فاطمة عطفة (أبوظبي)
رواية «ربيع الغابة» للكاتب جمال مطر ملحمة رمزية، يتصدر صفحتها الأولى إهداء: «إلى رفيق العمر ناجي الحاي.. شكراً لأنك أحييت حكاية كنتُ قد نسيتُها»، وهي مؤلفة من 17 فصلاً، يعبر كل فصل عن حدث لافت. يبدأ بطل الرواية بإعطاء لمحة عن حياته وهمومه، سواء مع حبيبته أو مع معارفه من سكان الغابة، وبعد أن بلغ به العشق حدّ الوله وهو منبوذ يعاني عزلة اجتماعية قاسية، يقرر أن يشكو حالته للأسد.
وفي الفصل الثاني، نفاجأ بأن هذا البطل المتيم هو فأر قرر أن يشكو همه للأسد سيد الغابة. وهذا التشويق يزيد من الرغبة بمتابعة القراءة لمعرفة نتيجة اللقاء.
ونتأمل دهاء هذا الفأر الذكي: «تقدّم حتى وصل إلى شجرة السرو العظيمة، ومنها إلى ساحة الشمس، حيث تقف بجلال شجرة الحكمة، وأمامها يقف ملك الغابة «الأسد» يتشاور مع رعيّته، فتقدّم، وألقى التحيّة، وردّ الملك بتحيّة أجلّ وأكبر، بعْدهُ ردّتِ السلام بقية الحيوانات. كذلك فعل أغلب مَن في مجلس الملك بعد أن تمعّنوا في وجهه جيداً».
وهذه العبارة تشكل مفتاح الأحداث التي سوف تشهدها الغابة في الفصول التالية. كانت تسود الغابة أجواء من المحبة والألفة والأمان والتشاور، وسرعان ما تنقلب الأمور بسبب لعبة التآمر التي يقودها الفأر بذكاء شرير وسلاحه إثارة الفوضى والأنانية وإيقاظ غريزة الافتراس حتى تنفجر الفتنة بين الحيوانات. يستمع الأسد إلى الفأر يشكو نفور حبيبته منه، فلا يساعده في حلها لأن الحب مسألة شخصية. وهنا يطلب الفأر من الأسد أن يرافقه في جولة عبر الغابة حتى تعامله الحيوانات الأخرى باحترام، فيستجيب الأسد الحكيم للطلب، رغم اعتراض بعض الحيوانات، لأن كل شيء يتم بالشورى والعمل بموافقة الأغلبية.
ويضطر الأسد أن يغيب يوماً أو يومين، ويتشاور مع المجلس ليختاروا واحداً منهم ينوب عنه، مثلما اختاروا الفيل في مرة سابقة. وفي جلسة الاختيار لا يفوز أحد من المرشحين الكبار، لكن يتم أخيراً ترشيح الفأر لينوب عن الأسد أثناء غيابه. ولا يكتفي الفأر الداهية بذلك، بل يقرر عزل الأسد وتسلم دفة الأمور وإطلاق الحيوانات المفترسة لإشباع رغباتها بالصيد في غابة النسيان، وينجح في ذلك بالتواطؤ مع الفهد والخرتيت والأفعى والقرد والغراب، جاعلاً الفهد مساعده ويعده بتسلم الأمر من بعده. وتنقلب أحوال الغابة رأساً على عقب.
وحين يعود الأسد ويكتشف اللعبة، يغضب ثم يتمالك نفسه ويواجه المشكلة بحكمة وتعقل، ويعلم أن المتآمرين يجتمعون سراً في بيت الفهد، فيدعو إلى اجتماع طارئ، وتابع لعبتهم واستجاب لمطالبهم وقبل بفكرة التفاوض كما قبل بالتداول في تولي مسؤولية الغابة، على أن يتم ذلك بالاحتكام إلى التشاور فيما بين الحيوانات، وتكون النتيجة فوز الفأر، لكنه لا يهنأ بذلك، بل يحاكم على جرائمه وينتهي بين فكي الهر الذي يكسر له رجليه ويرميه بين النفايات لتلتقطه الهررة الشاردة. والرواية مكتوبة بأسلوب شاعري رقيق وجذاب.
وفي تعليق للكاتب جمال مطر، وكيف صور الغابة وكأنها مدينة فاضلة تعيش بالعدل والأمان، قال لـ (الاتحاد) موضحاً: لنقل إنها حكاية رمزية على لسان الحيوانات، وهي تكون أول رواية تكتب عن لسان الحيوانات، لأن «كليلة ودمنة» وبيدبا وحكمته ليست رواية، إنما فيها حكايات قصيرة، أما «ربيع الغابة»، فقد تحمل رمزية في البحث عن المدينة الفاضلة الجميلة، وأعتقد أن كل إنسان يحب أن تكون عنده صورة عن المدينة الفاضلة، نعم إنها حكاية رمزية، وقد بدأت كتابتها معتمداً على نكتة سمعتها قبل 15 سنة وأحسست وقتها أنها يمكن أن تكون مناسبة لفيلم سينمائي. وأضاف الكاتب مطر أنه ليس بكاتب رواية، بل يكتب الشعر والمسرح، لكنه بدأ في كتابة الرواية سنة 2018، مبيناً أن «ربيع الغابة» ممكن تكون فيلم رسوم متحركة، وقد حاول أن يتواصل مع أكثر من مخرج، عندما كانت فكرة وقبل أن يبدأ في كتابتها. واختتم قائلاً: كان قد شجعني على كتابتها صديقي ناجي الحاي، مؤكداً أن الرواية مشروع فيلم رسوم متحركة عالمي لرسوم متحركة ينتج من الإمارات.