محمد نجيم (الرباط)
قال الناقد والأكاديمي المغربي محمد الداهي: إن كتابه المرشح لجائزة الشيخ زايد لعام 2022، «السارد وتوأم الروح» في فرع «الفنون والدراسات النقدية» للدورة السادسة عشرة، أول حفرٍ في «المنطقة البينيَّة» على المستوى العربي، مؤكداً أنها قارة مجهولة تتطلب اكتشافها بالأدوات والمناهج المناسبة.
وأكد الداهي، لـ«الاتحاد»: «الكتاب ثمرة جهد دام سنوات. وهو أول حفرٍ في المنطقة البينيَّة على المستوى العربي. في حين شغلت باحثين غربيين منهم فيليب لوجون، وفيليب كاصبريني، وأرنو شميت، وفيليب فوريست»، مضيفاً: «حفزتني قراءة كتبهم واحتكاكي بهم في ندوات على البحث في المنطقة البينيَّة العربية بأدوات ومفاهيم جديدة حرصاً على إثبات أن العرب لا يقلون نبوغاً عن أندادهم الغربيين، وعلى بيان موقعهم في النسق الثقافي الكوني».
وعن مفهوم «المنطقة البينية»، قال: ظلت هوة سحيقة بين ملفوظات الواقع وملفوظات التخييل على حالها منذ أرسطو إلى العقود الأخيرة من الألفية الثانية. وأول من انتبه إليها فيليب لوجون عندما حدد شروط الميثاق السيرذاتي عام 1975 مميزاً بين السيرة الذاتية والأشكال المجاورة لها (السيرة، واليوميات، والمذكرات، والبورتريه، الفضاء السيرذاتي، والرواية السيرذاتية، والرواية الشخصية... إلخ) التي حصرها في عشرة، ثم أضاف إليها ستة أنواع أخرى في كتابه «أنا أيضاً»، الصادر عام 1986، وإن ظلت خانتان شاغرتين لأنه لم يستحضر وقتئذ مثالين عنهما. وأضاف جيرار جنيت أشكالاً أخرى (مثل التخييل السيرذاتي، ثم التخييل الذاتي، والسيرة الذاتية المتباينة حكائياً، والسيرة الذاتية التخييلية). وتثير هذه الأشكال التباساً في ازدواجية نوعتيها وجنسيتها، وفي تلقيها المضاعف بحكم التجاذب بين الطرفين النقيضين، الرواية والسيرة ذاتية.
وأوضح: «اهتم الباحثون العرب بالسيرة الذاتية الكلاسيكية التي تعنى بتقليد النموذج أو المحال إليه (المترجم له)، وقلما اهتموا بما يقع في المنطقة البينيَّة التي تعد قارة مجهولة تتطلب منا أن نكتشفها بالأدوات والمناهج المناسبة»، مضيفاً: «الأدب العربي حافل بمختلف هذه الأنواع والأجناس ما يدل على أنه، عكس ما روجه الأدب الكولونيالي عنه، جزء من النسق الكوني. ودور المثقفين والباحثين العرب إثبات ذلك بالأدلة الملموسة. وهو ما سعيت إليه منذ كتابي «شعرية السيرة الذهنية محاولة تأصيل»(1994) إلى كتابي الأخير قيد الطبع «متعة الإخفاق في المشروع التخييلي لعبد الله العروي».
وأوضح الداهي، أن الكتاب يقوم على محورين: عمودياً لبيان كيف تدرّجت المحكيات الشخصية (الأدب الشخصي) من الإبدال الحداثي الذي كان يراهن على التمثيل بالتطابق مع المحال إليه والضرب على منواله، مع الوعي بألاعيب الكتابة ومغامراتها (السيرة الذاتية الكلاسيكية) إلى الإبدال ألماً بعد حداثي الذي أصبح المُحال إليه في صور وهيئات عديدة (أصوات متعددة). أيٌّ منها يمثل المؤلف الواقعي؟ كل صوت لا ينوب عن المؤلف، ولا يحلُّ محله فحسب بل يلغيه وينحيه أيضاً (التخييل الذاتي، السيرة الذاتية التخييلية، الحكي الذاتي، التخييل السيرذاتي.. إلخ). فيما سعيت على المستوى الأفقي أن أبيِّن كيف تتأرجح المحكيات الشخصية البينية بين ثلاث حقائق: الحقيقة التاريخية (كيف يتحول المحكي الشخصي إلى وثيقة لملء ثقوب الذاكرة؟) والحقيقة الذاتية (لا تهم الموضوعية بل الصدق لما له من أهمية في الإحساس بالوقائع والأفعال كما لو وقعت فعلاً) والحقيقة المصطنعة (يتوهم المؤلف بأن النظير هو امتداد لروحه، لكن لا يتوقع - باستقواء الشكِّ والتصنِّع والزيف في العصر الراهن- أن يتحول إلى صوت من الأصوات التي لا تنافسه فقط بل تزيحه عن عرشه لتنحية وإلغائه، والتحدث باسمه بصيغة الجمع). وفي كل ذلك اعتمدت بطريقة مرنة على السيميائيات الذاتية لإبراز مواقع القرين أو توأم الروح باعتماد المؤشرات التلفظية ومقولات التحقق (لعبة الظاهر والكينونة).