خاص الاتحاد الثقافي
أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، بوصفها استراتيجية وطنية تهدف إلى النهوض بالقطاع وتعزيز حجمه وزيادة إمكاناته، وتحفيزه ليكون ضمن أهم عشر صناعات اقتصادية بالدولة، والعمل على زيادة نسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية لتصل إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي.
وتهدف الاستراتيجية التي تُعدُ الأولى من نوعها في العالم العربي إلى تعزيز مكانة الدولة على خريطة الإبداع الثقافي العالمي ومؤشرات التنافسية العالمية في هذا المجال، وإبراز دور الإمارات المحوري في تمكين وإلهام الكفاءات البشرية المبدعة، وأن تكون الإمارات الوجهة الجاذبة للمبدعين في المجال الثقافي من مختلف أنحاء العالم.
وثمّن مثقفون ومبدعون إماراتيون وعرب إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، آملين الاستفادة من التجربة الإماراتية، وأن تعمم لتكون استراتيجية عربية. وتستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الأيام المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي 2021 في دورته الثانية، الذي يستقطب نخبة من قادة الفكر والمبدعين والمبتكرين العالميين في إكسبو 2020 دبي، حيث تلتقي مجموعة واسعة من رواد الأعمال والمبدعين وصناع السياسات حضورياً وافتراضياً، بمشاركة متحدثين ومفكرين وصناع سياسات عالميين، لتبادل الأفكار والعمل معاً لرسم مستقبل الاقتصاد الإبداعي، بما يتوافق مع قيم الشمولية والمسؤولية والتركيز على الإنسان، باعتباره عنصراً رئيساً في مستقبل الاقتصاد الإبداعي العالمي.
أجرى استطلاعاً لآراء المثقفين والمبدعين العرب حول النهج الإماراتي، وإطلاق أول استراتيجية عربية وطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، حيث قالت الأكاديمية والناقدة د. فاطمة المعمري: منذ قيام دولة الإمارات وهي تستثمر في الإنسان، فوضعت خريطة طريق منذ البداية لتعليم وتمكين الأفراد ضمن طريق يتقدم يوماً بعد يوم، ونجد أن الدولة اليوم قد وصلت بهذا الفرد إلى الاقتصاد القائم عليه شخصياً وهو الاقتصاد الإبداعي، فإذا ما تمعنا فيه وجدنا أنه اقتصاد قائم على إبداعات الأفراد البحتة، مختلفاً بذلك عن الاقتصاد المعتمد على الطاقة والصناعة الثقيلة وغيرها، لذلك لا يمكننا أن نقول إن الصناعات الإبداعية صناعة حديثة على الدولة، فقد عملت الخطط التنموية في الدولة منذ سنوات لخلق ودعم الأيدي التي ستعمل على هذا الإبداع، فخلال السنوات الماضية كان لدينا العديد من الكتاب والرسامين والمسرحيين، وغيرهم من المبدعين الذين شكلوا قاعدة الهرم الخاص بالاقتصاد الإبداعي، وأخيراً تم وضع خطة كاملة لاكتشاف المواهب ضمن مخرجات وزارة اللامستحيل، وأعلن عن التأشيرة الذهبية للمبدعين، واليوم تبذل الدولة الجهود في السلم الثاني المكمل لما بدأت به، وهو وضع السياسات والقوانين والاستراتيجيات التي ستدفع بهذا الاقتصاد للمضي قدماً، ونشهد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، وهي تتجلى في المبادرات والمشاريع التي كان آخرها استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي والاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية في الإمارات، ونرجو أن يساهم المبدعون بكل فاعلية وإيجابية في هذه الاستراتيجية، فهم ولا شك عمادها الأول.
وقالت الكاتبة والإعلامية صفية الشحي: عند المصريين القدامى كان البرتقالي السمة اللونية التي تعكس القيم الفنية في الثقافة والإبداع، وفي عصرنا الحالي ارتبط اللون بمصطلح الاقتصاد، ليولد مفهوم جديد هو «الاقتصاد البرتقالي» الذي تتنامى وتيرته وترتفع عائدته عالمياً لتصل إلى مليارات الدولارات سنوياً. أما في منطقتنا العربية فالأرض الغنية بإرثها الإنساني والحضاري، وتفاعلاتها مع الإبداع بأشكاله المختلفة، هي بوابة المشهد المفتوحة على إمكانات لا تحصى، ومع وجود الممكن الرقمي والتكنولوجي، بقي علينا أن ننظر إلى العنصر البشري كرصيد متجدد ومستدام. هذا المبدأ هو محرك أساس لرؤية قيادتنا الرشيدة للاقتصاد الإبداعي باعتباره أحد رافعات المستقبل الأساسية، حيث تشمل مجالات واسعة ومتنوعة مثل صناعة النشر وصناعة العرض والمتاحف، الحرف والمشغولات، السينما والموسيقى، والبرمجيات والمحتوى، الأحداث والأنشطة، إلى جانب «مسرحة المدن»، بحيث تتحوّل إلى أجزاء من هوية المشهد الإبداعي والاقتصادي للدولة.
