محمد نجيم (الرباط)
قال الفنان والكاتب المغربي، محمد الزبيري، الفائز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، إن الحديث عن شهر رمضان الفضيل حديث ذو شجون، لأنه يرتبط في الذاكرة بأجواء مفرحة، مفعمة بالإيمان والسلام الروحي، فضلاً عما يصاحبه من طقوس دينية، وعادات أسرية مجتمعية، تجعل استرجاع أجوائه وذكرياته باعثاً على السرور وانشراح الصدر من جهة، ومن جهة أخرى تكون تلك الأحاسيس بالنسبة لي مغلفة ببعض الحزن على تلك الأجواء الرمضانية الرائعة، التي شعناها في طفولتنا وشبابنا، والتي نفتقدها ويفتقدها أبناؤنا، في جزء كبير منها في وقتنا الحاضر، نتيجة عدة متغيرات فرضها إيقاع العصر وتطوره.
فأنا ابن قرية، وأجواء رمضان في قريتي لا زلت أجد أثر لذتها وجمالها في نفسي حتى الآن، حيث كان تسود القرية مظاهر الفرحة، والرحمة، والتآزر، والتكافل، والتسامح..
فكان لكل فئة عمرية مسراتها ومتعها، إذ يتجمع الكبار وسط القرية بملحق المسجد، يسمى (المسيد) منذ المساء، وبعضهم يفضل تناول الإفطار مع أسرته ثم يعود مسرعاً للمسجد، وجلهم يحضر فطوره إلى المسجد ليتشاركوا جميعاً طعام الإفطار، في جو تسوده الفرحة والأخوة، ومع صلاة العشاء كانوا يسعدون بصلاة التراويح، بينما الأطفال يصلون ما تيسر ثم يذهبون للسمر والمرح، أما النسوة والفتيات فلهن مجالسهن الخاصة، يتجمعن في مجموعات، ويتسامرن أيضاً في منازل محددة، يقصصن الحكايات، والطرائف، والمستملحات وحتى الرقائق وترديد الأناشيد والمديح. ويستمر الحال أحياناً حتى خروج «المسحراتي» بالطبل والمزمار، حيث يرافقه من بقي مستيقظا من الأطفال، وكلما تحلق عدد منهم حوله اجتهد في إمتاعهم وإطرابهم بإيقاعاته وأنغامه، بل وحتى رقصاته أحياناً، وهو يجوب دروب القرية، أما الكبار والطلبة والشبان الحافظون لكتاب الله، فيقضون الليل بالمسجد يتناوبون على المحراب، يأُمّون الناس، متبارين في ترتيل وتجويد القرآن الكريم بأحسن الأصوات حتى السحور، والمجال لا يتسع هنا لسرد المزيد من الطقوس التي عشتها في قريتي في رمضان في طفولتي، أما في شبابي وقد انتقلت إلى المدينة فالأجواء كانت مختلفة إلى حد كبير، حيث زاد الاحتفاء بهذا الشهر الكريم من حيث المظهر، لكن إحساساً بتلك العادات والتقاليد التي ذكرتها آنفا فقد قل إلى حد كبير.
مذاق وبركة رمضان
عن طقوسه المتعلقة بالكتابة والرسم في شهر رمضان، يشير محمد الزبيري، قائلاً: طقوسي لا تختلف كثيراً عن غيره في باقي الشهور، فرغم أنني أركز على العبادات وتخصيص وقت أكبر لتلاوة القرآن الكريم خاصة، إلا أن الوقت الذي أخصصه للرسم أو للمطالعة، أستمتع به وأجد له مذاقاً خاصاً، إذ أشعر ببركة فيه من حيث الإنتاج وجودته رغم قصر وقته، وأحس خلاله بهمة ونشاط، ورغبة في الإقبال على العمل، وتكون ثمرة ذلك محمودة ومباركة.
وغالباً ما يصادف شهر رمضان من كل عام فترة انهماكي في مشروع ما، كالاشتغال على رسم عمل تشكيلي، أو الانكباب على كتابة عمل أدبي، وبالتالي تكون جل مطالعاتي مرتبطة بهذا المشروع، وكل ذلك لا ينفي وجود كتب معينة يشدك الحنين إلى أجوائها التي لا تخلو من نفحة دينية، أو لمسة تراثية تاريخية، ترتبط بأجواء هذا الشهر الكريم، مثل كتب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والتي أعيد قراءة بعضها أكثر من مرة، وكل مرة أستمتع بها، وكأنني أقرأها لأول مرة، خاصة كتاب «سرد الذات» الرائع.