السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإخوان المسلمون.. طابور هتلر الخامس

هتلر وجد في «الإخوان المسلمين» ما يريده لخدمة أهدافه (أرشيفية)
19 أغسطس 2021 02:53

إميل أمين

إلى أي حد ومدى حاول النازي التلاعب بالشعوب الإسلامية؟ وما هي أبعاد الدور الذي لعبته قيادات جماعة «الإخوان المسلمين»، من أجل تنفيذ مخططات هتلر، في تسخير المسلمين حول العالم، ليكونوا أداة طيّعة في أيدي الفوهرر؟ وما هي أبعاد العلاقة السرية بين الطرفين؟ تلك الأسئلة والكثير غيرها، يحتويها كتاب «النازيون والإسلام في الحرب العالمية الثانية» لصاحبه الأكاديمي والمؤرخ الألماني من أصول إيرانية، ديفيد معتدل، أستاذ التاريخ الحديث بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والعمل في الأصل هو رسالته للدكتوراه من جامعة كامبريدج عام 2010 والتي فازت بجوائز دولية عديدة لأهميتها.
صدر الكتاب بـ«العربية» في القاهرة عن دار مدارات للأبحاث والنشر، ومن ترجمة محمد صلاح علي الباحث والمترجم المتميز والمعروف. والكتاب هو أشمل تقصٍّ لعلاقة ألمانيا النازية بالإخوان المسلمين، فهو بلا جدال أوسع من جميع الكتب والسير التقليدية التي ركزت على علاقة أمين الحسيني مفتي القدس وذو الصلات المعروفة مع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين بهتلر، وبالقدر نفسه أكثر وعياً من مجرد حصر علاقة الفوهرر بحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومحاولته لخديعة هتلر، وإنشاء ما يسمى بـ«الفيلق الإسلامي»، داخل الجيش الألماني. كما أن التفاصيل الدقيقة التي يرصدها، ديفيد معتدل، لم ترد في موقع أو موضع آخر، ما يعني أن هذا العمل إضافة حقيقية، وينبغي قراءته بكل عناية وتدقيق.
وتخبرنا حقائق التاريخ بأن النازي رأى في عالم الإسلام قوة سياسية هائلة، يتوجب أن تشارك ألمانيا عداءها للإمبراطورية البريطانية، والاتحاد السوفييتي واليهود، ولهذا وجد هتلر في جماعة الإخوان المسلمين من يساعده كطابور خامس، في حربه الكونية.
ويفسر ديفيد معتدل في صفحات كتابه كيف حاول المسؤولون الألمان الدعاية للرايخ الثالث بوصفه نصيراً مزعوماً للإسلام! ويستكشف سياسات برلين ودعايتها في ساحات الحرب الإسلامية، والعمل المكثف الذي قامت به السلطات النازية في سبيل تعبئة المسلمين وتجنيدهم، وتقديم الرعاية الروحية والتلقين الأيديولوجي لعشرات الآلاف من المجندين المسلمين الذين قاتلوا في صفوف القوات المسلحة الألمانية، ووحدات الحماية النازية.

  • الكتاب مترجماً إلى «العربية»
    الكتاب مترجماً إلى «العربية»

ويكشف الكتاب كيف انخرطت القوات الألمانية على الأرض، في شمال أفريقيا والبلقان والجبهة الشرقية، مع جماعات مسلمة متنوعة، ومن هنا يمكن الولوج إلى عالم العلاقة السرية بين النازية والإخوان المسلمين بنوع خاص. فقد استطاع النازي استمالة مفتي القدس، ذو الصلة بالإخوان المسلمين، أمين الحسيني، بعد أن كان لاجئاً في العراق، واستطاعوا تدبير لقاء له مع الزعيم النازي، أدولف هتلر، في دار مستشارية الرايخ الجديدة في برلين، في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1941.
وكانت برلين قد وقعت في فخ الإخوان المسلمين، وتقيدت بالتصور الذي أشاعه الحسيني عن نفسه، والذي يبدو فيه المفتي رجلاً له مكانة روحية وسط المسلمين بنفس القدر الذي يمارس به بابا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية نفوذه على كاثوليك العالم في قارات الأرض الست، رجل مسلم كلمته مسموعة لدى المسلمين المتدينين حول العالم!
لم يعكس توظيف الحسيني مجرد فكرة التضامن الإسلامي العالمي فحسب، بل عظم أيضاً من الطابع الديني الذي اتسمت به المساعي الألمانية لاستمالة المسلمين في البلقان.
وفي أواخر مارس، وأوائل أبريل من عام 1943، أرسلت وحدات الحماية، أمين الحسيني، الذي كان منخرطاً بقوة في الدعم والأعمال الاستشارية لصالح وحدات الحماية، في جولة داخل المناطق التي يسكنها المسلمون في دولة الأوستاشا، أي كرواتيا.
وكان المشهد الذي خضع للإعداد الدقيق من قبل مكتب قيادة وحدات الحماية، مؤشراً على بدء الحملة الألمانية لاستمالة المسلمين في المنطقة، ولتعبئة الذكور منهم في الجيش الألماني.
وكان دور الحسيني بوصفه رمزاً إسلامياً هو إسباغ الشرعية الدينية على المجهود الحربي الألماني، وكانت مهمته هي دعوة السكان المسلمين لدعم ألمانيا، والتفاوض مع الزعماء والفقهاء، وأمراء الحرب المسلمين في المنطقة.

