محمود اسماعيل بدر (عمّان)
تستلهم التشكيلية الأردنية الدكتورة إنصاف الرّبضي أعمالها من قراءاتها المستفيضة في مجالات الفنون والتصميم، لكونها أستاذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك الأردنية، والرئيس الفخري لجمعية الرواد للفنون التشكيلية، ومن مشاهداتها المستمرة للعالم، الذي تلتهمه بعيني ريشتها الأنثوية الشّفافة، ثم تعيد تمثيل ذلك من جديد في لوحات تتخذ من الحالة الصوفية شكلاً وإيقاعاً لونياً، وما يحيط بنا من أحداث جسام في ظلال «عولمة ثقافية» تخرج عن مضاربها وإنسانيتها في أغلب ألأحوال، ونجد ذلك فيما يبدو في معرضها المقام حالياً في صالة العرض الكبرى بالمركز الثقافي الملكي في العاصمة عمّان، وافتتحه قبل أيام وزير الثقافة، نائب رئيس اللجنة العليا لاحتفالية مئوية الدولة ألأردنية علي العايد، بتنظيم من جمعية الرّواد للفنون التشكيلية و«آرت غاليري توداي»، بالتعاون مع وزارة الثقافة.
تقول الرّبضي إنها تأثرت بالصّوفية إلى حد كبير، وأن العديد من عناصر لوحاتي مستوحاة من التراث والموروث الأردني والإنساني، كما أتعامل مع مساحة الرّسم كساحة وفضاء للاكتشاف.
وتضيف أن بانوراما الحياة والنّور هي رحلة ليست سوى عودة البشر إلى رحم الحياة، الذي يتسع جميع النّاس، هناك حيث يشعر الفنان بذلك الإيقاع الأصيل الذي يفرض نفسه على الوجود، ويصبح في مقدوره أن ينقل مشاعره وآماله وآلامه إلى الجنس البشري بأكمله، كضرب من المشاركة الصوفية التي تتمثل بمستوى خاص من الخبرة والدّراية التي تقوده إلى عالم النّور الذي يصبح فيه الإنسان هو الذي يعيش لا الفرد بأنانيته.
وعن ماهية أعمالها في المعرض الذي يستمر حتى منتصف أكتوبر القادم تقول الربضي: لقد كان لإنسانية الحياة حضور في المشاهد الدرامية للوحاتي كما حيوات الخلائق الأخرى، فجاءت ببعض المفاهيم من حيث ثنائيات جدلية متحاورة لا متصارعة، كرحلة الولادة والموت، البقاء والفناء، الأنا والآخر، وأن من خصائص الفن أنه لا يعزل إلا لكي يعود ويجمع، والفنان برسالته الإنسانية يرتاد عالم الاضطراب والعناء، والاختلاط، والفوضى الخلاّقة، لكي يتسنّى له أن يستخرج من كل هذا الخليط شيئاً جديداً، يمتّع المدرك البصري للمشاهد، يحدده وينظمه، ويبين لنا معالمه، ليصنع من النّقص اكتمالاً، ومن الاعتام والظلمة إشراقاً، ومن الصراع سلاماً، ومن الفناء بقاءً.
وتشير قائلة «في الواقع هذا المعرض تجربة فنية حاولت فيها أن أخترق حواجز الزمن والتاريخ علّني أصل إلى منطقة اللا زمن، من حيث يستوطن الخلود في حالة من امتلاك الوعي بوجود عالم ميتافيزيقي وراء العالم المادي المحسوس، إلى عالم النور الذي ينفذ من خلاله، وعلى إيقاعات هذا العبور الإنساني عيني تسمع وأذني ترى، وعلى نغمات ما أسمع وما أرى، تتحرك يدي وفرشاتي على سطح اللوحة، فأرسم الحياة بكل متناقضاتها، لتنقلني ألحان الألوان إلى أعلى درجات السمو الفكري وأرقى حالات الفرح، ففي الفن دائماً شيء من الحياة، لأنها مستمرة والنور لا يمكن أن ينطفئ».
تميل الربضي في أعمال معرضها الـ 30 إلى حواف من التجريد المتّزن، المحمل في أكثر من عمل بخطوط دقيقة ذات الألوان القاتمة ومن الأصفر القشّي، خطوط تنمو من أفكار تختزنها عن حركة الإنسان والوجود، في إطار رمزي، يحتفل بصمود البشر وإصرارهم على الحياة وتجاوز العتمة.