الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

متاحف الإمارات.. إثراء للذاكرة واحتفاء بالمعاصرة

متاحف الإمارات.. إثراء للذاكرة واحتفاء بالمعاصرة
11 فبراير 2021 00:34

عز الدين بوركة

أي بلد لا ذاكرة له لا مستقبل له. ‬وتأتي ‬المتاحف ‬باعتبارها ‬أماكن ‬حفظ ‬الذاكرة ‬وصيانتها ‬وإنعاشها. ‬بل ‬إنها ‬ذاكرة ‬البلد ‬قبل ‬التعريف ‬به. و‬لهذا ‬أولت ‬دولة ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬عناية ‬كبرى ‬للمتاحف ‬بمختلف ‬مجالاتها ‬التراثية ‬والحديثة ‬والمعاصرة... ‬على ‬مجمل ‬المستويات ‬المادية ‬واللامادية، ‬من ‬حيث ‬العرض ‬والتعريف ‬بالموروث ‬الإماراتي ‬والعربي، ‬كما ‬الانفتاح ‬على ‬مختلف ‬الإنتاجات ‬الفنية ‬العربية والعالمية، ‬ما ‬يجعلها ‬ذات ‬ثقافة ‬متنوعة ‬نابضة ‬بالحياة، ‬ثقافة ‬تستمد ‬مقوماتها ‬من ‬الموروث ‬العربي ‬والإسلامي ‬والانفتاح ‬على ‬العالم ‬الخارجي ‬ومستجدات ‬الفن ‬والثقافة، ‬وقد جسد هذا أحسن تجسيد قيم التسامح ‬الثقافي والديني ‬والحضاري. ‬وهذا ‬الانفتاح ‬هو ‬الذي ‬قاد ‬منذ ‬عقود إلى تدشين ‬مجموعة ‬من ‬المتاحف ‬المهتمة ‬بالتراث ‬العربي ‬والإسلامي في جميع إمارات الدولة. وقد ‬بلغت ‬في ‬إمارة ‬الشارقة وحدها ‬ما ‬عدده ‬17 ‬متحفاً ‬مهتماً ‬بالتراث، ‬ما ‬جعل ‬الإمارات ‬عاصمة ‬الثقافة ‬العربية ‬بامتياز.

وعلى أثر هذا التوسع الفني والثقافي، شرعت الإمارات في إنشاء منطقة الثقافة في جزيرة السعديات، وذلك عبر بناء متحف الشيخ زايد الوطني، ومتحف الفن الحديث أبوظبي، ومتحف اللوفر أبوظبي، والمتحف البحري، وهو مركز الفنون الأدائية والذي صممته المهندسة والمصممة العالمية الراحلة زها حديد، هذا إلى جانب متحف الشارقة الإسلامي، ومتحف الشارقة للتراث... وغيرها من الصروح العمرانية الكبرى، التي تعكس تصاميمها، إلى جانب انفتاحها على العصرنة، الطابع العربي والإسلامي الذي تحافظ عليه الإمارات. فأي تقدم لابد أن يواكبه أيضاً الاهتمام بصيانة وتثمين الموروث. 

