السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«شهر القراءة».. في عيون المثقفين

«شهر القراءة».. في عيون المثقفين
10 مارس 2022 00:58

سعد عبد الراضي

للقراءة دور مهم في التكوين الإنساني، إذ إنها تُعد مفتاحاً لكل المغاليق الفكرية والتنويرية، وعنصراً أساسياً من أسرار التشكيل المجتمعي الجيد، فبها نبني وبها نصنع وبها نحيا ونعيش.
دولة الإمارات التي يشهد لها العالم بفرادتها في تعزيز الثقافة محلياً وعربياً وعملياً انتهجت نهجاً مختلفاً لتقديم صورة كبرى لأهمية القراءة، بأن خصصت شهر مارس من كل عام كشهر للقراءة، في الوقت الذي يخصص العالم فيه يوماً واحداً فقط لمناسبات مهمة في حياتنا.
في هذا الاستطلاع نرصد الرؤية من واقعها المؤسساتي والإبداعي، من خلال آراء القائمين على المؤسسات الثقافية وجهودها من ناحية، وآراء المثقفين في هذه المبادرة الثرية من ناحية أخرى، وذلك في ظل شهر القراءة هذا العام، مارس الجاري، الذي يرفعُ شعاراً تنموياً شمولياً بأبعاده، وهو «الإمارات تقرأ»، كخطوة في مسيرة بناء الوطن والمواطن.
في البداية، قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية «إن رؤية دولة الإمارات وقيادتها في الاستثمار بالإنسان لكونه العنصر الأهم في مسيرة البناء، مثلما كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يؤكد دوماً، هي الدافع وراء تخصيص شهر وطنيّ للقراءة، وهذا الشهر يأتي استكمالاً لسلسلة المشاريع الثقافية والإبداعية والفكرية ضمن استراتيجية الدولة للمستقبل، والذي يكرس ثقافة القراءة بين كافة أفراد المجتمع كعادة يومية أساسية في حياتهم».

واعتبر ابن تميم أن شهر القراءة «ليس مناسبة تنتهي بانتهاء الشهر، بل هي مبادرة لها امتدادها طويل الأمد، لغرس حبّ الكتاب والمطالعة في نفوس الجميع، فالأمم التي تقرأ هي الأقدر على بناء مستقبل قويّ، عماده المعرفة والإبداع، والابتكار الخلّاق، ومن هنا فإن مركز أبوظبي للغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة، يحرص على المشاركة في هذا الشهر بمبادرات نوعية تفاعلية تعلي من قيمة القراءة وتوفر مصادرها للشباب ولجميع فئات المجتمع».

«الإمارات تقرأ»
ومن جانبه، قال سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للّغة العربية بالإنابة «نحرص في مركز أبوظبي للغة العربية على المشاركة الفاعلة في هذا الشهر، تأكيداً على أهدافنا الرئيسة والرامية إلى النهوض باللغة العربية، وتعزيز الاهتمام بتعليمها، وإيصالها إلى الريادة العالمية، حيث أعددنا برنامجاً متكاملاً استهدفنا من خلاله مختلف الفئات ليكونوا جزءاً من هذه المبادرة، ولاسيما أن شهر القراءة هذا العام يرفعُ شعاراً تنموياً شمولياً بأبعاده، (الإمارات تقرأ)، وهو يجسّد الدعوة المجتمعية للإقبال على القراءة التي نؤمن بأنها تسهم إسهاماً جذرياً في تطور المجتمعات، وهي الخطوة الأهم في مسيرة بناء الفرد لاكتساب المعرفة والوعي والثقافة، ليكون عنصراً فاعلاً في محيطه ومجتمعه، وذا قدرة على التفاعل الإيجابي في عملية التنمية».

