فاطمة عطفة (أبوظبي)
التاريخ الإنساني مليء بالأحداث والتحديات الخطيرة، لكن عوامل الخير والتعاون بين البشر كانت نتيجتها دائماً إيجابية ومثمرة. وفي ظروف الجائحة، أكد التعاون العالمي على تخفيف الأخطار الداهمة، وكان للإمارات دور ريادي مشهود في تطبيق أعلى درجات الاحتراز والسلامة. وفي هذا السياق، كان لـ«الاتحاد» لقاء مع د. ضياء عبدالله الكعبي، أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المشارك بكلية الآداب، جامعة البحرين.
بداية وحول ظروف الجائحة وأهمية المنصات الافتراضية في التواصل العائلي والاجتماعي، تقول د. ضياء عبدالله الكعبي: منذ جائحة (كوفيد- 19) والتحولات الرقمية الإلكترونية تفرض واقعاً افتراضياً جديداً في العالم كله، وهو واقع جديد اخترق بعمق التواصلات الإنسانية التي تحولت، مع تدابير العزل والتباعد الجسدي، إلى تواصلات إنسانية افتراضية. وعندما نتحدث عن موسم الأعياد الدينية لدينا (عيدا الفطر والأضحى المبارك) فسنجد أن طقوس الأعياد قد تحولت بشكل كبير إلى الطقوس الإلكترونية. وأشادت د. الكعبي بتقيد الجميع بالسياسات الحكيمة الوقائية التي انتهجتها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي للحد من انتشار الفيروس، مبينة أن التجمعات العائلية اقتصرت على عدد محدود جداً، وبالتالي استعيض بالتواصل الإلكتروني بديلاً عن التجمعات المنزليّة في مواسم الأعياد والمناسبات، ابتداء من بطاقات التهنئة الإلكترونية و«العيدية» الإلكترونية، وغيرها من التفاصيل والطقوس التي جعلت البشر أكثر حميمية في التواصل المكثَّف مع أحبائهم وأقاربهم.
وعن احتفالات العيد في البحرين، تقول: طقوس العيد متشابهة بين مملكة البحرين وشقيقاتها من الدول الخليجية المجاورة نظراً لوحدة الأصل والانتماء والجذور، وتلك الروابط التاريخية التي تربط البحرين بشقيقاتها الخليجيات. وتوضح أن من تقاليد عيد الأضحى في البحرين طقس «الحية بيه»، وهي سلال من سعف النخيل تُزرع فيها بذور الشعير، ثمَّ في يوم الوقفة يحمل الأطفال الصغار سلالهم ويقذفونها في البحر، أو في البر احتفاء بوقفة الحجاج في عرفة، وقدوم عيد الأضحى المبارك، مشيرة إلى أن ممارسة هذا الطقس لا تزال تجري في البحرين من خلال استعادته التراثية، وأن بعض الأسر البحرينية لا تزال تصطحب صغارها لتأدية هذا الطقس الاحتفالي، رغم الجائحة.
وتضيف د. الكعبي أن لديهم أيضاً غداء العيد الذي يطبخ من لحوم الأضاحي مع الأرز، وهو طقس احتفالي تحرص عليه العوائل البحرينية، كما تحرص على تعطير البيت بالبخور والعود، لافتة إلى أن النساء قديماً كن يؤدين رقصة «المراداة»، وهي رقصة نسائيّة خالصة تصطف فيها الفتيات غير المتزوجات في صفين متقابلين وهن يهزجن بأهازيج العيد ويتزين بالمجوهرات البحرينيّة من الذهب البحريني الخالص وعقود اللؤلؤ وثياب النشل المطرّزة بخيوط الذهب.
أما حول تأثير الجائحة على الثقافات المحلية والعالمية، فترى د. ضياء الكعبي أنه تأثير كبير من خلال تحول هذه الثقافات إلى التواصل الرقمي في البرامج الثقافية، والمؤتمرات، والاجتماعات الثقافية، منوهة بأن المحتوى الثقافي الرقمي ازداد محلياً وعالمياً، وزاد غنى محتواه ومضامينه، كما ازداد الاهتمام عالميا بالآداب والفنون الرقمية التي تشهد إقبالاً منقطع النظير، خاصة في فترة الجائحة، وعالمياً كذلك ازداد التركيز على السياحة الثقافيّة الرقمية المتمثلة في زيارات افتراضية للمتاحف والمواقع الأثرية ومعارض الفنون وغريها. ولا شك أن تأثير الجائحة ليس تأثيراً وقتياً، فقد اختزلت عقوداً طويلة كان يحتاجها العالم للوصول إلى التحول الرقمي في سنتين فقط.