الشريف الفقيه
إذا كان أرباب التجارات المالية يتنافسون في التسابق والتعرض لكل مواسم التجارة، ويبذلون في سبيل ذلك أوقاتهم وكرائم أموالهم، ويتحملون المشقات، ويركبون المخاطر، طلباً لكسب الأرباح، فأسواق الآخرة أحرى وأجدر بأن تبذل فيها المُهج، فضلاً عما دونها، فإن لله نفحاتٍ من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فتعرضوا لنفحات رحمة الله.
ونقصد بهذه الأسواق تلك المواسم التي تتضاعف فيها الأرباح وتتكاثر فيها الأجور والمكافآت، فيخرج منها المسلم، وقد غُفر ذنبه وغسلت حوبتُه ونال رضى الله وأخذ بأسباب الفوز والفلاح.
واختلف العلماء أي الأعمال أفضل، أي أكثر ثواباً عند الله تعالى، تبعاً لتنوع أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أبي هريرة أن أفضل الأعمال الإيمان بالله ثم الجهاد ثم الحج، وفي حديث أبي ذر أن أفضلها الإيمان والجهاد، وفي حديث ابن مسعود الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد، وفي حديث عبد الله بن عمرو أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وفي حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، وفي حديث عثمان خيركم من تعلم القرآن وعلمه. ومن أنفع الأعمال وأكثرها أجراً الصدقة، والصدقة لا تعني الصدقة بمدلولها الشرعي الذي يعني الزكاة المفروضة والصدقة النافلة، ولكنها تعني كافة أنواع البر وأفعال الخير.
وإذا كان بذل المال في كافة أوجه الخير فضله كثيرٌ، فإن أجر الإنفاق في رمضان ولا سيما في العشر الأواخر أوفر وأزكى؛ إذ العمل يعظم بحسب الزمان والمكان، ففي سنن الترمذي من حديثه عليه الصلاة والسلام: «وَسُئِلَ: أَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: صَدَقَة فِي رَمَضَان»، ومن أعظم فوائدها ما في الحديث الشريف: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر» كما في المعجم الكبير للطبراني.
وتكون أفضلية الصدقة في الأغلب بحسب كثرة الصدقة، لكن قد يسبق درهمُ الفقير قنطارَ المليّ، قال صلى الله عليه وسلم: «سبق درهمٌ مائة ألف درهم»، ثم فسرها عليه الصلاة والسلام، فقال: «رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عُرض هذا المال مائة ألف فتصدق به».
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال: «جَهْدُ المُقِلِّ، وابدأ بمن تعول»، كما في صحيح الحاكم، وروى الإمام أحمد «قيل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: «سِرٌّ إلى فقيرٍ وجَهْدٌ من مُقِلٍّ». وكان صلى الله عليه وسلم «أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة». كما في الصحيح.
ومن المعلوم أن الأعمال يتضاعف أجرها في رمضان.. ولا سيما في هذه الأيام المباركة، أيام العشر الأواخر، التي هي أفضل أيامه، ففيها يتسابق المنفقون إلى بذل أموالهم، والعبّادُ إلى الاستزادة من أعمالهم طمعاً في دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظهورُها من بطونها وبطونُها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»، ولعلك ترى أن هذه الأصناف من العبادة لا تجتمع إلا في رمضان.
والصدقة أنواع منها: إطعام الطعام: وهو أفضلها، في الأيام العادية، وإفطار الصائمين في شهر رمضان.
المركز الرسمي للإفتاء