هناك استراتيجية واضحة الملامح تسعى إلى إيجاد مناخ محفز للشراكة بين القطاعات المختلفة، والتي لا تخلو من فكرة التنافسية الخلاقة، إلى جانب الدعوة المفتوحة لاستقطاب عقول المستقبل، كجزء لا يتجزأ من فسيفساء العمل الإبداعي، ورافد من روافد هذه المنظومة الاقتصادية المستقبلية.
صعود ثقافي عربي
المؤرخ والأكاديمي الدكتور محمد عفيفي، الرئيس السابق لقسم التاريخ بجامعة القاهرة، وأمين المجلس الأعلى للثقافة الأسبق، أكد في تصريحاتٍ لـ الاتحاد الثقافي «أن الدور الذي تقوم به الإمارات العربية، وتشارك به في النهوض بالثقافة العربية في مناسباتٍ كثيرة، يعتبر إنجازاً كبيراً لها وغير مسبوق في هذه المرحلة الصعبة، لافتاً إلى أن ما تشهده الإمارات ومدنها من الفعاليات والمهرجانات والمناسبات الثقافية، تقدم دعماً كبيراً وغير مسبوق للثقافات العربية، ويؤكد ذلك انطلاق وإعلان هذه الاستراتيجية السباقة لتدشين الصناعات الثقافية والإبداعية التي سبقنا إليها العالم منذ زمن طويل.
وأشار عفيفي إلى أن خطوة إطلاق الإمارات الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، البداية الحقيقية لتدشين صعود ثقافي عربي يمكن أن ينافس عالمياً، ويشارك في المنجز الإنساني العالمي. آملاً أن تتطور هذه الاستراتيجية من الدائرة الإماراتية إلى الدائرة العربية لنشهد نهوضاً وتنمية حقيقية شاملة ومستدامة تكون أحد أعمدتها الرئيسة الصناعات الثقافية والإبداعية.
من جانبه، يقول الناقد الفني والأدبي محمود عبد الشكور، إن إطلاق استراتيجية متكاملة للصناعات الثقافية والإبداعية هو «حلم» لم يفارق مخيلة أي مثقف عربي مهموم بقضايا عالمه وإشكالاته المزمنة، ويضيف عبد الشكور أن إطلاق هذه الاستراتيجية يعني التفات النخبة الحاكمة المستنيرة في الإمارات لقيمة وأهمية الفعل الثقافي، ودوره في عملية التنمية والنهوض الشامل، وكذلك فكرة السياسات الثقافية التي تلملم شتاتاً مبعثراً من الفعاليات لتقود الفعل الثقافي الإماراتي والعربي في مسارات مخطط لها، ورؤى بعيدة المدى.
ويتابع صاحب «سينمانيا» و«سينما مصر»، أن هذه الاستراتيجية تستوعب بالتأكيد صناعة السينما وصناعة المسرح وصناعة الفنون السمعية البصرية.. وغيرها من الفنون، وقد كانت صناعة السينما، على سبيل المثال، في مصر في النصف الأول من القرن العشرين أحد مصادر الدخل القومي، وليس أدل على ذلك من إنشاء استديوهات مصر ودور العرض السينمائي التي كانت تغطي طول البلاد وعرضها، وكانت تعرض فيها أحدث الأفلام السينمائية قبل عرضها في دول الأوروبية والأميركية!
ويختتم عبد الشكور: إننا نأمل أن تكون هذه الخطوة الإماراتية «الجبارة»، كما عهدنا بها وتعودنا منها، أن تكون قاطرة التنمية الإبداعية والصناعات الثقافية الثقيلة، ليس في الإمارات وحدها، إنما في عموم العالم العربي كله أيضاً،
فيما يقول الدكتور خيري دومة، رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة، والأستاذ بالجامعة الأميركية في القاهرة:«إن ما يحدث في الإمارات، كبير ومذهل، نشاط عارم وحقيقي وعلى كل المستويات لاعتماد «المعرفة» أولاً، ولا شيء آخر طريقاً للمستقبل وضمانًا لحق الأجيال الجديدة، ليس فقط في الحياة، ولا في العيش، ولا في الأمن، ولا في العمل، بل في القراءة والتعلم والصناعات الثقافية والإبداعية أيضاً».
واضح جداً، والحديث للدكتور دومة، أنه إذا قضية «القراة والتعليم والتعليم» تجاوزت لدى مسؤولي الدولة الإماراتية فكرة الاحتفاء والتشجيع (كما نتعامل دائماً مع القراءة والكتاب) لتكون عصباً لمشروع قومي ضخم، وأولوية كبرى وملحة، فليس من المستغرب إطلاقاً أن تقرر الدولة الإماراتية أيضاً إطلاق هذه الاستراتيجية الوطنية الطموح للصناعات الثقافية والإبداعية، وأن تتعامل معها بالجدية اللازمة والتخطيط الدقيق والدعم الكامل، وقررت أيضاً اعتماد خطة طريق محددة نحو المستقبل والانطلاق إلى آفاق غير مسبوقة، بالاستثمار الجدي في المعرفة، خطة طريق قوامها الأساسي إطلاق هذه الاستراتيجية الوطنية.
