محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)
للأديب والمثقف مع شهر رمضان وقفة خاصة تختلف عن غيره من عامّة النّاس، وتمثل هذه المناسبة الجليلة بالنسبة إليه فرصة استثنائية لنقاء الرّوح وصفاء الذهن وتوقّد المشاعر وتدفق الأحاسيس، وتلك في الواقع هي وسائل المبدع عندما يريد الكتابة، وهو في شهر رمضان عادة قارئ منتج ومبدع متدفق أكثر من غيره في هذا الشهر، ذلك لأن إنتاجه يرتبط إلى حدّ بعيد بذهن صافٍ وفكر رائق، وهذا ما يضمنه له الصّيام الذي تخفّ به حدّة الاثقال من الطعام والشّراب، فقد قيل في الأمثال العربية: «البطنة تذهب الفطنة»، وقد قال الشاعر الشهير معروف الرصافي وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب بقوله:
وأغبى العالميـــــن فتـــى أكـــــــول
لفطنتـــه ببطنتـــــــــه انهــــــــــــــــزام
ولو أنّي استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديدني الصيــــــام
ولكن لا أصــــــوم صيـــــــام قــــــــــوم
تكاثــــر فــي فطورهــم الطعــــام
فإن وضــح النهــار طوَوْا جياعـاً
وقد همُّوا إذا اختلـط الظـــلام
ونامــوا متخميــن على امتـــلاء
وقـــــــد يتجشـّـؤون وهــــم نيــــــــام
فقـــــــل للصائميـــن أداء فـــــرض
ألا ما هكــــذا فـــرض الصيــــــــام
ومعاني ومقاصد الصوم والحكمة منه تستوقف أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) حيث يصف الصّيام وصفاً جميلاً يجعله تمهيداً لصفاء الروح وجمال النفس، على نحو ما جاء في كتابه «أسواق الذهب» الصادر عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة بمصر، وانتهج فيه أسلوب المقامات الأدبية في قوله: «الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستنير الشفقة ويحضّ على الصدقة، يكسر الكبر ويعلّم الصبر ويسنّ خلال البرّ، حتى إذا جاع من ألِف الشّبع وحُرم المُترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع، وكيف آلمه إذا لذع».
كما أورد شوقي أيضاً في كتابه هذا وصفاً دقيقاً بديعاً للمسجد الحرام، وبخاصة الكعبة المشرّفة ومكانتها العظيمة في نفوس المسلمين خلال شهر رمضان، فقال: «الله تعالى نظر إلى أمّ القرى فرأى بها ذلاً لعزّ سلطانه، وافتقاراً إلى غناه وإحسانه، ورأى خشوعاً يستأنس به الإيمان، وتجرداً تسم إليه العبادة، ورأى انفراداً يجري في معنى التوحيد».
ثم يخاطب من يحلمون بأداء عمرة رمضان أو حج البيت فيما بعد، بقوله: «فيا أيها المعتزم حج البيت، المشمّر لأداء الفريضة: لقد أطعت فهل استطعت؟ وأجبت فهل تأهّبت؟ وهل علمت أن الإسلام شرعة السماحة، وأنّ ربّ البيت واسع السّاحة يعفي المريض حتى يعافى ويقيل المعدم حتى يجد، ولا يؤاخذ أخا الدَّين حتى يقضي دينه، ولا ينكر على الخائف القرار حتى تأمن السبيل من وباء مهتاج».