ميسون صقر القاسمي لـ «الاتحاد»: الترشح لـ «زايد للكتاب» فرحٌ.. والفوز تشريف وتكريم
ميسون صقر القاسمي
23 ديسمبر 2021 01:34
فاطمة عطفة يقول بعض الحكماء، إن المكان الذي نسكنه يسكننا ويقيم في قلوبنا بكل ما فيه من جمال ومحبة. والشاعرة الروائية والتشكيلية ميسون صقر القاسمي، تؤكد عبر تجربتها وعطائها الأدبي هذه الحكمة، ومن خلال كتابها الأخير «ريش عين على مصر»، تحتضن مصر كلها أرضاً وشعباً، وهي تستدعي الذاكرة بكل ثرائها وعمقها التاريخي في الوثائق لتسلط الضوء على تاريخ مصر الحديث، فناً وأدباً وجمالاً وعمراناً. هذا العمل السردي الملحمي يكشف عن الجهد الكبير الذي بذلته الكاتبة على مدى سنين حتى خرج بهذه الصورة المعبرة عن روح المكان وتاريخه. ملحمة أدبية بطلها مقهى جعلته الذاكرة التاريخية أشبه ما يكون بالأسطورة، حيث عادت الشاعرة المبدعة ميسون القاسمي لتخرجه من بطون الملفات إلى النور وحياة الناس من جديد. وفي حوارها الخاص مع «الاتحاد الثقافي»، تقدم ميسون صقر إضاءات مفعمة بالمحبة التي ألهمتها لكي تستنطق مقهى ريش، فيحدثها عن سيرته الذاتية التي امتزجت بسير الألوف من رواده وزائريه ومصوريه.
*يرتبط مقهى ريش بأسماء كبار الشعراء والروائيين والفنانين في مصر، كيف استطعت الابتعاد عن تأثير هذه الشخصيات، والتركيز على المكان تاريخياً وحضوره الرمزي في الذاكرة الثقافية المصرية؟- لم أستطع الهروب منهم ومن تأثيرهم طوال الوقت، لكنني حاولت أن أكون مثلهم أنتج الجديد كما فعلوا، وأستمتع بحكاياتهم وأضعها في مكانها الصحيح.. كنت أبحث عنهم كمبدعين جلسوا فترة في هذا المقهى، كما جلس آخرون في مقاه أخرى، ودور هذه الأماكن في تدوير النقاش وحركة الثقافة، فقد كانت المقاهي تعتبر الهامش الذي يبدي الانتقاد، وينتج المختلف، ويجمع المثقفين في زمن ساعد على وجود الهامش بجانب المركز في وقت ما.
* هل لنا أن نتعرف على اللحظة التي قررت فيها الكتابة عن مقهى ريش؟ أعنى الأسباب التي أضاءت لك على فكرة الكتاب وموضوعه؟ - لم تنشأ فكرة الكتابة مرة واحدة، وإنما على فترات متغيرة وطويلة، ولم تكن النية أن أكتب كتاباً، بل طالما امتلأ عقلي بهواجس السؤال حول أهمية كتاب كهذا، بالنسبة لي كروائية وشاعرة، ومن ثم جاء الكتاب ليكون سيرة وسرداً عن وفي المكان، ليس تأريخاً بل كرواية تحتل التفاصيل فيها أغلب صفحات الكتاب، بالإضافة لتتبع مآل الحكايات داخله. وعندما بدأت كان عليّ تجميع المادة وأرشفتها، أعني كان ما كتب عن ريش، ثم وجدت المواد وفيرة ومتعددة، ومعادة في مقالات تكرر وتعيد ما كتب من قبل. لحظتها تساءلت ما أهمية كتاب أفرطت الصحافة في الكتابة عنه؟ بهذا الشكل يصبح مجرد إعادة ما استهلك من قبل، لذلك كان عليّ أن أطرق أبواباً جديدة للتناول، من خلال الوثائق المخفية وتفاصيلها، واكتملت الفكرة على أساس الكتابة عن المقهى بزواياه غير المطروقة، وبشكل أكثر اتزاناً وبحثاً وصبراً. هذا لا يعني التوثيق فقط، لكنها الكتابة في سيرة مفتوحة لمكان له سير عديدة تداخلت مع تاريخ وسيرة الموقع سياسياً وثقافياً وتاريخياً وجغرافياً أيضاً، فهي سردية كبرى لتاريخ أكبر وأعمق، كما أن المقهى له سرديات تتوازى مع المدينة كإطار أكبر وأوسع، ومتماس مع سرديات ما يحدث فيه من أحداث أبطالها من مثقفين ومغنين وفنانين وسياسيين لهم تاريخ في الأحداث وفي الموقع وفي المقهى.
