الإثنين 25 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

قراءة في بعض أعمال بيكاسو

بيكاسو
10 يونيو 2021 01:33

غيوم أبولينير
ترجمة: عبدالرحيم نور الدين

كتب الشاعر غيوم أبولينير (1880-1918) هذا النص عن صديقه الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو (1881-1973)، الذي يصفه بأنه عربي في مستوى الإيقاع، ونشره في مجلة «لابلوم» (La Plume) عدد 372، بتاريخ 15 مايو 1905.
لو علمنا لاستيقظت كل «الآلهة».. إن مذاهب وحدة الوجود، الناشئة عن معرفة احتفظت بها الإنسانية، قد نامت.. ولكن على الرغم من النوم الأبدي، هناك عيون تنعكس فيها إنسانيات شبيهة بأشباح سماوية وفرِحة.. هذه العيون منتبهة مثل زهور تريد دائماً تأمل الشمس.. أيها الفرح الخصب، هناك رجال ينظرون بتلك العيون.
نظر بيكاسو إلى صور بشرية كانت تطفو في سماء ذاكراتنا والتي تشارك الميتافيزيقيين.. كبيرة هي تقوى سماواته المهتزة كلياً بفعل الطيران، وكبير هو ثقل وانخفاض أضوائه الشبيهة بأضواء الكهوف.
هناك أطفال هاموا دون أن يتلقوا التعليم المسيحي.. يتوقفون فيَجف المطر: «انظر..! هناك أناس يعيشون أمام هذه المباني وملابسهم رديئة»، هؤلاء الأطفال الذين لا يتم تقبيلهم يفهمون الكثير.. أمي، امنحيني حبك! إنهم يعرفون كيف يقفزون، والدورات التي يقومون بها بنجاح، تشبه الحركات الذهنية.
هؤلاء النساء، اللواتي لم يعد أحد يحبهن، تتذكرن.. لقد أعدْن اليوم كثيراً استرجاع أفكارهن المتعِبَة.. إنهن لا يصلين.. إنهن مكرسات للذكريات.. يتكورن لحظة الشفق مثل كنيسة قديمة.. تستسلم هؤلاء النسوة وتتحرك أصابعهن لضفر أكاليل من القش.. ووقت شروق الشمس يختفين، لقد واسين بعضهن في صمت.. مررن بأبواب كثيرة: كانت الأمهات يحمين المهود حتى لا يكون المواليد الجدد منعدمي المواهب، وعندما ينحنين يبتسم الأطفال الصغار لشعورهم بطيبتهن الكبيرة.
غالباً ما شكرن وإيماءات سواعدهن كانت ترتعش مثل جفونهن.
ينتظر الشيوخ الملفوفون في ضباب جليدي، دون القيام بتأمل يذكر، لأن الأطفال وحدهم يتأملون. ويمكن لهؤلاء المسنين، الذين تحركهم البلدان البعيدة وشجارات الحيوانات والأشعار المتصلبة، التسول دون تواضع.
متسولون آخرون أوهنت الحياة صحتهم.. إنهم مشلولون ومستعملون لعكازات وشحاذون تافهون.. إنهم يندهشون من بلوغهم الهدف الذي ظل أزرق ولم يعد هو الأفق.. ومع تقدمهم في السن، أصيبوا بالجنون مثل ملوك يمتلكون الكثير من قطعان الأفيال التي تحمل قلاعاً صغيرة.. هناك مسافرون يخلطون بين الأزهار والنجوم.
بعد أن شاخوا، مثل الثيران التي تموت في حوالي الـ25 من العمر، قاد الشبان بعض الرضع إلى القمر.
في نهار نقي، تصمت النساء، أجسادهن ملائكية ونظراتهن ترتعش.
بخصوص الخطر تكون ابتساماتهن داخلية.. إنهن ينتظرن الهلع للاعتراف بخطايا بريئة.