البراجماتية التقليدية
يلفت ديفيد معتدل في سطور كتابه، وتحديداً في الفصل الثاني، الذي يحمل عنوان: «اللحظة الإسلامية في برلين»، إلى ديدن جماعة الإخوان التقليدي، أي البراجماتية التقليدية، ومحاولة انتهاز الفرص لتعظيم مكاسب الجماعة، على أمل الوصول إلى مرحلة «الأستاذية العالمية»، ومن ثم حكم العالم.
وبمزيد من التوضيح يشير معتدل إلى أن الحوار الذي دار بين هتلر والحسيني، اقتصر على تبادل عبارات المجاملة الشكلية، والتأكيد على أنهما يحاربان العدو نفسه، الإنجليز واليهود والبلشفية.
غير أن هتلر كان أوسع حيلة وأعمق دراية بالضيف الإخواني، ذلك أنه عندما طلب الحسيني من هتلر ضمانة مكتوبة باستقلال العرب وخاصة استقلال فلسطين، تهرب الفوهرر من الأمر، وعندما كرر الحسيني طلبه، أخبره هتلر بأن الوقت لم يحن بعد لهذا النوع من المطالب، ولكنه أكد على «كفاحه ضد اليهود بلا هوادة»، بما فيهم يهود البلاد العربية.

  • غلاف الكتاب في نسخته «الإنجليزية»
    غلاف الكتاب في نسخته «الإنجليزية»

كان من الواضح أن هتلر يتلاعب بالحسيني وجماعة الإخوان ليس أكثر، ويستغلهم كخنجر في خاصرة أعدائه، من دول الحلفاء، والدليل على صحة ما نقول هو أن الحسيني طلب لاحقاً لقاء هتلر مرة أخرى في عام 1943، لكن هذا اللقاء لم يحصل أبداً.
والمثير أنه فيما كانت الماكينة الاستخبارية النازية، تقوم بدفع الحسيني في خدمة أغراضها في دول البلقان وبقية تجمعات المسلمين في أوروبا، ومحاولة اختراق الاتحاد السوفييتي، من خلال عناصر راديكالية إسلاموية في جمهورياته المختلفة، كانت الاتصالات تجري مع حسن البنا في القاهرة بشأن إنشاء فيلق إسلامي يصل تعداده خمسين ألف جندي.
كان هتلر يريد تعبئة بشرية بعدما بدأت حظوظه في الحرب تتراجع، فيما كان البنا يريد جيشاً إخوانياً خاصاً به في مصر، ليتمكن من بسط سطوة الجماعة على العالم العربي، وهو الأمر الذي لم تغفل عنه عيون وآذان الفوهرر، ولهذا لم يرَ ذلك الفيلق النور أبداً، وكما خسر الحسيني رهاناته على هتلر، خسر أيضاً البنا بدوره.

توظيف واستغلال الإسلام
من أهم النقاط التي يلفت الكتاب الانتباه إليها، أوجه التشابه مع الحالات الأخرى لاستغلال الإسلام وتوظيفه في الصراعات العالمية في العصر الحديث.
ولعل الأكثر إثارة، هو استخدام القوى الدولية لجماعات الإسلام السياسي عادة خلف الخطوط على أمل تحقيق مكاسب، كما هو الحال في زمن الحرب الباردة، وأوان «الجهاد الأفغاني»، وكما هو الأمر أيضاً في حالة ما سمي «الربيع العربي»، على سبيل المثال.
هل جماعة الإخوان وبقية تيارات الإسلام السياسي غافلة ومغيبة طوال تاريخها عمن يقوم باستغلالها أبشع وأسوأ بل أرخص استغلال، وكما كانت أسرة البربون الفرنسية، لم يتعلموا شيئاً من أحداث التاريخ؟
ديفيد معتدل في كتابه الكبير والخطير، يبين لنا أنه لم تكن ألمانيا النازية القوة الوحيدة التي حاولت توظيف الإسلام السياسي لحشد الدعم في العالم الإسلامي، ففي واقع الأمر بذلت شريكتاها في المحور، اليابان وإيطاليا، أيضاً جهوداً مماثلة. ففي أوائل عام 1937 نظم الدوتشي موسوليني، احتفالاً عاماً في طرابلس الغرب حصل فيه على «سيف الإسلام» المرصع بالجواهر، ليعلن نفسه رمزياً حامي حمى العالم الإسلامي.
في ذلك الوقت، علق غوبلز، وزير الدعاية النازي، في يومياته بالقول: «يجوب موسوليني أفريقيا مشيداً بالإسلام، وهو تصرف ماكر شديد المكر، أثار من فوره قلق باريس ولندن».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©