حوار: فاطمة عطفة
تأتي المشاريع الثقافية والتراثية التي أسستها وتديرها الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان، علامة مضيئة في مسيرتها الإبداعية في عالم الفن التشكيلي والأعمال السينمائية المميزة الصادرة عن شركة «أناسي»، التي تأسست عام 2007، وتتويجاً لذلك، منحتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» التابعة لجامعة الدول العربية منصب سفيرة فوق العادة للثقافة العربية، الأمر الذي وضع الشيخة اليازية في قلب المسؤولية الثقافية، لتسهم في نهضة الثقافة على المستوى المحلي والعربي والعالمي، عبر جهودها غير المسبوقة في الاهتمام بالصناعة الإبداعية، لما لها من دور في تشكيل وعي المجتمع، والارتقاء بفكر الإنسان ليواكب ركب المعرفة على المستويات كافة.وتحدثت الشيخة اليازية عن مدى تأثير والدها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، على حياتها وتكوينها الفكري وتطلعاتها نحو المستقبل، بما يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، التي حجزت لها مكاناً مميزاً في صدارة دول العالم.
وبهذه المناسبة هنأتها «الاتحاد» بهذا المنصب الرفيع، الذي انطلق منه هذا الحوار.
* منحتك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» منصب سفيرة فوق العادة للثقافة العربية، ماذا يعني لك هذا المنصب؟
- بداية.. أشكر صحيفة «الاتحاد» على هذا اللقاء، فهي دوماً تدعم الحركة الثقافية منذ تأسيسها، أما بالنسبة للتكريم، فهذا فضل من الله، كما يرجع لجهود الإمارات وأبوظبي في تنشيط ودعم الحركة الإبداعية والثقافية، ويأتي أيضاً من اهتمام «الألكسو» بتعزيز الثقافة العربية بين شعوب العالم، وهذا التكريم يضيف مسؤولية على ما نقدمه فهو تكليف وليس تشريفاً، كما يعطي أبعاداً ودلالات للرسالة التي صارت حاضرة في الأعمال، وهي رسالة تشمل أكثر من شخص، وهذا سيكون حاضراً في متابعة الأعمال التي سنقوم بها.
* نشأتك في بيت يعلي من شأن القيم الثقافية والتراثية، إلى أي مدى أثرت هذه النشأة في مسيرتك على طريق الإبداع الثقافي، والمتمثل في إطلاقكم لشركة «أناسي» عام 2007؟
- الأسرة يسودها تشابه في الأفكار، فنحن منسجمون ومشتركون في تبادل المعرفة والحوار الهادف، خاصة أن الوالد معالي الشيخ نهيان بن مبارك، مهتم بكل فكرة أو رأي، وهو يسمع ويسأل ويحاور، وكذلك الوالدة، لذلك نحن كأخوات، نشعر أن أي موضوع يطرح للنقاش يكون مشتركاً، وهذا الأمر، بالنسبة لي، أسهم في نجاح أي نشاط أو عمل، ونحن جميعاً في تفاهم وانسجام من خلال تبادل الأفكار بيننا، مما يسهل أي نشاط ثقافي نعمل عليه، وهناك رؤية مشتركة وحوار يدور بيننا قبل تنفيذ أي فكرة جديدة.
* هذا النجاح والتكريم للشيخة اليازية، إلى أي مدى يجسد القوة الناعمة لدولة الإمارات محلياً وإقليمياً ودولياً؟
- الإمارات بفضل جهود وحكمة القيادة الرشيدة، تمضي من إنجاز إلى إنجاز، ومن نجاح إلى نجاح، فالقوة الناعمة تأتي نتيجة لهذه الإنجازات، وكل إنجاز جديد يقدم صورة صحيحة ومشرفة لدولتنا.. هنا يأتي دور القوة الناعمة داخل الدولة وخارجها، وهذا يظهر في وعي واهتمام وزارة الثقافة والشباب بهذا الأمر والعمل عليه.
* نجحت إمارة أبوظبي في تعزيز مكانتها كمركز للإبداع الثقافي والإشعاع الحضاري وتدشين استراتيجية ثقافية جعلت منها عاصمة للصناعات الثقافية والإبداعية، وهو ما تمثل في تدشين متاحف عالمية مثل «اللوفر - أبوظبي» وغيره من المؤسسات الرائدة، كيف ترين ذلك كله؟
- طبعاً المتلقي زادت خياراته، وهذا المطلوب دائماً، الصانع أيضاً زادت فرصه، وإن زادت الفرص أكثر لصناع الأعمال فهذا يزيد الخيارات أمام المتلقي، ليعطي أكثر في الغنى والتنوع مما يحرك المصادر الثقافية والإبداعية والاقتصادية أيضاً، أي أن الحركة تأخذ أبعاداً أكثر من المجال الثقافي والفني حيث إن باقي القطاعات تستلهم من هذا كله.
* ماهي أبرز المهام الأولية التي تفكرين في القيام بها؟
- سوف نبدأ بالموقع الإلكتروني «بوابة النقوش العربية»، وهو بمثابة مكتبة إلكترونية موثقة متخصصة تجمع أهم الاكتشافات الخاصة بالنقوش الكتابية العربية المحفورة على الصخور والأحجار، والمنتقاة من قبل نخبة من العلماء والباحثين من دولة الإمارات ودول أخرى من الوطن العربي، والموقع يجمع هذه النقوش من الإمارات وسبع دول عربية ويعرضها باللغتين (العربية والإنجليزية) للطلاب والمختصين والمهتمين بالتراث، وبذلك يدخل هذا العمل مرحلته الثانية ويتوسع أكثر، ونستقبل وفوداً أكثر من دول غير عربية، ونحن متفقون مع «الألكسو» على أهمية التوسع في ضم أكبر عدد ممكن من النقوش الكتابية بهذه البوابة.
