوث، وهي الجهة المسؤولة عن نظام التعليم والتدريب، ويخضع أكثر من 50% من خريجي المدارس الثانوية لتدريب لفترة تمتد من 2 إلى 3 سنوات، حيث يقضي الطالب جزءاً من جدوله الأسبوعي في مدرسة مهنية أو متدرباً في شركة، أما قابلية التوظيف والحصول على فرصة عمل لخريجي نظام التعليم والتدريب فهي تتجاوز 70%.
السمة الرئيسة للنظام المزدوج هي التعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل رئيسي من ناحية، والمدارس المهنية الممولة من القطاع العام من ناحية أخرى، وتحصل الشركات المشاركة، وتبلغ 430.000 شركة على امتيازات وإعفاءات ضريبية لمشاركتها في التدريب، وتخصص هذه الشركات نسبة من أرباحها السنوية لدعم نظام التدريب في المدارس.
هناك خطوات واضحة لبرامج التدريب تبدأ بإعلان الشركات عن فرص التدريب التي لديها، ثم يتقدم المتدرب مباشرة بطلب الالتحاق بالتدريب وبعد الحصول على موافقة الشركة، يقوم المتدرب بالتوقيع على عقد تدريب مع الشركة مع تحديد فترة التدريب ومتطلبات العمل والأجر الشهري خلال سنوات التدريب، ويمضي المتدربون 70% من وقتهم في التدريب العملي و30% في الدراسة الأكاديمية المرتبطة بوظيفتهم المستقبلية، وتشارك غرف التجارة والصناعة في كل ولاية في اعتماد الشهادات التدريبية بعد اجتياز المتدرب لاختبار عملي وأكاديمي.
ويقول أحد مديري نظام التدريب: «ليس بالضرورة أن تحصل على شهادة جامعية للحصول على وظيفة مناسبة لتبدأ مسيرتك المهنية، والسبب في ذلك أن المهن والحرف التي يتدرب عليها الطلبة تنمو وتتطور، واليوم يشكل خريجي نظام التدريب 50% من العمالة الماهرة في ألمانيا»
وهناك أكثر من 330 مهنة وحرفة تشترط الحصول على شهادة نظام التعليم والتدريب، أما فرص العمل المتاحة للخريجين فتبلغ 500.000 فرصة عمل سنوياً، وأغلب هذه الوظائف تقدمها الشركات المتوسطة والصغيرة، وتتنوع هذه المهن بين التقليدية المعروفة (مزارع، خياط، نجار، ميكانيكي سيارات، خباز، كهربائي....) بالإضافة إلى مهن في مجال التكنولوجيا والإنترنت وقطاع الصحة والسياحة والخدمات وغيرها الكثير، وتحدث مناهج المدارس المهنية سنوياً حسب الحاجة الفعلية لسوق العمل وآخر تطورات الصناعة والأبحاث في كل مهنة وحرفة.
استطاعت المدارس المهنية لنظام التعليم والتدريب خلق مستوى متساو في الخدمات وجودة الإنتاج في كل أرجاء ألمانيا لأكثر من 330 مهنة وحرفة محددة، ولم يقتصر عمل نظام التعليم والتدريب على تأهيل طلبة المدارس، بل تم استحداث برامج جديدة لتدريب مئات الآلاف من اللاجئين الذين بدأت أفواجهم في الوصول إلى أوروبا منذ 2014، غالبيتهم من العرب والمسلمين، وتأتي ألمانيا والسويد في صدارة الدول الأوروبية من حيث عدد اللاجئين إليها، ونتذكر كيف استقبل الألمان المهاجرين بالورود في محطات القطارات. 
استطاعت ألمانيا الاستفادة من التغيير السكاني الديموغرافي مع الاحتفاظ بخصائص الجودة والإتقان التي عرفوا بها، ومنذ البداية قامت الحكومة بتوزيع طالبي اللجوء بين المدن الألمانية بناء على حاجة سوق العمل وحجم اقتصاد كل ولاية، واشترطت الحكومة الحصول على شهادة معتمدة من نظام التعليم والتدريب الألماني للاعتراف بخبرات اللاجئين للمهن والحرف التي كانوا يزاولونها في بلدانهم، عندها يثبتون كفاءتهم لدخول سوق العمل حسب الاشتراطات والمواصفات المتبعة، ونظام التعليم والتدريب حقق نجاحاً باهراً والإحصائيات تشير إلى أن 9 من كل 10 لاجئين يحصلون على فرصة عمل بعد أن يتم تأهيلهم، وقد ساهم ذلك في سرعة اندماج اللاجئين في محيطهم الجديد ليصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي الألماني. 
قد تستفيد الكثير من الدول من نظام التعليم والتدريب الألماني، وأطلقت الحكومة الألمانية منذ عدة سنوات «مجموعة أدوات التدريب المهني» عبر الإنترنت لتقديم الدعم لصانعي القرار في دول عدة ترغب في تنفيذ المبادئ الرئيسية لهذه البرامج المزدوجة التي تجمع بين التعليم والتدريب. 
ربما لولا نظام التعليم والتدريب لما أصبحت ألمانيا اليوم رابع أكبر اقتصاد عالمي وبمعدل بطالة منخفض، اقتصاد قادر على خلق فرص عمل لاعتماده على الابتكار، إلى أن أصبحت عبارة «صنع في ألمانيا» مرادفاً للجودة والأتقان.

  • سفير الدولة السابق لدى ألمانيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©