عبد الوهاب العريض
مسرح رجالي، وآخر نسائي، والمرأة كانت مغيبة عن المشاركة رغم أنها قد تكون درست وتخرجت في جامعات سعودية، أو ربما خارجية، وتحمل في داخلها كل تلك الطاقة الإبداعية التي تريد أن تقدمها في بلادها، إلا أن مرحلة «الصحوة» التي امتدت طويلاً في المجتمع السعودي، حجبت المرأة ولم يكن لها حضور في بلادها بل كانت تبدع في الخارج.
أغسطس 2019 حمل الكثير من المتغيرات داخل المجتمع السعودي، مع انطلاقة القوانين، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وقوانين السفر الخاصة بها، وتبع ذلك المزيد من المتغيرات التي كانت لصالح المرأة، ومنها إلغاء حواجز العمل، وإدماجها في كافة مناشط الدولة، وعودتها إلى خشبة المسرح بعدما غابت عنه سنوات طويلة، ما كان يجعل المسرح السعودي فاقداً لأحد أهم عناصره، فكان الكتاب يذهبون لتطويع النصوص من دونها، وإخراجها من الخشبة.
إبراهيم الحارثي: كنا نقدم مسرحاًً يمثل المجتمع بذكوريته
إبراهيم حامد الحارثي، كاتب مسرحي، المندوب الإعلامي للهيئة العربية للمسرح بالسعودية، تحدث عن هذه المشاركة فقال إن خطوات تطوير الحركة المسرحية في السعودية متسارعة ومتلاحقة، وتأتي «بعد أن تمت هندسة أحلام المسرح واتجاهاته التي سينطلق من خلالها، طوال فترة، والسعوديون حذرون جداً تجاه خطوات المرأة على خشبة المسرح، كانت المهرجانات واللقاءات والأسئلة تدور حول: لماذا المسرح السعودي مسرح ذكوري بحت؟!، ودافع المسرحيون كثيراً عن كوننا نظهر بعروض مسرحية (رجالية) وتناقش القضايا من زوايا ذكورية صلفة، لم يكن مسرحنا موجهاً، كان يسير بالاجتهادات والفطرة وخبرات المخلصين الذين كانوا يتقاسمون خبز المسرح ليقينهم بقيمته ورسالته. وجاءت الخطوات من حكومتنا الرشيدة ليحضر مسرحنا بكل عناصره ويقدم طرحاً مواكباً لكل تقدم نعيشه وسط تسارع الأزمنة وازدحام المساحات بكل ما من شأنه أن يجعل المسرح يحقق ما يريده بالضبط».
وحول المعوقات التي صادفت العاملين في الحقل المسرحي قبل صدور القرار قال الحارثي «رغم كل النجاحات التي صنعها المسرح السعودي عربياً وخليجياً، ورغم كل صناعة للجمال والدهشة من خلال أفضية إخراجية مدهشة، إلا أننا أمام الطرح، أمام حالة العرض برمتها، حالة لا تحضر بها (الممثلة) بشكل مادي ولاسيما أنها تظهر في الشاشة، إلا أننا كنا نقدم المسرح الذي يمثل المجتمع بذكوريته، ونناقش قضايا المرأة من منظور (شخصي ذكوري)».
وحول الأسلوب الذي كان العاملون في المسرح السعودي يستطيعون من خلاله تجاوز وجود المرأة يقول الحارثي: «القيود لا تعطل مهمة الإبداع، كل الأنساق الذكية جاءت بعد تمرد (ذكي) على الحدود، كانت المحاولات فردية ولم تستمر كثيراً، وكان تأثيرها محدوداً على ظروف الحالة»، ويستطرد: «أنا هنا أعلنها صراحة، المسرحي السعودي كان ذكياً للالتفاف حول عنق العوائق في محاولة لتخفيف وجعه، وكان المسرحيون يقدمون تجاربهم وفق المعطيات المتاحة فكراً ونقاشاً وعرضاً، فأعاد المسرحيون أنفسهم لبدايات انطلاقات المسرح الشكسبيري الذي اعتمد على الذكور في تقديم الأدوار النسائية، وعلى الرغم من رفض الفكرة (مجتمعياً) إلا أن هذا الحل كان من ضمن الحلول».