بدأنا الآن في المرحلة الثانية من مبادرة «بوابة النقوش العربية»، وحالياً هناك تعاون مشترك مع الاتحاد العام للآثاريين العرب برئاسة الدكتور محمد الكحلاوي، لتخصيص جوائز في الدورة القادمة لمؤتمر الاتحاد في مجال النقوش الكتابية العربية على الصخور والأحجار، لرفد موقع «البوابة»، بالأبحاث والنقوش الفائزة. وهناك موضوع آخر قيد التفكير فيه، ويشمل عدة جوانب منها «الفن والتاريخ والموسيقى»، وهو فيلم «طريق البخور» ذلك الطريق الذي امتد لعصور طويلة ومر على مجتمعات وممالك عديدة، ويتناول مواضيع متعددة مثل أسواق العرب وتجارة البخور، وأنواع التجارة، ويمكن أن يكون عملاً مشتركاً تقدم فيه عادات إيجابية في المجتمعات المختلفة.
وهناك أيضاً برنامج تتبلور فكرته في أن ننطلق من الماضي لنعبر للمستقبل، وذلك بالتشجيع على زيارة المتاحف لجعلها عادة ونمطاً إيجابياً للأسرة العربية كتجربة تفاعلية، ومع هذا البرنامج يمكن تأهيل مرشدين ثقافيين شباب.
* كيف ترى الشيخة اليازية أهمية السينما في توثيق المعالم الأثرية والأحداث التاريخية، ودورها في ترسيخ الهوية الإماراتية؟
- تاريخ الإمارات يمتد لمئات السنين، وفي الجزيرة العربية نلتقي مع دول الجوار أيضاً في تاريخ قديم يعود إلى ما قبل الميلاد، وفيلم «طريق البخور» سيعرض هذه العلاقة والامتداد التاريخي إلى ما قبل الميلاد وسيظهر دور المنطقة وسكانها في الأحداث التاريخية، وقد قدمت شركة «أناسي»، التي تأسست عام 2007، فيلماً وثائقياً عن تاريخ الإمارات «وطن للتاريخ.. أمة للمستقبل»، ويمكن أن يكون التوثيق مجتمعياً، لكن من ناحية تاريخية، لأن الاستدامة أيضاً، كبيئة وعادات وتراث، ممتدة عبر أزمنة بعيدة، وهي مترسخة عند أي شخص عربي، والسينما بكل الأساليب المرئية والصوتية والفنية أحسن وسيلة للتعبير، الشيء الذي يمكن أن يكمن في داخل كل واحد منا، الفيلم الوثائقي مهم لأي شخص يريد أن ينظر للتاريخ.
* يشكل «إكسبو 2020 دبي» أهم حدث عالمي تقيمه الإمارات، كيف تنظرين كفنانة تشكيلية إلى هذا الحدث؟
- الجميع سعيد وفخور بهذا الحدث، ومبهور بما تحقق في «إكسبو 2020 دبي»، وما يتحقق عبر هذا الحدث في الإمارات قل أن يتكرر في أي مكان آخر، بهذا المستوى العالمي.
* شركة «أناسي» أنتجت العديد من الأفلام الوثائقية، هل في هذه الأعمال فيلم يحظى بتقديرك أكثر من غيره أم أن جميع الأعمال كانت تكمل بعضها بعضاً؟
- نحن نترقب القادم دائماً، وهناك فيلم جديد بعنوان «100 عبوة»، من إخراج مازن الخيرات سيقدم قريباً، إن شاء الله.
* ما هي رؤيتك للنهوض بالثقافة العربية وإبراز الوجه الحضاري للقيم العربية، وكيف نكرسها لقبول الآخر ومد جسور التواصل ونشر التسامح؟
- القيم موجودة، وإذا تحدثنا كثقافة هناك معانٍ وممارسات يمكن أن تكون إيجابية وغير إيجابية، إذا قلنا ثقافة عربية فلها معانٍ إيجابية كثيرة، فيها ثقافة الإحسان والكرم، ثقافة التسامح والعطاء، وثقافة الوحدة، لذلك هذه القيم ينبغي، بل ومن الضروري تعزيزها، وهذا دورنا جميعاً.
* هل يمكن أن تحدثينا عن الوالد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، ومدى تأثيره في تكوينك الإبداعي والثقافي؟
- الفضل يرجع لأبي في كل شيء، وأهم شيء أنه يقدر جداً الصدق والإتقان في العمل، كما يعطي المجال للاختلاف في الرأي، وهذا أهم درس في الحياة، فأنا وأخواتي نستمد من أبي وأمي هذه الأشياء في حياتنا.
* بدأت تجربتك الثقافية بفن التشكيل، هل كانت «الصورة» بداية تجربتك في إنجاز العديد من الأعمال السينمائية؟
- كانت هذه بداية ظاهرة، أما البداية الحقيقية فكانت مشتركة مع أمي وأخواتي من خلال حضور محاضرات أو دورات فنية ثقافية، تطرح قصصاً من التاريخ والسيرة النبوية، من هنا كانت الانطلاقة لي ولأخواتي، هذه الأجواء التي تربينا عليها هي التي أسست لكل جديد جاء بعدها، مما يحرك الأفكار والإلهام داخل الإنسان، ومن هنا كانت الانطلاقة لمعرفة المزيد.