ويتابع دومة:«لقد أدركت الدولة الإماراتية أن الأساس القوي والراسخ والضامن للبقاء والوجود والاستمرار على سطح هذا الكوكب، هو التعامل مع القراءة والثقافة والمعرفة عموماً ومن ثم الصناعات الثقافية والإبداعية الثقيلة بشكل أخص، كمشروع قومي حقيقي له الأولوية، من أجل المستقبل ومن أجل الأجيال القادمة، المعرفة وحدها ولا شيء آخر يضمن بقاء الأمم ومستقبلها.. إن ما حدث ويحدث في هذه الدولة الشقيقة خطوة جبارة وغير مسبوقة في أي مكان من عالمنا العربي».
مفهوم الشراكة العالمية
تقول الكاتبة والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام: إن الإمارات العربية المتحدة بانخراطها في الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية من خلال تدبير هذا القطاع وجعله مُقوماً من مقومات الناتج المحلي، تعبر عن رؤيتها للمستقبل التي تبدأ من تدبير الحاضر وجعله منسجماً مع تحولات العصر. ويُشكل هذا الانخراط الاستراتيجي في الصناعات الثقافية والإبداعية، جسراً نحو تحقيق مفهوم الشراكة العالمية في الإبداع الثقافي من خلال الرؤية الإماراتية باعتمادها مفهوم «اقتصاد المعرفة» الذي يجعل المعرفة أساس الاقتصاد والثقافة والمجتمع.
ويرى الدكتور والأكاديمي المغربي رشيد الإدريسي أن النهوض بقطاع الصناعات الثقافية والعمل على جعله أكثر مساهمة في اقتصاد الإمارات، مبادرة تنبع من الوعي بقيمة الثقافة التي غالباً ما كان ينظر إليها بوصفها مجالاً لا يدر الاستثمار فيه أي ربح. والمشروع تحكمه رؤية طموحة واضحة تتمثل في تحويل الثقافة إلى صناعة تساهم في الاقتصاد الوطني بنسبة عالية. والإمارات أرضية مهيأة لمثل هذه المشاريع، خاصة وأنها راكمت تجربة غنية في القطاع الثقافي على مستوى تخصيص جوائز لكل أصناف الإبداع، والاهتمام بالتراث الشعبي والتراث اللامادي بصفة عامة، والتشجيع على القراءة وعقد شراكات فيما يتعلق بالمتاحف التي تعتبر نافذة للانفتاح على التراث الإنساني.
صرح الصناعات الثقافية
تقول الكاتبة والأكاديمية المغربية الدكتورة لطيفة لبصير: لا شك أن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية في الإمارات هي خطوة تُماثل صرح الصناعات الثقافية العالمية، خاصة في زمن اجتاح فيه الوباء وغير خريطة الرؤية والصور للثقافة. وما انخراط الثقافة في الاقتصاد إلا طريق لنجاح الاستثمار في الثقافة تفادياً للكثير من الأزمات الطارئة. وتضيف لبصير: بدوري أشيد بهذه الخطوة التي ليست بغريبة على بلد مثل الإمارات والذي شرع بتأسيسه للكثير من طرق الانفتاح العالمي مثل متحف اللوفر بأبوظبي أو مشاريع «المنطقة الإبداعية – ياس» الوجهة الحاضنة للإعلام والألعاب الإلكترونية إضافة إلى حصول إمارة الشارقة على تتويج عاصمة الثقافة من طرف اليونسكو، وإلى الاهتمام بالموروث الثقافي بكل تجلياته.
تمثل الصناعات الثقافية رؤية مختلفة للثقافة، خاصة وأننا نجتاح الآن زمناً صعباً يمكن أن تعطل فيه الأوبئة كافة القطاعات الثقافية، لكن مثل هذه المبادرات القوية من شأنها أن تعزز التواصل عبر العالم من خلال منصات تواصلية عالمية، وتمنح للثقافة ألقها عبر تداخل العديد من القطاعات فيما بينها بحيث يتداخل ما هو مكتوب بما هو مرئي، ويعزز ذلك وجود الثقافة ضمن المنصات العالمية بمختلف الأجناس الابداعية.
من رهانات الصناعة الثقافية
يقول الناقد والأكاديمي الدكتور محمد الداهي، الحاصل على جائزة المغرب للكتاب والمرشح لجائزة الشيخ زايد للكتاب: لم تعد الثقافة وسيلة للتسلية، بل أضحت قطاعاً حيوياً يستوعب مهن الفن والإبداع، وهذا ما يحفز- في الآن نفسه- على حماية الثروات والخدمات الثقافية والنهوض بها، وعلى الاستثمار في الثقافة بصفتها رافعة للتنمية.