متاحف أبوظبي: جسر الحضارات
سعت الإمارات إلى الدفع بالفن إلى أقصى إبداعاته الجمالية في العالم العربي، والاهتمام بمختلف نماذج الفن وتياراته، ولهذا جاءت مبادرة بناء مَعْلَم فني وصرح ثقافي يهتم بحفظ الذاكرة الإنسانية وعرض الأعمال الفنية العالمية. فكان بذلك متحف «اللوفر» بأبوظبي -الذي تم تدشينه في نوفمبر 2017‏، ‬هذا الصرح ‬العملاق ‬الذي ‬يسعى ‬إلى ‬الجمع ‬بين ‬مختلف ‬مراحل ‬تاريخ ‬الإبداع ‬البشري ‬المُعلي ‬من ‬شأن الثقافات ‬والحضارات ‬الإنسانية، ‬وإبراز ‬معالم ‬هذه ‬المراحل ‬وأهم ‬الأعمال ‬التي ‬شكلت ‬علامات ‬فارقة ‬ومميزة. ‬وكذلك ‬التعريف ‬بأعمال ‬عربية ‬عبر ‬مجموعة ‬معارض ‬ذات ‬طابع ‬معاصر. ‬فالجمع ‬بين ‬العصرنة ‬وحفظ ‬الذاكرة ‬عمل ‬شاق‭!‬ ولهذا ‬كان ‬متحف ‬أبوظبي ‬ثمرة ‬مجهود ‬مشترك ‬بين ‬دولة الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬و‬فرنسا، ‬وجمع ‬بين ‬الهندسة ‬المعمارية ‬الأوروبية ‬والموروث ‬البصري ‬والحضاري ‬العربي. ‬فدولة ‬الإمارات ‬تبرز ‬موروثها ‬العريق ‬العربي ‬والإسلامي، وتعمل ‬ل‬إعلائه في ‬قالب ‬معاصر ‬يتماشى ‬ومستجدات ‬العصر، ‬ويهتم ‬بآليات ‬العرض ‬المعاصرة ‬المنفتحة ‬على ‬كل ‬التيارات ‬والفرص الإبداعية ‬الممكنة.

ويشكل متحف أبوظبي «اللوفر العربي»، تكريماً لمجمل الإبداعات الفنية البشرية، منذ ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا. وفي هذا المسعى، تم اعتماد طريقة العرض بمنهج كرونولوجي، لا يعتمد الفصل بين الأروقة والمعارض عبر مناطق جغرافية، بل يعمد إلى جعلها متوالية، تتبع بعضها بعضاً، حسب التسلسل الزمني، بهدف خلق الاحترام والفضول والاكتشاف والاستبطان (الرؤية الشخصية والذاتية الواعية للعمل الفني). ويشكل هذا المتحف تقارباً كبيراً بين النخب العربية والنخب الغربية، وتسليطاً للضوء لتوضيح أوجه التشابه والتبادلات الناشئة عن التجربة الإنسانية المشتركة التي تتجاوز حدود الجغرافيا، والتاريخ والجنسية. فيغدو إذن هذا المَعلم الفني «جسراً للحضارات».

الفن في دبي: متحف في الهواء الطلق
اهتمت إمارة دبي بالانفتاح على الفنون المعاصرة، وذلك عبر الاهتمام بأنواع جديدة من الفن تحمل صفات المجتمع الحالي بمختلف تمثلاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. وبادرت إلى خلق معايير جديدة للفنان تميزه عن غيره، مبرزة الدور الذي يلعبه الفن على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى البنى التحتية، ولهذا تعرض في الإمارة -بشكل سنوي- مجموعة من الأعمال الجدارية التي تزيّن عمرانها وفضاءاتها الحضرية، ما يثري المشهد الإبداعي والجمالي، ويعزز مصادر جودة الحياة.

لقد جعلت دبي من جدرانها معرضاً مكشوفاً في سماء مفتوحة للجميع، الأمر الذي يجعل الفنان والمتلقي متصالحاً مع محيطه وبيئته، وما يتيح له حرية الاشتغال بتلقائية وعفوية كبيرتين. وما يجعل المدينة أيضاً تدخل في تواطؤ جمالي مع الفنان الذي يستوحي عمله «الجرافيتي» من تنوعها وعراقتها وموروثها. وقد سبق أن استخدم مجموعة من الفنانين جسوراً وجدراناً وأواني الزهور الأرضية في منطقة ممشى جميرا بيتش ريزيدنس، كلوحات للتعبير عن إبداعهم الفني، مستلهمين تفاصيله من جمال الإمارة. ما يكسب المدينة فرادة وعلامة فارقة ومتميزة، ويجعلها متحفاً في الهواء الطلق، متحفاً للجميع.

