محمد نجيم (الرباط)
تقوم تجربة الفنان الفوتوغرافي المغربي عبدالعالي النكاع على التقاط تفاصيل الوجوه ونظرتها المحيرة والمُلغِزة المحمّلة بالأسئلة والقلق، فهو يحاول بعدسته استجلاء صرخات الوجوه الصامتة والكشف عن مفارقات الحياة واستنطاق والمكنون في الأعماق بحثاً عن معاناة الإنسان المستشرية في الذات. تلتقط عدسته ذلك الصمت الصارخ الذي يخرج متدفقاً من أعين الأطفال والمُسنين بعمق وتقنية شاعرية قل نظيرها، وتختزل الكثير من الكلام والقصص.
في معرضه «أمكنة ووجوه» المنظم في مدينة تازة، يتحول هذا الفنان إلى مؤرخ لمصائر الناس والأمكنة، وصانع ومُرمم للذاكرة الجماعية، إذ إن النظر إلى الصور وقراءتها سيميولوجياً كفيل باستيعاب وفهم مدى تعلقه بذاكرة الأمكنة والوجوه، باعتبار هذه الذاكرة تأريخاً أيقونوغرافياً للإنسان، فالفن الفوتوغرافي، كما قال الناقد عبدالعالي السيباري، خلال افتتاح المعرض، هو فن الممكن والحلم، وتجاوز الكائن الراهن والواقع نحو بناء عوالم ممكنة أكثر جمالاً وانفتاحاً على اليوتوبيا. والفن الفوتوغرافي، هو كذلك تسجيل للزمن وتوثيق للأحداث والوقائع، في سياق العلاقة المركبة بين الزمان والمكان والإنسان. وتشييد للذاكرة، وحفظ لها من سيولة الزمن الجارف.
ويعتبر الفنان عبد العالي النكاع من أبرز المصورين الفوتوغرافيين المغاربة المحترفين، والمعروفين باشتغالهم الخاص والمكثف على الأمكنة والوجوه، مما جعل تجربته الفوتوغرافية في أغلبها، تبدو على شكل أسئلة أو تدوينات بصرية ثنائية اللون (الأسود والأبيض)، تحاول الحفر بعيداً في ذاكرة المدن (مدينة تازة العتيقة بشكل خاص)، والكثير من الوجوه البشرية التي يتعقبها الفنان أو يلتقي بها مصادفة هنا وهناك: في المغرب أو في باريس، حيث اختار الإقامة. فداخل تجربته الفوتوغرافية الغنية ومتعددة التقنيات والرؤى، يحاول هذا الفنان رصد الكثير من الملامح الهاربة والمنفلتة للوجوه والأمكنة، وهي ملامح تبدلت كثيراً وأصبحت عصية على القبض! ولكن عين الفوتوغرافي أو عين الكاميرا، كما قال الناقد الجمالي بوجمعة العوفي، تعمل جاهدة على استنطاق هذا المتخفي والملغز في الأمكنة والوجوه والصور كذلك، بكل هذه الشحنة أو الطاقة الهائلة من الحنين أو النوستالجيا، فهي المحرك الأساسي، لهذه التجربة الفنية، حيث قد تدفع المصور الفوتوغرافي إلى اختيار المكان والوجه البشري (البورتريه) مجالاً للاشتغال الفني وخياراً تعبيرياً وجمالياً مهماً وأساسياً في آخر المطاف، لأن المكان بذاكرته البعيدة، والوجه البشري، بحمولته الدلالية القوية، وبالنظرات الملتبسة في العيون، هو مكمن الرغبة والدهشة والحنين في كل شيء، مما يجعل الفوتوغرافي نفسه مأسوراً بهذه النظرات و«ضحية» لها في الوقت نفسه!