السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. علي بن تميم لـ «الاتحاد»: «جائزة الشيخ زايد للكتاب» رهان مشرق مع المستقبل

د. علي بن تميم
20 مايو 2021 00:28

حوار: إبراهيم الملا

صنعت جائزة الشيخ زايد للكتاب فارقاً نوعياً في فضاء الجوائز الثقافية المتعلقة بصناعة الكتاب وتثمين دور المؤلف، والارتقاء بالمحتوى المعرفي وتنمية الذائقة الجمالية، وما عزز من دور الجائزة وتأثيرها هو شموليتها، وتعدد أفرعها، واهتمامها بالحقول البحثية والمجالات المعرفية والإبداعية بمختلف صنوفها وأطيافها.
ومنذ انطلاقتها في عام 2006 عملت الجائزة على امتلاك صفة التميز والتجاوز والفرادة، تكريماً لذكرى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي انتبه مبكراً لضرورة النهوض بالإنسان قبل البنيان، ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي تواصلت جهود الجائزة عاماً بعد عام، ودورة بعد أخرى في ترجمة تطلعات الراحل الكبير، وتفعيلها شكلاً وموضوعاً، وروحاً وواقعاً، لترسيخ ثقافة الكتاب باعتباره منبعاً للمعارف، وطريقاً متوهجاً بالاستنارة والوعي والإبداع. 
في الحوار التالي مع «الاتحاد الثقافي» وبمناسبة الإعلان عن أسماء الفائزين بحقول الجائزة في الدورة الخامسة عشرة (2021)، يضيء الدكتور علي بن تميم أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، على تفاصيل وحيثيات مهمة تتعلق برؤى الجائزة ومكانتها وإنجازاتها، والتحديات التي واجهتها وسط الظروف المحلية والعالمية المستجدة خلال وباء «كورونا»، وما يتعلق كذلك بأفقها المستقبلي تحت مظلتها الجديدة بمركز أبوظبي للغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة.

** بعد 15 عاماً من انطلاق جائزة الشيخ زايد للكتاب واتّساقها مع الرؤى الثقافية والقيم الإنسانية التي عمل الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه» على نشرها وترسيخها، كيف تقيّمون المرحلة السابقة، وكيف تنظرون إلى مستقبل الجائزة من حيث التنويع والإضافة والابتكار؟
- شهدت جائزة الشيخ زايد للكتاب منذ انطلاقتها نمواً كبيراً وتطورات إيجابية أسهمت في إحداث نقلة نوعية في مسيرتها الثقافية الملهمة، حيث كانت الموضوعية والشفافية هما عنوان المرحلة التأسيسية للجائزة، والتي قامت بشكل فاعل في ترسيخ قيمة الجائزة الثقافية والأدبية والمعرفية عربياً وعالمياً، انطلاقاً من إيمان عميق بالرؤية الثاقبة للمغفور له الشيخ زايد، والتي كانت وما زالت الدافع الأكبر للجائزة. لقد كان الراحل الكبير السبّاق في إطلاق أول معرض للكتاب في عام 1981 وكان وعيه استثنائياً بقيمة الكتاب بصفته أحد منابع المعرفة وتشكيل الهوية الوطنية المنسجمة مع إرثها والمتطلعة إلى مستقبلها. ومن هذه الروح، تنبثق الإرادة الصلبة لجعل جائزة الشيخ زايد للكتاب نوعية بكل المقاييس؛ لأنها تقدم منظوراً ثقافياً متكاملاً يعزز من صناعة الكتاب، وتظهر رؤية شاملة لجميع عناصر صناعة الكتاب من أدب وترجمة ونشر، تؤسس لبنية ثقافية شاملة، وتتحلى بمصداقية عالية تعكس طابع أبوظبي الأشمل في تنمية البعد المعرفي. وإذ نضجت الجائزة ووصلت إلى ما نصبو إليه من مكانة وقدر، نرى أنها تدخل مرحلة جديدة في تاريخها تحت مظلة مركز أبوظبي للغة العربية، إذ حققت 2349 مشاركة خلال الدورة السابقة كونها إحدى ركائز المركز لتحقيق أهداف أشمل لدعم اللغة العربية وتطويرها، وسيكون لها دور رئيسي في الإسهام في تحقيق ذلك ضمن منظومة واسعة من البرامج والمشاريع التي تعمل للهدف ذاته.

