إبراهيم الملا (الشارقة)
أوضحت الشاعرة والروائية ميسون القاسمي، أن كتابها «مقهى ريش - عين على مصر» هو بمثابة عين أخرى أطلت من خلالها على إرث وتفاصيل القاهرة تحديداً، وعلى تاريخ مصر بشكل عام، مضيفة أنها لم تنطلق في الكتاب من دافعية الحب وحده تجاه القاهرة التي عرفتها وعايشتها باتّساع وعمق، بل من الدافعية الأهم لتحقيق هذه النوعية من الكتب الاستقصائية، والمتمثّلة هنا في «المعرفة»، وقالت: «صارت المعرفة هي أساس الحب في هذا الكتاب».
جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها، أمس الأول، معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين، للإضاءة على آخر إصدارات ميسون صقر القاسمي بعنوان (مقهى ريش - عين على مصر)، واستضافت الندوة كلّاً من الأديب والقاصّ محمد المرّ رئيس مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس المجلس الوطني السابق، والكاتبة والناقدة الدكتورة فاطمة محمد المزروعي عضو المجلس الاستشاري للغة العربية، إضافة إلى الإعلامية المصرية نشوى الحوفي مديرة النشر الثقافي بدار نهضة مصر التي قامت بطباعة ونشر كتاب «مقهى ريش»، وداليا إبراهيم رئيسة مجلس إدارة دار نهضة مصر للنشر.
وقدم للندوة وضيوفها الكاتبة والإعلامية الإماراتية عائشة سلطان، التي أشارت في مستهلّ الندوة أن كتاب (مقهى ريش) يشبه مؤلّفه، فكما أن ميسون القاسمي لا يمكن تأطيرها بإطار محدّد، فهي ليست شاعرة فقط ولا فنانة تشكيلية وروائية وسينمائية وباحثة، ولكنها المثقفة والمبدعة المتعدّدة الاشتغالات والاهتمامات، وأضافت عائشة سلطان أن كتاب (مقهى ريش) يجمع بين البحث المنهجي، وأدب الرحلة في ثقافة المكان، وفي تحولات المدينة، وكذلك مقاربة السياسة مع التاريخ عن طريق الحفر في معمار القاهرة (الخديوية) وفي العلاقة العاطفية التي تربط الناس بالأمكنة العريقة كالقاهرة بذاكرتها الثقافية الممتدة عبر معلم شهير، وهو مقهى ريش الذي كان شاهداً على تاريخ وتحولات القاهرة، وما زال صامداً حتى الآن.
بدوره، قال محمد المرّ، إنه تعرّف لأول مرة على اسم (مقهى ريش) من خلال قصيدة للشاعر العامّي المصري الراحل أحمد فؤاد نجم، وأضاف أن إصدار ميسون القاسمي الجديد ينتمي للتيار الصحفي الاستقصائي الذي يهتم بظواهر معينة من دون الانسياق وراء الكتابة الأكاديمية أو التخصّصية الجافة والجامدة، مشيراً إلى أن كتاب (مقهى ريش) هو كتاب نابض ومتحرك ولطيف، وكأنك تقرأ رواية أو قصة، ووصف المرّ الكتاب بأنه ممتع ويقدم تاريخ القاهرة وتاريخ مصر بطريقة محبّبة وجاذبة للقارئ، وقال إن ميسون القاسمي أحبّت مقهى ريش بفضائه الإبداعي والسياسي والثقافي، وبالتالي استطاعت أن تكتب عنه بحميمية، وأن تضيء على الخلفية التاريخية للمقهى وعلى أهميته في المشهد الثقافي المصري.
أما الدكتورة فاطمة المزروعي، فأشارت في قراءتها النقدية والجمالية للكتاب إلى أن عنوانه الرئيس يحيل إلى المقهى كمكان محدّد جغرافياً، أما العنوان الفرعي وهو (عين على مصر)، فهو يحلينا إلى فضاء كبير جداً للاطلاع على بانوراما بصرية وتاريخية واسعة وممتدة في: الزمان المتحرك، وفي المكان المتحوّل، وقالت: إن تأويلات كلمة (عين) متعدّدة في هذا السياق، وتشمل عين الفنان، وعين المعماريّ، وعين الوثائقي، وعين العاشق الذي يسرد سيرة المكان بكل تجلياته المعمارية والفنية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
يقع كتاب (مقهى ريش) في 653 صفحة من المقطع الكبير، ويتضمن الكثير من المعلومات التاريخية والصور الأرشيفية والوثائق القديمة المتعلقة بتاريخ المقهى منذ تأسيسه وإلى اليوم، وتلجأ ميسون صقر القاسمي في مقدمة الكتاب لعبارات تحلّق في الذاكرة الخاصة والجمعية بشفافية شعرية وعمق معرفي في آن، تقول فيها:
«تثير الأماكن فكرة الانتماء، ويرتبط هذا الانتماء بفكرة (الصورة/التكوين)، التي كانت عليها والتي نحلم بها أيضاً، وإلى أي مدى أصبحت قريبة أو بعيدة عنا، أو عن الذكريات التي نشكّلها في مخيلتنا، فالصور لها قدرة حميمية وفاعلة في التأثير على تصوّرنا عن المكان في الماضي، تلتصق بالوجدان والروح، وتحت هذه المظلة يبرز مقهى «ريش» كحالة متناغمة، خلقت تميّزها من سرّ موقعها وتفرّده، وبقيمة روّادها. هذه التجليّات تمهّد لنا الغوص بحبّ في روح المكان في الماضي، تلتصق بالوجدان والروح»،
مضيفة: «لكونه مقهى لا بدّ أن يكون محايداً غير منحاز، وما دام الأمر كذلك، فلماذا اهتم مقهى «ريش» بفكرة صالوناته الثقافية، وقبلها الفنية، ولماذا هذا الحضور الكثيف من المثقفين حوله؟ ولماذا كانت جلسة (نجيب محفوظ) الشهيرة تُعقد فيه؟ لماذا هذه الصور التي تقول واحدة منها على جدرانه: هذه أنا، فتتحرك صورة أخرى مجاورة لتقول: هذه أنا أيضاً؟ إنها أسئلة الهوية والخصوصية، ولقد أوجد مقهى «ريش» بذلك لنفسه بصمة عميقة في ذاكرة المقاهي».