إبراهيم الملا (الشارقة)
تعمل «منشورات المتوسط» القادمة من ميلانو – إيطاليا، ومن خلال حضورها التفاعلي بمعارض الكتب الدولية، على إنعاش الذاكرة العربية في قلب أوروبا، والتقريب بين الهويّات الثقافية، باعتبارها هويّات نابعة من جذر إنساني مشترك، يكون فيها التنوّع الإبداعي مثالا للحيوية الحضارية، حيث لا يمكن للخصوصية المكانية أن تبقى رهينة عزلتها، أو لصيقة بالأحادية المحصورة والمُحاصَرة.
للتعرّف على طبيعة الإصدارات الخاصة بمنشورات المتوسط، وما تتميز به مقارنة بدور النشر الأخرى، ونظرتها لمستقبل القراءة التقليدية وسط عالم متغيّر ومتسارع فيما يتعلق بوسائل الإنتاج والتلقي، ثقافياً ومعرفياً، التقت «الاتحاد» بالشاعر خالد سليمان الناصري مؤسس دار المتوسط، الذي أشار بداية إلى أن منهجية الدار في طباعتها وتوزيعها للكتب، تقوم على نشر الأدب والفكر والفلسفة بشكل عام، مضيفاً أن عدداً كبيراً من الروايات العربية والأخرى المترجمة، والتي تشغل حيّزاً أوسع ضمن إصدارات الدار ولا سيما المتعلقة بحكايات المافيا، يعود إلى اهتمام الكثير من الأدباء في الحقول التعبيرية المختلفة، بالإنتاج الروائي، وسط مناخ ثقافي مشجّع عربياً وعالمياً على قراءة الروايات، وتداولها، والاقتباس منها تالياً في الأفلام والأعمال الدرامية.
وقال الناصري: «ولكن هذا لا يعني تركيز الدار على الإصدارات الأدبية فقط، حيث تشغل الكتب الفكرية والفلسفية في الدار ما يزيد على 35 بالمئة من مساحة العرض، كما إن الشعر والقصة القصيرة لهما حضور وافر لدينا».
وحول طموحات منشورات المتوسط، بعد تخطّي جائحة كورونا في العديد من البلدان، أشار الناصري إلى أن الدار ستكمل مشاريعها المتوقفة أثناء الجائحة، كي تبدأ في تنفيذها واستكمال ما تعطّل منها، مضيفا أن التركيز سيكون على الترجمة في المرحلة المقبلة، حيث تقوم منشورات المتوسط باختيار الكتب المرشحة للترجمة، وتتعاقد مع مترجمين بارزين، ولا تنتظر ترجمات جاهزة، إلاّ فيما ندر، تبعاً لأهمية الكتاب الأصلي ونوعية الترجمة ومدى توافقها مع تفاصيل ومحتوى النصّ.
وأوضح الناصري أن اختيارات الدار للمؤلفات المرشّحة للترجمة تذهب باتجاه البحث والاكتشاف عن الأسماء المجهولة عربياً، لأن الاعتماد يكون على جودة النص ذاته، وعلى قوة صداه في مجتمعه الثقافي، وإضافاته الخلّاقة في المشهد الأدبي هناك، ولذلك فإن وجود الأسماء المكرّسة والمعروفة، وفقه، وجود قليل في منشورات المتوسط.
واستشهد الناصري بأحد الأسماء المجهولة عربيا، وهو الروائي الإيطالي «ليوناردو شاشا» الذي قامت منشورات المتوسط مؤخراً بتقديم ثلاثة كتب له، وهي من ترجمة الناقد والأديب والسينمائي العراقي عرفان رشيد، المقيم منذ أربعين عاما في إيطاليا، مضيفا أن «شاشا» الصقلّي والخبير بأسرار وخفايا العصابات المحليّة في إقليمه الإيطالي، صاحب إنتاج غزير فيما يتعلق بالرواية البوليسية واستحضار أجواء المافيا، وحوّلت رواياته إلى أفلام وأعمال تلفزيونية، ولكنه غير معروف عربياً، ولا يكاد يتابعه سوى المتخصصون في هذه النوعية من الروايات التشويقية المصاغة بلغة أدبية رفيعة.
وأوضح أن روايات «شاشا» المترجمة من قبل الدار تدخل ضمن سلسلة «حكايات المافيا» التي تعمل منشورات المتوسط منذ فترة على تقديمها للقارئ العربي، والتي تضم نخبة من كتّاب الأدب البوليسي في إيطاليا وروسيا وأميركا وغيرها، للإضاءة على آليات التفكير المتعلقة بالإرهاب والعنف والتوحّش، التي دمرت المجتمعات العربية، وبات علينا التعرف على جذورها السيكولوجية ومنابعها الاجتماعية الموازية.
وعن وسائل التواصل الجديدة مع القراء في عالم متعدد الأذواق، ومتسارع تقنياً، أوضح الناصري أن دور النشر لا بد أن تواكب هذا التغيّر وتخلق صيغة متوازنة تراعي فيها التوجهات المختلفة للقراءة، والظروف الجديدة في عالمنا المعاصر، ومن هنا – كما أضاف – باتت منشورات المتوسط تهتم بالكتب المسموعة، ونشر عدد من أعمالها على المواقع الإلكترونية، للوصول إلى شريحة أوسع من القراء حول العالم.
وقال الناصري إن الناشر العربي يفتقد للدعم والاهتمام، خصوصا مع المعاناة الكبيرة التي يتعرض لها هذا الناشر تحديداً، بسبب جرائم القرصنة، والنسخ الجائر، وغياب حقوق الملكية الفكرية.