  • شعار الجائزة
    شعار الجائزة

** لقد ذكرت أن جائزة الشيخ زايد للكتاب الآن تعمل تحت مظلة مركز أبوظبي للغة العربية الذي تم تأسيسه حديثاً. ما الدور الذي سيقوم به مركز أبوظبي للغة العربية لتعزيز اللغة العربية ودعم ريادة أبوظبي للثقافة؟ 
- تشمل اختصاصات المركز وضع الخطط والاستراتيجيات الخاصة للنهوض باللغة العربية، وتطوير تقنيات لتمكين اللغة العربية رقمياً وتعزيز المنصات المختلفة للتواصل باللغة العربية في كافة ميادين الحياة العملية والتكنولوجية، وإعداد سفراء للغة من جميع أنحاء العالم. كما سيعمل المركز على دعم الإبداع والتأليف والبحث العلمي في مختلف فنون اللغة العربية ومجالاتها والقيام بأعمال الترجمة والتأليف والنشر، بما يضمن مواكبة متطلبات العلوم والآداب والفنون المتجددة، علاوة على إطلاق المبادرات لدعم متعلمي ودارسي اللغة العربية من الناطقين بغيرها. كما يقوم المركز بتأسيس وإدارة مكتبات ومراكز متخصصة باللغة العربية وتراثها المخطوط ولهجاتها وعلومها وآدابها وفنونها، وبالشعر، وعلاقتها باللغات الأخرى، وتنظيم المعارض المتخصصة للكتب والمؤتمرات المتعلقة باختصاصات المركز. ونعمل من خلال مركز أبوظبي للغة العربية على تحقيق أهداف استراتيجية أربعة يمكن تلخيصها على النحو التالي: تعزيز تبني اللغة العربية على المستوى المحلي ودمجها وربطها بالواقع والمستقبل الوطني للدولة، ونشر اللغة العربية كونها لغة علم وثقافة وإبداع، وتمكين إنتاج المحتوى الرقمي العربي وتطوير التقنيات التكنولوجية المعنية باللغة العربية، وتعزيز البحث العلمي والإصدارات العلمية والأكاديمية التي تتناول نهوض وتطوير اللغة العربية. واستناداً لهذه الأهداف، نطمح إلى إحداث أثر ملموس على الصعد كافة المرجوة على مدى السنوات الخمس القادمة، آملين بزيادة القيمة الاقتصادية المضافة لقطاعات محتوى اللغة العربية، وزيادة مشاركة ونشر محتوى عربي جديد ومتطور، والارتقاء بمكانة اللغة العربية إلى مراكز متقدمة ضمن أكثر اللغات إنشاءً للمحتوى الرقمي واستهلاكه، إضافة إلى زيادة نسبة التقارير الأكاديمية المعرفية عالمياً بنتائج دراسات البحث والتطوير في اللغة العربية.

الجائحة والوهج الثقافي
 ** كيف تجاوزتم التحديات التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19»، وما الآليات المستجدّة التي اتبعتموها للإبقاء على الوهج الثقافي والإعلامي للجائزة؟ 
- لقد كان تحركنا في هذا الإطار منبثقاً من وعي القيادة الإماراتية بأهمية صحة المجتمع وسلامته، ووجوب التأقلم السريع لضمان سير العمل مع الحفاظ على سلامة الفريق والشركاء والمشاركين وضيوف الجائزة. وعليه، فقد لجأنا خلال عام «الجائحة» إلى الحلول الرقمية، وأقمنا حفل الجائزة بشكل افتراضي ونقله مباشرة عبر «الإنترنت» وحظي بمتابعة أكثر من مليونيْ مشاهد، وقد لاقى ترحاباً من جميع المشاركين والفائزين، إذ إنه حافظ على الألق الذي عهدوه في جميع احتفالات الجائزة، وأعطى الفرصة لنا ولفائزي دورة عام 2020 والجمهور بأسره للاحتفاء بإنجازهم وفوزهم الثمين.