رعاية التراث.. الشارقة نموذجاًً
إلى جانب الانفتاح الكبير على الفنون المعاصرة، وتشييد متاحف تهتم بها وتبرز جمالياتها، وكما الانفتاح على العالم الغربي وإنتاجاته الفنية بمختلف مراحلها الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة، فقد سعت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً إلى الحفاظ على ذاكرة الوطن، وذلك عبر تشييد مؤسسات ومتاحف تهتم برعاية التراث والحفاظ عليه. و«اليوم، ومع الخليط الثقافي والإنساني الموجود على أرض الإمارات، لا يمكننا أن نؤطر الفن التشكيلي القائم على أراضيها بصبغة واحدة محددة. فإلى جانب الأشكال المعاصرة والحداثية التي باتت تصنعها أيدٍ إماراتية، يوجد أيضاً من يسعى إلى تكريس الفن من أجل المحافظة على التراث الشعبي للهوية الأصيلة. وبين النمطين ثمة تدرجات وتنوعات كثيرة لا يمكننا حصرها، تتبع لمزاج كل فنان وأسلوب عمله».

وتهدف إمارة الشارقة بمختلف ما دشنته من متاحف ومؤسسات، إلى رعاية الموروث الجمالي والثقافي الإماراتي، الأمر الذي يقوم به متحف الشارقة الإسلامي منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، فهذا المتحف «يحفل بآلاف القطع من الحضارة الإسلامية التي تكتسي أهمية كبيرة، فهنا يمكنك الاستمتاع بروعة الحضارة الإسلامية وعالميتها، والتعرف على تفاصيل مهمة من التاريخ الإسلامي، والعلوم، والاكتشافات، والثقافة الإسلامية، والتمتع بجمال الفنون الآسرة»، ما يجعله مَعلماً تراثياً مهماً في الشرق الإسلامي. هذا بالإضافة إلى متحف الشارقة للتراث، الذي تم تدشينه سنة 2005، في قلب الإمارة. ويهتم هذا المتحف بالإرث الأصيل والثقافة الثرية لأهل الإمارات وسكان إمارة الشارقة ويستعرضها عبر العقود الماضية، ويؤكد على العادات والتقاليد العربية الأصيلة.

عصب سوق الفن العربي
يُعد معرض أبوظبي العصب الرئيسي لسوق الفن في المنطقة العربية، بل أحد أهم الأسواق العالمية لعرض وترويج وبيع وطلب الأعمال الفنية. ولهذا تعد الإمارة من أكبر المدن التي تستقطب الفنانين والعارضين والمقتنين وجامعي التحف والمهتمين بالفن من نقاد وباحثين وصحافيين. وتشهد أبوظبي رواجاً ثقافياً وفنياً منقطع النظير، في موسم أبوظبي للفنون، حيث تقام أكبر المعارض لتسويق الأعمال الفنية والتعريف بها.

وقد شهد السوق الفني بالإمارات تطوراً ملحوظاً في السنوات الخمس الأخيرة، مع بروز مجموعة من المتاحف ودور العرض الجديدة، ما استقطب المزيد من المهتمين بالفن، وبالخصوص المعاصر منه. وتعد إمارة أبوظبي وإمارة دبي، العصب والمركز التجاري الفني بلا منازع، في المنطقة، إذ على الرغم من أن حجم المبيعات شهد تذبذباً عالمياً على مستوى الطلب، بفعل الأزمات المالية العالمية المتلاحقة، إلا أن هذا لم يحد من ارتفاع عدد الوافدين إلى الإمارات من أجل طلب الأعمال واقتنائها وعرضها. 
وبهذه الأمثلة وغيرها الكثير، تكون الإمارات قد حققت ذلك الجمع بين الجانبين التراثي والمعاصر من خلال وضعهما في بوتقة مرآة الذاكرة والحضارة، ألا وهي المتحف الذي يعد بوابة لقراءة ماضي الأمة واهتمامات شعبها وتطلعاته نحو المستقبل الآتي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©