سهى خان: تقبُّـل جماهيري للعنصر النسائي
اعتبرت المنتجة الإبداعية والمسرحية سهى خان هذه العودة بأنها «الخطوة الصحيحة والصحية لصناعة مسرح حقيقي، إذ إن وجود العنصر النسائي يخلق توازناً على خشبة المسرح، وبالتالي يؤدي إلى تنوع الجمهور للمسرح السعودي، كما سيسمح لصناع المسرح بطرح مواضيع جديدة وقضايا اجتماعية بمزيد من الإبداع، بالإضافة لخلق فرص وظيفية جديدة للمرأة في مجال المسرح، ففي المستقبل القريب أتوقع أننا سنرى أدواراً قيادية في الصناعة المسرحية، ليس فقط في التمثيل، ولكن أيضاً في الأدوار الفنية، وتأسيس شركات الإنتاج».
وترى سهى أن المسرح بشكل عام متعدد الوظائف والأدوار، وهي التي يتم تحديد الكفاءة من خلالها، والمسرح ليس للرجل فقط، بل يعتمد على الدور الأكثر كفاءة للممثل، سواء كان رجلاً أو امرأة.
وحول الأعمال المسرحية المستقبلية والطاقم النسائي الكامل في العمل تقول إن «العاملين في الحقل المسرحي كانوا ينتظرون القرار، فقد بدأوا مباشرة بعد صدوره، وتم عرض بعضها في موسم جدة 2019، حيث تم إنتاج أعمال مسرحية طاقمها الكامل (إخراج، تمثيل) والعاملون في الكواليس أيضاً كانوا مجموعة من السيدات، أو مجموعة مختلطة ما بين النساء والرجال مثل مسرح الشارع «شارع العزوة» التي أخرجتها سيدة. والمسرحية التفاعلية «بيت الدهاليزي» عمل كان لمخرج أميركي وشارك فيه طاقم فني وممثلون من كوادر النساء والرجال، وغيرها من المسرحيات.
وتضيف سهى خان أنها قدمت مسرحية تفاعلية بطاقم رجال ونساء في الرياض: «جريمة في مقهى الرشفة الأخيرة» بإشراك الجمهور أثناء تناولهم وجبة عشاء فاخر، وكانت هذه تجربة جديدة وأول مرة من نوعها في المملكة. مضيفة أن السعودية الجديدة تختلف عن التجارب السابقة، وأن هناك الكثير من الأعمال الإبداعية سترى النور بشكل مشترك ما بين مبدعين من كلا الجنسين.
وحول قبول الجمهور لوجود المرأة السعودية على خشبة المسرح تقول «أفترض أن هناك تقبلاً جماهيرياً للمرأة على المسرح، فقد اعتاد المتلقون على حضورها في المسلسلات والأفلام».
وعن المهرجانات وخدمتها للعمل المسرحي قالت إنها بشكل عام في العالم العربي «تخدم نقاد المسرح أكثر من الأعمال المسرحية، على عكس المهرجانات العالمية، التي تخدم الأعمال المسرحية والممثلين ولا تقتصر فقط على أفراد دون آخرين كما يحدث في عالمنا العربي». وأضافت قائلة إن المهرجانات العالمية وجدت لإعطاء الفرصة للمواهب والفرق المسرحية، وكذلك شركات الإنتاج لعرض الأعمال الجديدة واكتشاف المواهب، حيث يشتري الجمهور تذاكر العرض مقابل رسوم رمزية، فالمهرجان مكان لبناء جسور التواصل لصناع المسرح، وعلى وجه الخصوص للمنتجين ومديري المسارح، كما يمنحهم الفرصة لاكتشاف العروض الجيدة والمواهب والتعاقد معهم للوكالة الحصرية مثلاً، أو تطوير المواهب أو التعاقد لاستضافة العروض في المسارح.
تدشين المسرح الوطني
في فبراير 2020 تم تدشين المسرح الوطني السعودي في الرياض، بمشاركة ما يقارب 20 ممثلة، بحضور وزير الثقافة السعودي الأمير بدر الفرحان، وكافة الشرائح الثقافية والفنية في السعودية، وقال مدير المسرح الوطني عبدالعزيز السماعيل حينها في حديثه مع «الاتحاد»: «لدينا الكثير من الطاقات الإبداعية النسائية السعودية ليس في التمثيل فقط، بل في التأليف والإخراج أيضاً.. والآن يستعد المسرح السعودي من خلال المسرح الوطني وغيره من الفرق والجماعات المسرحية لإشراكهن في الأعمال المسرحية بقوة ليكنّ عناصر أساسية في العروض المقدمة للجمهور».