** ما الأفكار والإجراءات النوعية التي حقّقت لجائزة الشيخ زايد للكتاب حضورها الخاص والمتفرّد مقارنة بغيرها من الجوائز العربية والعالمية؟
- تنضاف «جائزة الشيخ زايد للكتاب» إلى أمّات الجوائز العربية والعالمية، التي تسعى إلى تكريم الفكر والإبداع، وهي تمثل استكمالاً وإضافة نوعية وفريدة إلى تلك الجوائز من جانب شموليتها، وتعدد أفرعها، ولاسيما في الحقول البحثية والمجالات المعرفية والإبداعية، التي لم تلتفت إليها منظومة الجوائز العربية، فضلاً عن محاولتها البحث عن التفرد، وتجاوز المتاح، والوصول إلى العالمية، وترسيخ ثقافة الكِتاب وقيمته بمعناه الواسع المتجدد، بوصفه وعاءً للعلم والمعرفة، وأداةً للتقدم والازدهار والتنوير، وتنمية الإنسان، عبر تنشيط حركة التأليف والنشر والترجمة.
وتمثل هذه الجائزة تكريماً للمبدعين والمفكرين والباحثين، واحتفاءً بهم وتقديراً وتشجيعاً مادياً ومعنوياً، وتعريفاً بهم عربياً وعالمياً، عبر حرصها على عقد الندوات الثقافية، وحضورها في معارض الكتاب الدولية -باعتبارها أحد أهم المنافذ للإعلان عن الجائزة- ونشر محتواها الثقافي، حتى باتت تلك المشاركة تقليداً سنوياً، وجزءاً محورياً من تواصل الجائزة مع الثقافات الأخرى، والذي يهدف إلى نشر الثقافة العربية، وفتح آفاق العالمية للفائزين بالجائزة أمام الباحثين والمفكرين، وتحفيزهم على الخلق والابتكار والتجديد، والارتقاء بمشاريعهم ومنجزاتهم الإبداعية، من أجل خلق حالة ثقافية إيجابية تتجاوز السائد، وتعيد للثقافة العربية وهجها وتألقها، وتجدد دورها الحضاري والريادي إبان عصورها الذهبية.

  • شعار مركز أبوظبي للغة العربية
    شعار مركز أبوظبي للغة العربية

ومما أضفى على الجائزة قيمة مضاعفة التفاتها إلى ميادين بحثية أغفلتها منظومة الجوائز العربية والعالمية كدراسات النقد التشكيلي، والنقد السينمائي، والموسيقى، والمسرح، وفنون الصورة، والعمارة، والخط العربي، والنحت، والآثار، كما غطت الجائزة مجالات وتخصصات جديدة لم تلتفت إليها الجوائز الأخرى من قبل، كفرع أفضل تقنية في المجال الثقافي، الذي تمنح جائزته لدور النشر والتوزيع الورقية، ومشاريع النشر والتوزيع والإنتاج الثقافي الرقمية والبصرية والسمعية، مما جعلها قبلة اهتمام الباحثين والمفكرين وصناع الثقافة في العالم أجمع، ذلك أن منحها في بعض الفروع لا يقتصر على الباحثين والمفكرين وصناع الثقافة العرب، لاسيما بعد أن استحدثت الجائزة فرعاً للثقافة العربية في اللغات الأخرى، الذي يشمل جميع المؤلفات الصادرة باللغات الأخرى عن الحضارة العربية وثقافتها.