  • سعيد الطنيجي
    سعيد الطنيجي

ثراء فكري ومعرفي  
وقال الدكتور عيسى صالح الحمادي، أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ومدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج: في إطار جهود دولة الإمارات الرامية إلى النهوض بالفكر والمعرفة وضمن مبادرات القيادة الاستثنائية التي تحظى بها الإمارات، والتي تتفرد عن غيرها بأنها السباقة إلى تقديم المبادرات لشعبها من أجل الارتقاء به في جميع مناحي الحياة، أطلقت القيادة الرشيدة مبادرة في مجال القراءة، هي الاستراتيجية الوطنية للقراءة عام 2016، التي تستمر حتى عام 2026، ولم تتوقف استراتيجية القراءة عند حدود إطلاقها، بل تم تخصيص شهر سنوي، وهو شهر مارس من كل عام لضمان استمرارية سلوك القراءة، مما يظهر حرص القيادة على تعزيز القراءة لدى أفراد المجتمع وجعلها سلوكاً يومياً ينهض بفكرهم ويثري معرفتهم، إيماناً بأن القراءة هي مفتاح بناء العقول ومورد للأفكار التي تساهم في بناء الوطن، ففي القراءة اطلاع على كل ما هو جديد في عالم المعرفة، واطلاع على أفضل التجارب والممارسات الدولية في جميع المجالات. 
مضيفاً: في هذه الأيام، تحتفي الإمارات بالقراءة في شهرها السنوي الذي يتجدد ليروي بدورته السنوية في نفوس القراء كل ما هو جديد في عالم المعرفة، وترسيخها لدى أجيال المستقبل، ومن هنا تتحدد لنا أهمية القراءة لدى أبنائنا الطلبة وأفراد المجتمع، بأنه لابد أن يكون محتواها غذاءً مصفَّى للعقول وحينها نضمن سلامة التوجهات والتطلعات والطموحات لديهم، ولكن لابد أن تكون للمحتوى المقروء لدى أفراد المجتمع معايير تسهم في توعيتهم، ومن أهم تلك المعايير أن تنمي القراءة لديهم قيم المواطنة.

  • عيسى الحمادي
    عيسى الحمادي

فالقراءة تصوغ العقول بما تغرسه من قيم وأخلاقيات وتوجهات، فالمقروء إن لم يسهم في تعزيز انتماء الأجيال لوطنهم فلا اعتزاز به ولا قيمة له، ومن هنا تأتي أهمية توعية الأجيال للحرص على اختيار المقروء بما يسهم في شعورهم بالاعتزاز والفخر بوطنهم، والتضحية والدفاع عنه، وهو أسمى أهداف استراتيجية القراءة الوطنية التي تم إطلاقها؛ ولذا لابد من توعية مجتمع القراءة وأجيال المستقبل بالاحتياجات القرائية المرتبطة بالمواطنة الإيجابية حتى نحقق الهدف السامي من القراءة، ونعزز روح وثقافة حب الوطن والولاء والانتماء وقيم المواطنة والمشاركة المجتمعية في النفوس.
وأشار الحمادي إلى أن المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج في دولة الإمارات، قد أصدر مادة مقروءة في مجال المواطنة، وهي دراسة بعنوان «المفاهيم التعليمية المرتبطة بالمواطنة وبالتنمية المستدامة في مناهج اللغة العربية»، وكذلك أصدر مكتب التربية العربي لدول الخليج إصداراً بعنوان «المواطنة الرقمية، وبرنامج الثقافة الإعلامية»، وغيرها.

عصب الثقافة
أما اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فقد أعلن مجلس إدارته برئاسة سلطان العميمي عن برنامج شهر القراءة في المقر الرئيسي والفروع الأخرى، حيث سينظم في أبوظبي فعالية بعنوان واقع المعرفة القرائية في الوطن العربي، وأخرى عن تجربة الإمارات القرائية خلال عشرة أعوام، وثالثة عن مشاريع القراءة أسباب النجاح والاستمرار، وأمسية بعنوان «سلة الكتب قبل سلة الغذاء»، بمشاركة عددٍ كبير من المبدعين والمبدعات في الإمارات.