عاش بيكاسو لمدة عام هذا التصوير الصباغي المبتل، والأزرق مثل قاع الهاوية الرطب والمشفق.
لقد جعلت الشفقة بيكاسو أكثر خشونة.. كانت الأمكنة تحمل رجلاً مشنوقاً وهو يمتد أمام البيوت فوق المارة المائلين.. كان هؤلاء المعذبون ينتظرون مخلصاً.. وكان الحبل يشرف بأعجوبة فوق السقائف، كما كانت الألواح الزجاجية متوهجة بزهور النوافذ.
في بعض الغرف كان فنانو صباغة فقراء يرسمون على ضوء القنديل عُرياً مغطى بالشعر..
يعيش المهرجون عندما يجمع الفن الصباغي ألوانه أو يسخنها أو يبيضها للتعبير عن قوة ومدة المشاعر، عندما تنحني الخطوط التي يحدها القماط، أو تتقاطع أو تنطلق.
الحب جيد عندما نقوم بتزيينه، وعادة العيش في البيت تُضاعف من العاطفة الأبوية، يجعل الطفل الأب أقرب إلى المرأة التي يريدها بيكاسو مجيدة وطاهرة.
لم تعد الأمهات، الخروسات، ينتظرن الولد، ربما بسبب بعض الغربان الثرثارة ونذيرة الشؤم.. عيد الميلاد ! لقد أنجبَتْ بهلوانات المستقبل بين القردة المألوفة، والخيول البيضاء والكلاب كما الدببة.
الأخوات المراهقات، اللائي يدعسن في توازن كرات المهرجين الضخمة، ينْقلن حركة العوالم المشعة إلى هذه الكرات، هؤلاء المراهقات غير البالغات لديهن مخاوف البراءة، والحيوانات تعلمهن اللغز الديني، بعض المضحكين يرافقون مجد النساء.
يحتوي اللون على كمدة لوحات جصية، أما الخطوط فهي ثابتة، لكنها موضوعة في حدود الحياة، والحيوانات بشرية وجنس كل واحد منها غير واضح.
الوحوش الهجينة لديها وعي أنصاف الآلهة المصرية، والمهرجون الصموتون ذبلت خدودهم وجباههم بسبب الحساسيات المَرَضية.
لا يمكن الخلط بين هؤلاء البهاليل وبين المهرجين، يجب أن يكون المشاهد تقياً، لأنهم يحتفلون بطقوس صامتة بخفة حركة صعبة، هذا هو ما يميز هذا الرسام عن الخزافين الإغريق الذين أحياناً ما يقترب رسمه من عملهم. وعلى الأراضي المرسومة، كان الكهنة الملتحون والثرثارون يقدمون حيوانات مستسلمة ودون مصير كأضحية، هنا تكون الرجولة خالية من الشعر، لكنها تظهر في أعصاب الذراعين الهزيلتين، والمناطق المفلطحة من الوجه وتظهر الحيوانات غامضة.
تفضيل بيكاسو للخط الهارب، يتغير ويخترق وينتج أمثلة فريدة تقريباً من الحدود الجافة الخطية حيث لا تتغير المظاهر العامة للعالم بسبب الأضواء التي تعدل الأشكال من خلال تغيير الألوان.
يصيبنا هذا الإسباني، أكثر من جميع الشعراء والنحاتين والرسامين الآخرين، بكدمات مثل نزلة برد سريعة.. تتعرى تأملاته في صمت.. إنه قادم من بعيد، من ثراء التكوين والزخرفة الخشنة لإسبانيي القرن السابع عشر.
يتذكر أولئك الذين عرفوه حركاته التلوينية السريعة التي تجاوزت مرحلة الاختبار.
قاده إصراره على السعي وراء الجمال إلى مسارات معينة، لقد رأى نفسه لاتينيًا أكثر في المستوى المعنوي، وعربياً أكثر في المستوى الإيقاعي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©