الوسائط الثقافية الحديثة
** مع تعدد الوسائط الثقافية الحديثة بشقيّها السمعي والبصري، هل يمكن للجائزة الالتفات للمبدعين في هذه الحقول الجديدة، خصوصاً مع تصاعد الحضور المؤثر والملموس لهذه الوسائط التفاعلية الآن ومستقبلاً؟ 
- مثلما أسلفت، فالجائزة الآن تعمل ضمن منظومة متكاملة لدعم اللغة العربية تحت راية مركز أبوظبي للغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة، وعليه فإن دعم الإبداع الرقمي السمعي والبصري وبخاصة بين الجيل الشاب له نصيب ضمن برامج المركز المتعددة، في حين تبقى الجائزة متخصصة في الإبداع في صناعة الكتاب الورقي تحديداً، وهو ما يميزها ويخصها دون غيرها من البرامج والمشاريع الرائدة المنضوية تحت مظلة المركز. ومع ذلك، فهي تتخذ حضورها على منصات التواصل الاجتماعي، وفي ذلك ميزة إيجابية، وهو حرص الجائزة على أن تعدد حضورها وتقيم أنشطتها لتتوجه لكافة آفاق التلقي الذي أكسبها مكانة فريدة، سواء أكانت مؤتمرات أم أنشطة أخرى.
ولعلنا لا نجانب الصواب إن قلنا إن الجائزة عملت وما زالت تعمل على البعد التفاعلي والرقمي، وإذا وجدنا أن هناك صيغاً يمكن أن تتماشى مع تلك الأبعاد فسندرسها حتماً، ومن الجدير ذكره أن أحد فروع الجائزة يحمل عنوان «النشر والتقنيات الثقافية» وهذا الفرع يفتح آفاقاً واسعة لما ذكرت، وقد أُقيم هذا الفرع بهدف الالتفات لهذا الجانب المهم في صناعة المعرفة وإيصالها، أي النشر بأشكاله وصيغه المختلفة.

** أطلقتم في عام 2018 وضمن المبادرات الجديدة للجائزة «منحة الترجمة»، كيف تلمّستم أثر هذه المبادرة في الأوساط الثقافية العالمية التي استقبلت هذه الترجمات، وأثرها كذلك على الأعمال الأصلية من حيث الرواج والانتشار؟ 
- لقد جاءت منحة الترجمة لتدعم نقل الثقافة العربية على نطاق أوسع من خلال تقديم الأعمال الفائزة بالجائزة والمكتوبة أصلاً باللغة العربية إلى الجمهور العالمي بلغتهم، للتعريف بالإبداع العربي وتوسعة رقعة انتشاره. وقد حظيت هذه المبادرة بالترحاب في الأوساط الثقافية والأدبية العالمية، إذ إنها تمد جسور التواصل الثقافي لصناع الكتب والقراء على حد سواء، وتحرك عجلة صناعة الكتاب. وقد لمسنا الأثر الأكبر لهذه المبادرة في ازدياد أعداد المشاركات في جائزة الشيخ زايد للكتاب إضافة إلى الاتفاقيات الاستراتيجية مع العديد من الناشرين العالميين المهتمين بالتعاون معنا لهذا الغرض.
وفضلاً عن ذلك، فإن الجائزة تفرد فرعاً للترجمة، يشتمل على المؤلفات المترجمة مباشرة عن لغاتها الأصلية من اللغة العربية وإليها، اعترافاً منها بدور الترجمة في إثراء الفكر الإنساني العالمي، وجسر الهوة الثقافية بين الأمم والحضارات، مسلطة بذلك الضوء على الترجمة بوصفها نشاطاً أدبياً وفكرياً يدفع الثقافة إلى تجاوز نفسها باستمرار، عبر تأمل ذاتها في السياقات الثقافية المختلفة.

** تعتبر فئة الناشئة والشباب من الفئات المجتمعية الحيوية والواعدة لتطوير العمل الثقافي، ما هو حجم الاهتمام الذي حظيت به هذه الفئة في المنظور الآني والمستقبلي للجائزة؟
- إن التفات الجائزة إلى شريحة مهمة من شرائح المجتمع عبر تخصيصها فرعاً من فروعها للمؤلف الشاب، ما هو إلّا وسيلة لتعزيز الحوار والتسامح ومحاولة لتفعيل طاقات الشباب الإبداعية الخلاقة، وتكريسها في سبيل الارتقاء بالمستقبل؛ لذا فإن جائزة الشيخ زايد للمؤلف الشاب هي شكل من أشكال الدعم المادي والمعنوي لهذه الفئة، ومساعدتها كي تجد هويتها الثقافية وتحافظ عليها. ومما يعزز هذا التصور اهتمام الجائزة أيضاً بما يقدَّم إلى الأطفال والناشئة من كتابات وإبداعات عبر تخصيصها فرعاً لأدب الأطفال والناشئة، والذي يشمل المؤلفات الأدبية، والعلمية، والثقافية للأطفال والفتيان في مراحلهم العمرية المختلفة، سواء أكانت إبداعاً تخييلياً أم تبسيطاً للحقائق التاريخية والعلمية، في إطار جذاب، ينمي الحس المعرفي والجمالي معاً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©