مدني قصري (باريس)
يرى الروائي اللبناني جبور الدويهي أن وباء فيروس كورونا الجديد سيكون، بعد حين، مصدر إلهامٍ للكُتّاب المبدعين، تماماً كما حدث بعد كثير من الأوبئة التي حدثت في الماضي. وفي مقابلة عبر الفيديو صرح جبور الدويهي، لوكالة فرانس برس، بأنّ «الكُتّاب الكبار كتبوا عن الأوبئة السابقة واستخدموها كرموز». وأكد أن فيروس كورونا الجديد «سيكون جزءاً من المشهد الأدبي العام، ومن خيال البشرية، تماماً مثلما وقع مع الحروب والطاعون والأوبئة الأخرى».
ولكن إذا كان للفيروس تأثير حقيقي على السلوك البشري، فلن يُعطّل أسلوبَ حياتنا تماماً، وفقاً للكاتب البالغ من العمر 71 عاماً، والذي تم ترشيحه مرّتين للجائزة الدولية للرواية العربية، ولاسيما في 2008 عن روايته «مطر حزيران».
«ندوب» الذاكرة
ويقارن الدويهي جبور تجربة وباء كورونا بتجربته في الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990 ويقول: «لا أعتقد أن أحداً كتب عن الحرب اللبنانية قبل أن تنتهي». وبالمثل، فهو لا يريد الكتابة عن الوباء في الوقت الحالي، وعن ذلك يقول: «إن كتابة الروايات تستغرق وقتاً، ولا يمكنك الكتابة في الأحداث التي لا تزال مستمرة».
ومع هذا يؤكد أنه، في الوقت المناسب، سيبدأ الوباء في إلهام الأدب والمبدعين. كحال الأديب الفرنسي الشهير ألبير كامو، الذي لخّص فلسفته ورؤيته للعالم والحياة، في روايته «الطاعون» (1947)، مستحضراً مدينة وهران بالجزائر، فضاءً لها. وكذلك «وحيد القرن»، عمل الكاتب المسرحي الفرنسي الروماني يوجين يونيسكو، الذي اشتغل على قصة وباء وهمي لانتقاد أنظمة في زمنه. وهكذا يذهب الدويهي إلى أن وباء كورونا «سيترك ندوباً في أذهاننا، وعلى طريقة تفكيرنا، وخاصة على مخيلتنا».
حركة بيئية
ولكن الروائي اللبناني لا يتوقع، مع ذلك، تغييراً جوهرياً في العالم بعد الوباء، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع، حيث «يُقال دائماً إن الأمور ستكون مختلفة بعد الأزمة الحالية، ولكنني لست متأكداً من أن السلوك البشري سيتغير بشكل جذري». وأضاف: «أميل إلى فكرة أن البشرية ستتغلب على هذا الوباء، ولكن ستستمر في تدمير البيئة»! على رغم أنه يمكننا أن نتوقع أيضاً «ظهور حركة بيئية مؤثرة». لماذا؟ «لأن الخوف على البيئة سيتعاظم» و«سيتضح لنا أن علينا العودة إلى الزراعة العضوية الأكثر ملاءمة».
الاستهلاك والفردانية
كما يرى جبور الدويهي أيضاً أن فكرة الاكتفاء الذاتي والعودة إلى الاقتصادات الوطنية ستكتسب زخماً أكبر في المستقبل. تماماً مثلما أن التعلم والتعليم عن بُعد يمكن أن يتوسّعا، مما سيؤثر على ثقافة العولمة وعالم التواصل. ويقدّر الكاتب أن «ظاهرة الاستهلاك المفرط» وُجِدت لتبقى، وأن «الفردانية يمكن أن تتعزز»! وهو يشبّه إغلاق الحدود بسبب الوباء بلجوء الناس إلى منازلهم كمظلة حماية وملاذ أخير: «نعود إلى منازلنا كأفراد وكأنها ملاذٌ ضدّ الفيروس. والدول تفعل الشيء نفسه على المستوى الجمعي، في محاولة لحماية نفسها».. وهذا يشير إلى انتكاسة في المبادئ التي حاول العالم الترويج لها، مثل حرية التنقل بلا قيود أو حدود.
وقال في الأخير: إن هناك شيئاً واحداً مؤكداً، في العالم العربي، على الرغم من الوباء، هو أننا «ما زلنا نواجه صراعاتنا المعتادة، وكأن شيئاً لم يحدث»!
الدويهي في سطور
جبور الدويهي، من مواليد زغرتا، شمال لبنان، عام 1949. وقد تابع دروسه الابتدائية والثانوية في مدينة طرابلس. وحصل على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في بيروت، وعلى دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة (السوربون الجديدة). وهو أستاذ الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية، وكاتب افتتاحيات، وناقد أدبي في مجلة L’Orient Express ولاحقاً في ملحق L’Orient litteraire الصادِرَين في بيروت. كما ترجم عدة مؤلفات أدبية من الفرنسية إلى العربية.