محمد خليفة المبارك
كشفنا مؤخراً عن أحدث الاكتشافات الأثرية المهمة في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث تم العثور في جزيرة غاغا بأبوظبي على هياكل وأدلة تشير إلى وجود أقدم مستوطنة بشرية في شبه الجزيرة العربية.
ودفعت هذه الاكتشافات الجديدة الخبراء إلى إعادة التفكير جذرياً بتاريخ الوجود البشري الأول في المنطقة التي تشمل المملكة العربية السعودية واليمن وعمان وقطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة.
وقبل اكتشاف الهياكل والتحف الأثرية الجديدة في جزيرة غاغا من قبل فريق علماء الآثار في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، كان يُعتقد أن أقدم المستوطنات البشرية في المنطقة لا يتجاوز عمرها 8000 عام. ولطالما افترض الجميع أن هذه المستوطنات الساحلية الأولى نشأت نتيجة لفرص التجارة البحرية آنذاك، والتي تطورت خلال العصر الحجري الحديث. ومع ذلك، فإن الاكتشافات الجديدة قلبت هذا الافتراض رأساً على عقب، فهي تثبت أن مستوطنات العصر الحجري الحديث في المنطقة تمتد لفترة إضافية تزيد على 500 عام على الأقل، عندما لم تكن التجارة البحرية شائعة حتى. وتوفر الاكتشافات جانباً آخر لفهم التاريخ البشري على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وتشير البقايا الأثرية المكتشفة في جزيرة غاغا أن جزر أبوظبي كانت توفر قبل 8500 عام باقة غنية من الموارد الغذائية، بما في ذلك الحياة البحرية والبرية. وتشكل هذه البقايا اكتشافاً رائداً. فقد تركز الاهتمام الأكاديمي طوال المائة عام الماضية على استكشاف المجتمعات البشرية الأولى على امتداد أنحاء الشرق الأوسط، والتي كانت قائمة على الزراعة. وقد تم اكتشاف العديد من هذه المجتمعات فيما يدعى منطقة «الهلال الخصيب». وكانت جزيرة غاغا، والجزر المحيطة بها حقيقةً، تحظى في تلك الفترة بنظام بيئي متنوع جعل منها «ساحلاً خصباً» وغنياً بموارد غذائية وفيرة. ومع انجذاب أسلافنا الأوائل للاستفادة من تلك الموارد الغنية، بدأوا بتطوير معارفهم، ليس فقط عن البحر وموارده المتنوعة، ولكن أيضاً عن حركة المد والجزر والطقس وأنماط الرياح. وبذلك تشكل هذه المكتشفات دليلاً مادياً ملموساً على عمر الثقافة البحرية الإماراتية.
وتندرج الاكتشافات الجديدة ضمن برامج تنقيبات الآثار التي تنفذها الدائرة على مستوى الإمارة، بما يتماشى مع مهمتها في الحفاظ على التاريخ العريق والتراث الثقافي للإمارة وحمايته ومشاركته مع العالم أجمع. وتعد منطقة الشرق الأوسط اليوم من أكثر الأماكن في العالم التي تثير اهتمام علماء الآثار، حيث نواصل التعرف على أسرار التاريخ من خلال الاستكشافات الرائدة فيها.
وقد وجد علماء أن الإمارة تحتضن مجموعة من أهم المعالم والاكتشافات الثقافية والتاريخية وأكثرها تفرداً، ليس فقط على مستوى المنطقة، وإنما أيضاً على مستوى العالم. هذا بالإضافة إلى الاكتشافات في جزيرتي غاغا ومروح، وبقايا دير قديم في جزيرة صير بني ياس، بالإضافة إلى المواقع الثقافية في العين والتي تضم سلسلة من الواحات والمعالم التاريخية والمواقع الأثرية والمناطق الطبيعية، والتي تم إدراجها على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي منذ عام 2011.
وكان لهذا الكنز الدفين من الاكتشافات التي وجدها علماء الآثار في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في إمارتنا، صدى حقيقي في جميع أنحاء العالم. ولا شك أن الاكتشافات المهمة في جزيرة غاغا ستعزز مكانة أبوظبي مرتكزاً عالمياً لإعادة صياغة فهمنا للماضي من خلال الاكتشافات الأثرية.
ونحن في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، نفخر بدورنا في الحفاظ على الماضي، فهذا يتماشى تماماً مع قيم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الذي أدرك أهمية تراثنا الثقافي وحمايته والترويج له، وركز عليه بشدة، والحفاظ على هذه المعارف من أجل العالم والأجيال القادمة. وتتمثل مهمتنا دوماً في الكشف عن الجذور الأولى للحضارة في المنطقة، حيث نسعى جاهدين لفهم المزيد والمزيد عن منشأ الحضارة البشرية بما يمكننا من تحديد أولياتنا في البحوث والتوثيق.
رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي