محمود إسماعيل بدر (أبوظبي)
استلّت الكاتبة والصحفية المصرية منصورة عز الدّين موضوع روايتها «بساتين البصرة»، والمرشحة للقائمة الطويلة للبوكر العربية في نسختها الرابعة عشرة 2021، من حلم ورد في كتاب «تفسير الأحلام الكبير» المنسوب للإمام محمد بن سيرين البصري، يحكي عن ملائكة تقطف الياسمين من بساتين البصرة العراقية، ثم عبر حلم آخر لأحد الشخوص المحورية بالنّص هشام خطّاب في مطلع الألفية الثالثة، الذي رأى في منامه أنّه يأكل قمراً، وصاغت الروائية منه حركات سردية حملت عناوين: سماء تركوازية، كما يليق بحجر كريم، شذرات من حياة يزيد بن أبيه، أيام تنفرط كحبّات العقد، داخل لوحة شاجال، امرأة في الكرخ، بيت على أطراف البصرة. والسؤال هنا: هل نجحت بالفعل في تأسيس عالم روائي متكامل يدمج الماضي بالحاضر، ويتفحص مفهوم الهوية الذاتية ومصير الإنسان ودور الفرد في تشكيله انطلاقاً من الفلسفة الإسلامية؟
كانت عز الدّين في روايتها هذه صيّادة أدبية ماهرة، حين اقتنصت «الومضة» التاريخية، سواء في مجال التخييل، أو توظيف الرموز والإشارات والشخصيات التاريخية عبر فضاءين مختلفين في خط متواز، أحدهما في أواخر عصر الدولة الأموية، والثاني يمتد منذ بداية القرن الحادي والعشرين، حتى الرّاهن على ضفاف النيّل، حيث بطل الرواية هشام خطاب، الذي يعلن عن شعوره بانتماء روحه إلى جسد آخر ومدينة أخرى، ويشي باغترابه عن مدينة المنيا بجنوب مصر حيث يقيم، متتبعاً رائحة الياسمين التي تفوح من الماضي، فتقوده إلى حكايته الأولى حين كانت روحه لا تزال تسكن جسد يزيد بن أبيه، وتتجول في شوارع البصرة.
قد لا تكون «بساتين البصرة» رواية مثالية في تكوينها الفني، ولكنها في الضّمني تضرب مثالاً نوعياً لعمل أدبي نفسي فلسفي بامتياز، يضع قضية النموذج البطولي العربي المفقود على المحكّ، معتمدة على تقنيات المونولوج النفسي الداخلي، كاشفة عن تناقضات النفس البشرية التي جبلت على الخطيئة والندم، في ظلال مفردة «الحنين» التي ظلت سمة متلازمة غلبت على كل شخوص النّص.
صاغت عز الدين روايتها بلغة فصيحة محكمة كأسلوب رئيس للسرد، مع ومضات ناعمة من العامية، فأضفت مزيداً من الجاذبية والحميمية على النص المثقل بالخصائص التاريخية وتداخلات نسق الماضي والحاضر عبر تعبيرات حداثية، التي دفع بالكاتبة للمزج بين الزماني والمكاني في البصرة، مع استشهادات من التّناص مع الموروث الديني والشعري والمأثور من الأقوال.
تقول صاحبة «جبل الزمرد» عن روايتها: «إنها إيماءة تقدير لمدينة البصرة في القرن الثاني الهجري، كما هي إيماءة محبة لنهر النّيل، حيث نشأت في قرية تقع على ضفته، وإن القسم المعنون بـ«أيام تنفرط كحبّات العقد» وثيق الصلة بهذا النهر العظيم».
قراءات في قائمة «البوكر»
تواكب «الاتحاد» فضاءات الروايات المرشحة للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في نسختها الرابعة عشرة للعام 2021، التي تعتبر من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، وتدار بالشراكة مع مؤسسة «بوكر» في لندن، وبدعم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، وتهدف إلى مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الوعي والإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً من خلال ترجمة الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسة، وقد كسبت ثقة القراء والنقاد والناشرين العرب والأجانب منذ إطلاقها عام 2007، وتدل القارئ إلى أعمال عربية جديدة ونوعية، سواء للكتاب المخضرمين أو الشباب، وتسلّط القراءات التي نقدمها في إطار تطبيقي، المزيد من الأنوار الكاشفة على الأعمال الأدبية الجديدة والاستثنائية في ناحية الصياغة وتناول القضايا الملحة، لإثارة اهتمام القارئ العربي بالأدب الرفيع.