محمد عبدالسميع (الشارقة) - «هل يمكن أن تحلّ الآلة أو «الروبوت» محلّ ذائقة الشاعر، والمتلقي؛ فنستمع إلى نصوص أو قصائد ذات تفاعل وتحمل مشاعر هذه الآلة التي يظلّ يغذّيها الإنسان بمتطلبات الشعر من كنايات ومجازات ومفردات؟!.. ومتى نصل إلى المرحلة التي نطمئنّ فيها إلى «خوارزميات» الحاسوب وهو يتعامل مع كلّ هذه الحشود اللغوية لإنتاج الشعر؟!
هذا ما ناقشته ندوة «القصيدة في زمن الذكاء الاصطناعي» التي نظّمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بمشاركة الناقد المصري د. هيثم الحاج أستاذ النقد الأدبي الحديث، ود. بديعة الهاشمي أستاذة الأدب والنقد الحديث المساعد في الإمارات، والشاعر الإماراتي عبدالله الهدية، بإدارة الشاعرة والأديبة شيخة الجابري، أوّل من أمس، وبحضور ومشاركة رئيس مجلس إدارة الاتحاد الشاعر والأديب سلطان العميمي.
واستهلت الندوة بمحاور تحدثت حولها الجابري في مفهوم الذكاء الاصطناعي، ومقدرة الآلة على تحريك البشر ومخاوفهم أمام ذلك، مقارنةً بين تلقي الجمهور لشاعر مشهور مثلاً وحاسوب والمفارقة التي تحدث في التفاعل أو الصمت أو الجمود العاطفي، وخدمة الذكاء الاصطناعي لإنتاج المعرفة الثقافية.
ورأى د. هيثم الحاج أنّ الذكاء الاصطناعي يلعب على فكرة احتمالات تجاور الألفاظ، وبالتالي ستكون مساحته الإبداعيّة إن وُجدت محدودةً، ونوّه الحاج إلى أنّه لا يقصد الوقوف أمام التقدّم والحداثة، وإنّما ينبه إلى نقطتين مهمتين، هما: ما وراء النص أو المزاج الخاص بالكتّاب أو العاطفة التي لا يستطيع الجهاز أن يوازيها، والنقطة الأخرى هي أنّ «الروبوت» لا يستطيع أن يخلق أو يجسّد تياراً جديداً كإحدى المهارات الضرورية للشاعر، لأننا أمام قوالب مقننة، ولكنّ ذلك لا ينفي كونه وسيطاً جيداً لنقل المعرفة والإبداع. وتحدث الحاج كذلك عن صعوبة نقل المشاعر واستنهاض الهمم في قصيدة الروبوت، ورأى أنّ الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يعلم الهواة الجدد على قول الشعر وكيفيته العامة، منتقداً عيوب الترجمة وعدم مقدرة الآلة على التمييز بين تشعّب الدلالة في الألفاظ العربيّة.
وساقت د. بديعة الهاشمي محاولات عددٍ من الشركات الأجنبيّة في برمجات لخلق شعر وكتابة أدب اصطناعي، باسم روبوت يقوم بتأليف قصائد أو نصوص، استناداً إلى خوارزميات لتوليد الصّور والربط بينها وتكوين الجمل والقوافي التي يستخدمها الشاعر البشري عن مدى حلول الجهاز محلّ الإنسان في ذلك.
وقالت الهاشمي: إنّ روايةً على سبيل المثال أنتجت في اليابان عن طريق الروبوت، وإنّها لم تنل جائزةً، وهو ما يطرح التساؤل: لمن الموهبة، للجهاز أم للإنسان الذي يغذّي ها الجهاز بما يمكنه من إنتاج رواية؟! كما ناقشت موضوع ذوق الشاعر والطلبة والمتلقين وهيمنة الآلة مستقبلاً على المشاعر، مفرّقةً بين الأدب الرقمي في اللغة والمؤثرات والوسائط المتعددة، ونبّهت إلى مسألة مهمّة في التمييز بين الحاسوب من وجهة نظر بعض الباحثين والبشر كمفهوم، في حدود هؤلاء البشر ونوازعهم، ومعايير كتابة الشّعر، وهي أمور إن توفّرت في «الروبوت» فهي إرادة الإنسان في نهاية المطاف.
ورأى الشاعر عبدالله الهدية أنّ الإنسان دائماً في رحلة مع التطوّر والبحث، ولكنّ السؤال الذي يُلحُّ هو: أين مزاج الشاعر الذي ربما يتباين في كلّ قصيدة؟ منتقداً قصائد الروبوت بأنّها تحاكي الإنسان، لكنّها لا تلمس روحه أو مزاجه، أو تكون قادرةً مثله على الإلقاء وتجسيد التفاصيل في نبرة الصّوت ولغة الجسد وتواصله الروحيّ مع الجمهور؟!.. وألقى الشاعر الهديّة مقاطع من أشعاره، مثل قصيدة «جلفار» التي حازت تفاعل المشاركين وانسجامهم مع أحاسيس الشاعر وأفكاره وطريقة إلقائه.
وفي الندوة، داخلت الأديبة صالحة غابش حول محاور معيّنة في الحوار، مثل فهم الإنسان لنفسه وفهم الحاسوب له، وغربته في جوانبه الروحيّة، وقولبة النصوص أو نمطيتها ومدى المقدرة على الابتكار.
وداخل الشاعر سلطان العميمي في ختام الندوة حول مفهوم الشعر وأزمته قبل وجود مسألة الذكاء الاصطناعي في إنتاجه، وهي مسألة كما قال تتعلق بغموضه وعدم فهمه أو عدم فنيّته، معتقداً بأنّ الإنسان ليس عاجزاً عن الشعر ليستعين بالروبوت في كتابته، متمثّلاً برداءة الترجمات الأدبيّة بوساطة محركات البحث وعدم ترابطها أو احتكامها للمنطق في ترجمة الشّعر والغوص في الدلالة الواسعة للألفاظ.