الشغف محرك الكتابة * في ندوة معرض الكتاب بالشارقة، أشارت الدكتورة فاطمة المزروعي إلى الشغف الذي يشعر به القارئ في كتابك عن مقهى ريش، ما هو دور الحب في الكتابة عن مكان تاريخي معين وعن الأحداث التي جرت فيه والناس الذين كانوا يرتادونه؟ - الشغف الذي تحدثت عنه الدكتورة فاطمة كان أحد أدوات الكتابة قبل أن يصدر، لولاه لما بدأت، وكنت كلما كتبت زادني الشغف عطشاً ورغبة في المزيد. وأظن أن الحنين للماضي جزء من كتابة أحداثه أو الكتابة حوله، خاصة لو كان هذا الحنين، وهذا الشغف يجرك إلى فكرة الشخصيات التي عرفت جزءاً من حياتها أو عرفت كتابتها وسمعت حكاياتها. الشغف بالماضي الحي، هو الذي يجذبنا للمعرفة والتواصل والاكتشاف والكتابة والحياة. أما الحب في الكتابة، فيأتي من خلال المكان المعني دائماً بوجوده الجغرافي والإنساني والثقافي والفني، حيث كان ينتمي للعنصر البشري الوطني في ظل اغتراب أغلب المقاهي المنتمية في ذلك الوقت للعنصر الغربي الأجنبي المنتمي لفكرة المستعمر سواء في الثقافة أو الفن، لقد كان ريش وسيطاً بين المقهى الشعبي المصري بامتياز والأوروبي، كما كان ريش دائماً غير خائن لمكانه أو موقعه وغير متعالٍ على مرتاديه، بل فتح أبوابه للثقافة والفن والحركات السياسية المصرية بامتياز. هكذا ينبع الحب من المكان وعبر من يمتلكونه والعاملين فيه ومرتاديه.
الترشح لـ «زايد للكتاب» * ماذا يعني لك ترشيح روايتك في قائمة الأعمال الأدبية المرشحة لجائزة زايد للكتاب، خاصة أن الجائزة تمتاز بقيمة عالمية كبيرة؟ - هذا الترشيح يمثل الكثير بالنسبة لي، لكوني أولاً إماراتية أترشح لجائزة كبيرة من موطني وباسم المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ولكوني أنافس أسماء لها باع كبير في الأدب والثقافة، ولأن من يحكمون بها لهم قيمتهم الأدبية ونزاهتهم. وفكرة الترشح تضيف للعمل ولصاحبه، وتضع المرشح في مصاف الفائزين، وتلفت الانتباه للكتاب وقيمته وتشير إليه. وكوني إماراتية، فإن الفوز يعني لي الكثير، فهو تكريم عربي من داخل الوطن واعتراف بقيمة عملي وكتابي من قبل الجائزة، وتكريم وتشريف لي كمبدعة وكاتبة، وفرح كبير واعتراف بقيمتي وقيمة كتابي، واعتراف من بيتي الأصلي وطني بصحة المسار الذي اخترته وعملت عليه. لذا حين أكتب أي كتاب يصلح للترشح لهذه الجائزة القيمة، فمن المؤكد أنني سأتقدم بكتابي إليها.
* ميسون القاسمي شاعرة وفنانة تشكيلية، ماذا أضاف الشعر والفن التشكيلي للسرد الروائي من خلال تجربتك؟ - التفاصيل الصغيرة والمساحات الشاسعة، كل في مكانه. والشغف بكل أوجهه، والسرد القريب من لغة فياضة متراكمة لها محمولاتها الكثيرة، والصورة التي تشير وتختصر وتفتح آفاقاً واسعة في التخييل، كما أن التشكيل يساعد على فكرة الانتشار والبناء، كل في موضعه. كل ما هناك أن السرد يتداعى أفقياً واللوحة تتداعى مخيلتها عرضاً وطولاً. لذا تعلمت أن التفاصيل تفتح مسارب أخرى في الكتابة ضمن حيز الموضوع الواحد، وذلك أقرب للسرد الروائي، في حين أن القصيدة وإن اعتمدت على التفاصيل فهي تختصرها في صورة أو لحظة شعرية مكثفة، إن ذلك يعني النظر للعالم كمشروع كتابة لغة، صورة، لوحة، لقطة، هكذا نظل نسير حاملين هواجسنا ونظرتنا، نلتقط الخارج من خلال تفاصيله التي يهضمها الشعر والفن.
النظر بعين المحبة * كثيرون يعتبرون كتابك عن مقهى ريش، تعبيراً عن مدى تعلقك بمصر، والقاهرة تحديداً، إنه عنوان محبة عميقة، ما قولك حول هذا التفسير؟ - من الطبيعي أنني متعلقة بمصر التي عشت فيها معظم عمري وكونت صداقات بعائلات دخلت قلوبهم وبيوتهم وانتميت لثقافتهم دون تحيز، وشاركتهم الحياة والتاريخ. ومن الطبيعي أن أكتب هنا وهناك، لكن الكتاب يستحق لكل من عرف التاريخ المصري الفني والثقافي والإنساني أن ينظر إليه بعين المحبة. أما مصر فكبيرة، وتعلقي بها أكبر من بعض قصائد بالعامية أكتبها أو كتاب أسرد فيه جزءاً من التاريخ. مصر أكبر من ذلك. وكل بلداننا تستحق أن ننظر لها ولتاريخها بعيون واسعة رائية لهذا التاريخ ووضعه في مكانه، كما فعلت في رواية «في فمي لؤلؤة» أو «مقهى ريش.. عين على مصر»، هما جناحان أطير بهما بمحبة لتاريخي الذي أنظر له، وأنا أحمل كل التقدير له والزهو به.