أبوظبي (الاتحاد)
أصدر مشروع «كلمة»، في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، الترجمة العربية لكتاب «رحلة إلى ترتاري والتِّبِت (1844 - 1846)» للأب إيفاريست هوك، والذي نقله إلى اللغة العربية محمد آيت ميهوب، وعبد اللطيف بلقاسم، وراجع الترجمة فريق من الأساتذة.
ويحكي الكتاب قصة رحلة إلى ترتاري والتبت قام بها في صائفة عام 1844 راهبان فرنسيان كانا أوّل من وصل إلى التبت من الأوروبيين. ولئن كانت الدوافع الأولى لهذه الرحلة دينية تبشيرية في البداية، فإنّ الزائرين لم يلبثا أن اندمجا في حياة الأقوام والقبائل التي حطا بينها الرحال وعاشا مدة من الزمن. فجاء هذا الكتاب غنيّاً بمعلومات تاريخية وحضارية وأنثروبولوجية جمّة.
وتتجلى طرافة الكتاب في أسلوبه القصصي الشائق وفي تلاحق أحداثه وهول المغامرات التي عاشها بطلا الرحلة، وفي دقة وصف ما مرّا به في طريقهما ومقامهما من غرائب الطبيعة وعجائب العمران.
ولقراءة هذا الكتاب فائدتان: التعرّف إلى حياة أهل التبت، والقيام برحلة في السهوب والجبال والأودية والصحارى القاسية وسط الثلوج والصقيع، فيتسنّى للقارئ أن يعيش مغامرة يعسر على المرء أن يعيشها في الواقع.
وتسد ترجمة هذا الكتاب إلى العربية النقص الفادح الذي تشكو منه المكتبة العربية في المؤلّفات المتعلّقة بوصف الصين وترتاري والتبت في القرن التاسع عشر، على الرغم من عظم الصلات التي جمعت الحضارة العربية الإسلامية بشعوب هذه المناطق قديماً.
وولد إيفاريست هوك في مدينة «تولوز» الفرنسية عام 1813 ودرس بالمدرسة الإكليريكيّة التي تقدّم لطلبتها تكويناً دينيّاً مسيحيّاً. ولم يلبث أن انتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس والتحق بالجمعية الرهبانيّة «سان فانسان» المعروفة باسم «الإخوة اللعازريّين». وفي عام 1839 رسَّمه رئيس أساقفة باريس كاهناً. ولمّا كان له ميل منذ الصغر إلى التبشير، فقد أبحر فور ارتقائه إلى رتبة كاهن قاصداً الصين ملتحقاً بالبعثة التبشيريّة في «ماكاو». فاستقرّ هناك مدة خمس سنين ثم تقرّر إرساله في مهمّة تبشيريّة إلى منغوليا (ترتاري)، بصحبة راهب آخر يدعى جوزيف غابيه. ومن ترتاري رحلا إلى التبت، فكانا أوّل من يصل إلى عاصمتها «لاسا» من الأوروبيّين. لكنهما لم يلبثا فيها إلّا شهراً أو أقلّ، فقد طردهما السفير الصيني هناك.
وأقام هوك بعد ذلك مدّة قصيرة في الصين، ثم عاد إلى باريس حاملاً معه كتابه «رحلة إلى ترتاري والتبّت»، فنال وسام الشرف عام 1853 وحصل من الأكاديميّة الفرنسيّة على جائزة «مونزون» تكريماً له على هذا الكتاب واستقبله نابليون الثالث في قصره، وربطته علاقة صداقة بالأديبين الشهيرين ألفرِد دوفينيي ولامارتين. ويذكر نقّاد أنّ الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير استوحى هذا الكتاب أثناء كتابته قصيدته الرائعة «الساعة». وفي عام 1860 توفي إيفاريست هوك في سنّ السادسة والأربعين.