  • سلطان العميمي
    سلطان العميمي

وصرح سلطان العميمي رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بأن تخصيص الدولة شهراً للقراءة يُعد تكريماً لعنصر مهم ورئيس في مسيرة البناء والتطور، كما يعكس اهتمام القيادة الرشيدة بالمنظومة الثقافية محلياً وعربياً ودولياً، ويؤسس لمشاريع مؤسساتية مرتبطة بالثقافة تضاف إلى الإنجازات الكبيرة التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات، وتدعم توجهها في تعزيز الاقتصاد الإبداعي وتحفز المبدعين وخاصة الشباب والأجيال القادمة على ضرورة جعل القراءة في صدارة أدوات التكوين، التي يعتمد عليها المبدع في تشكيل ذاته وذائقته الإبداعية، مشيراً إلى أن اتحاد الكتاب بكل مكوناته الثقافية والإبداعية أعد برنامجاً خاصاً بشهر القراءة، يناقش من خلاله مختلف القضايا المرتبطة بالقراءة بمشاركة نخبة من الكتاب والمثقفين الإماراتيين.
وأكد العميمي أن برامج الاتحاد الموسمية لا تخلو من الندوات المرتبطة بالجانب القرائي إيماناً منه بأن القراءة هي عصب الثقافة بصفة عامة والأدب بصفة خاصة، والجدير بالذكر أن اتحاد الكتاب سيصدر خلال الأيام القادمة بالتعاون مع أكاديمية الشعر كتاباً بعنوان «نظرية القراءة» للدكتور عبدالملك مرتاض. 

انفتاح على العالم
الكاتبة عائشة علي الغيص اختصاصي أول مناهج، مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، قالت: تحتفي دولة الإمارات في كل عام بالقراءة بتخصيص شهر مارس شهراً وطنياً للقراءة، لترسيخ ثقافة القراءة والعلم والمعرفة في نفوس المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات، وإعداد إطار وطني متكامل لتخريج جيل قارئ ومطلع على كافة ثقافات العالم.

  • عائشة الغيص
    عائشة الغيص

وأكدت أنها مبادرة رائدة ومتميزة على مستوى دولة الإمارات والوطن العربي، حيث تتكاتف الجهود على مستوى المؤسسات التربوية والثقافية في تفعيل مهارة القراءة لتسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة، قادر على قيادة مسيرة التنمية في الدولة، ولاشك أن المبادرة ستحقق إنجازات القادة السامية في ترسيخ الدولة عاصمة للمحتوى والثقافة والمعرفة‎. وأضافت: قد يعتبر البعض القراءة هواية مفيدة للاستمتاع في وقت الفراغ ووسيلة جيدة لاكتساب المعرفة، غير أنها في الواقع تتجاوز حدود المتعة والتسلية.. فالقراءة غذاء للعقل والروح وضرورة في الحياة إذ تقدم للقارئ فوائد لا تعد ولا تحصى.
وتابعت الغيص: من هذا المنبر أوجه رسالة مهمة وعاجلة لجميع المربين في الميدان التربوي بضرورة تحفيز الطلاب على القراءة بمختلف أنواعها الناقدة والسريعة والهادفة، لتعزيز مهارة القراءة من خلال وضع خطط فعلية محفزة لتمكين الطلبة من التزود بمهارات قرائية تتيح لهم إثراء معارفهم، بما يسهم في تنشئة جيل متسلح بالعلم.
وقالت الغيص: لا يخفى على أحد أن للأسرة دوراً إيجابياً وكبيراً في توسيع مدارك الطلبة والارتقاء بمهاراتهم في التفكير والتعبير والإبداع، فضلاً عن دور القراءة البارز في نشر قيم التسامح والتعايش والحوار والانفتاح الثقافي، والحرص على تحفيز الأبناء لجعل القراءة عادة يومية.

غذاء المبدع
أما الشاعر علي المازمي، فيقول: إن القراءة... بشكلٍ عام، هي غذاء المبدع وهي ركيزة ينطلق من خلالها الإنسان نحو حياة أفضل، ولكن هي لا تتجاوز كونها المادة الأُولى، في معمل «الخيميائي» المبدع.

  • علي المازمي
    علي المازمي

ويضيف: أشعر دائماً برغبة ملحة في القراءة، بدافع الضرورة لا المتعة، بدونها أهوي، وأتوه، في عالم تنكمش فيه المعرفة، ويسوده ضجيجٌ خانق. 
وتابع المازمي: أحاول فك رموز الأسطورة، أتأمل نرجسية الشعراء، أتتبع خيوط التاريخ، أشعر بأني أتجول في أزمنة مختلفة، وأخوض تجارب، ما فوق المادة.. أفضل أن أكون انتقائياً في القراءة، متبعاً حدسي، وأسئلة الوجود الصارخة. 
وأضاف: نحن محظوظون اليوم، فالمعارف متوافرة بكثرة، وعوالم «الإنترنت» تعج بالكتب الإلكترونية، وأتساءلُ دائماً -في ضوء مصادر العصر الوفيرة- لماذا لا يزال العالمُ الإبداعي عالقاً في الكلاسيكية، عالمٌ جليدي تقف الشمس أمامه، ولا يعيرها انتباهاً.. نتاجات وليدةَ اليوم، لكنها ماضوية الصوت والحركة.
أضع الكتاب الرقمي، كحلٍّ بديلٍ، إذا عجزت عن الحصول على الكتاب ورقياً، وتبقى الأوراق عزيزة جداً، فالكلمة جناحي، وأخاف أن أسقط في الافتراض. 
وأكد المازمي: أمام ما نشهده اليوم من أعمال جبارة في دعم القراءة، أتمنى أن تُقامَ ورشات في القراءة النقدية، التي ستنمي مهارات القراءة، وستساعد على صناعة عقول مُحكِّمة وقادرة على مواجهة تحديات العصر، في الحداثة وما بعدها، وما سيأتي في المستقبل، وهذهِ السنة هي الأنسب وخاصة أننا نعانق الخمسين.

استنطاق للوجود وولادة للوعي
الأديبة لولوة المنصوري، قالت: القراءة فعل حياة واستنطاق للوجود، ويولد الوعي من خلاله عن طريق تراكم المبادرات التي تسعى لنهضة الذات والروح الفردانية المنعكسة تدريجياً على روح المجتمع وتألقه.

  • لولوة المنصوري
    لولوة المنصوري

وأضافت: لا شك في أن دولة الإمارات تحرص على تنشئة جيل قارئ واعٍ بالتطورات من حوله، ومستعد لقيادة مرحلة جديدة من التنمية في بلده، ومبادرات القراءة التي أطلقتها الإمارات من شأنها الارتقاء بوعي المجتمع وتوسعة فضاء الحوار عبر تأمل الكلمة المقروءة والبحث في أبعادها ودلالاتها، كما أن هذه المبادرات من شأنها أن ترتقي بواقع اللغة العربية وتعزيز دورها وتفعيلها لدى الأجيال الجديدة، إذ تبرز أهمية وجود خطة استراتيجية لتعزيز الحالة القرائية في كل نشاطات الحياة، كما أنها تعد تمهيداً لسبل التعلم الإنساني عبر القراءة. وأضافت المنصوري، أن القراءة الحرة والمنتجة والمبتكرة والناقدة، يكتسب من خلالها الفرد العديد من المعارف والعلوم والأفكار التي تؤدي إلى تطور البشرية، وأنها ما زالت من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته، وهنا أركز على ضرورة أن تأخذ هذه الخطط القراءة النوعية الفاحصة والتحليلية بعين الاعتبار، فالأهم هو نوعية ما نقرأ لا الكم الهائل والتنافس في عدد ما نقر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©