إبراهيم الملا (الشارقة)
«يكسرني الغيابُ
كجرّة الماء الصغيرة
نام (أنكيدو) ولم ينهض
جناحي نام
ملتفًّا بحفنة ريشه الطينيّ
آلهتي: جماد الريح
في أرض الخيال»
بهذه المقاطع الشعرية من قصيدة (الجدارية) لمحمود درويش، وبصوته المنتصر على عنف الغياب وضراوة الزمن، يفتتح العرض المسرحي «صهيل الطين» أجواءه المحتدمة بالموسيقا الغرائبية، والرقص التعبيري، والفضاء البصري الملبّد بالقسوة الذي يقدمه المخرج مهنّد كريم، في قراءته الجديدة لنص الكاتب إسماعيل عبدالله، وبذات العنوان الذي سبق للمخرج «محمد العامري» تجسيده على خشبة أيام الشارقة المسرحية قبل سنوات عدّة.
أتت معالجة مهنّد كريم للنص هذه المرّة من خلال ملامسته للفكرة المتمثّلة في البحث عن عشبة الخلود، والنزوع لتخطّي هاجس الموت البشري، والفناء الإنساني.
مسرحية «صهيل الطين» من إنتاج جمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، وعرضت بقصر الثقافة في الشارقة، ضمن رابع أيام الشارقة المسرحية، وتتناول في سياقها العام قصة الأب الباحث عن صيغة حياتية تضمن له الاستمرارية ومناكفة الموت – يقوم بدوره الفنان أحمد أبو عرادة – فيلجأ أولاً لزيجات متعددة كي يحتفظ أبناؤه باسمه بعد رحيله، ولكنه يفشل في كل مرة، لأنه عقيم وغير قادر على الإنجاب، ما يجبره على تبني طفل لقيط، ويخفي الأمر عن الجميع، يرى هذا الطفل صنوف القسوة والإهانة والتعذيب من والده، ليلجأ لاحقاً في فترة شبابه لحيل خيميائية تتمثل في مزجه للطين بمياه المطر كي ينحت تمثالاً لفتاة افتراضية يمكن لها أن تتحول إلى فتاة حقيقية عندما تحقق لها شروط الأنسنة، من خلال معجزة تتحطم أمامها القوانين الكونية.
وكان واضحاً اعتماد المخرج وبشكل كبير على «السينوغرافيا»، حيث يأخذ الابن مكان والده في قمة منصة العرض، بعد أن تدبّ الحياة في تمثاله الطينيّ، وبعد اشتعال الغيرة في قلب الأب، واتخاذه قرار إحراق التمثال، وحرمان ابنه من غنيمته العجائبية، اختار الابن التضحية بالأمثولة المستبدة المجسدة في والده، للحفاظ على حلمه الشخصي للمرة الوحيدة والأخيرة.