بقلم: نورة بنت محمد الكعبي
وزيرة الثقافة والشباب
زرت في فبراير الماضي استوديو الفنان القدير محمد أحمد إبراهيم في مدينة خورفكان، يقع الاستديو في حي فريد تحيط به تضاريس مميزة لمجموعة من السلاسل الجبلية الساحرة، وكان استوديو محمد متواضعاً وملهماً في آن واحد، وكنت أتساءل عما إذا كان الفنانون والنقاد والقيمّون خارج منطقتنا على دراية بالثراء الثقافي والتنوع العصري في أعماله، عندما أعلن الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية عن تمثيل الفنان محمد أحمد إبراهيم للدولة في بينالي البندقية لعام 2022، كنت سعيدة جداً وفخورة بما يقدمه لمشهدنا الفني.
أصبح بينالي البندقية أحد أكثر المنصات الثقافية تميزاً وتفرداً في العالم، والتي تبرز أعمال أشهر وأهم الفنانين المعاصرين من حوالي 90 دولة حول العالم، واليوم، تعد هذه الفرصة الأكثر تأثيراً لدول العالم لعرض إبداعات مواهبهم أمام الجمهور، على الرغم من عمر دولتنا الذي لا يتجاوز الـ 48 عاماً، الا أن المشهد الفني عميق الجذور، يجمع بين المناظر الطبيعية الجميلة والعادات والتقاليد المتأصلة، والتطورات التنموية التي شهدتها الدولة عقب اكتشاف النفط.
تعكس أعمال الفنان محمد أحمد إبراهيم المناظر الطبيعية لدولة الإمارات، من خلال تعبير سلس للجبال والسواحل والسماء في مسقط رأسه خورفكان، لقد كان في طليعة المشهد الفني في دولة الإمارات منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى جانب زملائه، مثل الفنان المفاهيمي الراحل حسن شريف وعبد الله السعدي وحسين شريف ومحمد كاظم. يواصل محمد استكشاف آفاق جديدة في التعبير الثقافي، من خلال الأشكال والألوان والأنماط المميزة التي تحظى بإعجاب الكبار والصغار على حد سواء، يتعامل محمد أحمد إبراهيم مع أعماله على أساس علاقة فردية مباشرة مع المشاهد، والتي تتغير من لوحة قماشية إلى قطعة منحوتة. أقام مؤخراً معرضه الفردي تحت عنوان: «طبول الذاكرة» وعرض منحوتاته الفنية «الكونتيسا الراقصة» 2020، وقال لي أثناء زيارة المعرض: «مع وباء كوفيد-19 بدأت في تسمية أعمالي للمرة الأولى، أحاول استعادة الذكريات القديمة».
تلبي أعمال محمد أحمد إبراهيم تعريف الممارسة المفاهيمية في القرن الحادي والعشرين، ويسعدني جداً أن إرث هؤلاء الفنانين المتميزين يبرز على الساحة الفنية، ويحصل على التقدير الذي يستحقه، وذلك بفضل الشخصيات الثقافية والفنية في الدولة، التي تعمل بكل جهد للترويج عالمياً للتراث المحلي والرواية السردية الإماراتية، سواء من خلال: معرض 1980 - اليوم: معارض في الإمارات العربية المتحدة للشيخة حور القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون القيمة الفنية لمشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في المعرض الفني الدولي الـ56 من بينالي البندقية في العام 2015، أو معرض محلي لإبراز الفن التشكيلي الإماراتي من 1988 إلى 2008، للقيمة الفنية مايا أليسون من رواق الفن في جامعة نيويورك أبوظبي بالتعاون مع القيمين؛ بانا قطّان، وآلاء إدريس، ومعرض «الفنانون والمجمّع الثقافي: البدايات»، وبسبب مثل هذه المشاريع والمعارض أصبح الجمهور أكثر وعياً بالخطاب الثقافي في دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971.
لقد كانت مايا إليسون سبّاقة في طرح هذه الأفكار، من خلال تنظيم معرض في رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي عام 2017، والذي سلط الضوء على بدايات تشكل المجتمع الفني في الدولة، كما لعبت دوراً محورياً في المشاريع البحثية الهادفة لتوثيق تاريخ دولة الإمارات.. أتطلع لرؤية المعرض الذي سيعكس مدى الشراكة المثمرة، والتعاون المستمر مع الفنان التشكيلي محمد أحمد إبراهيم الذي رشحها للتعاون معه، إلى جانب إشرافهما على التقييم الفني لجناح دولة الإمارات في البينالي.
بعد أكثر من تسع دورات متتالية، أصبح الجناح الوطني لدولة الإمارات وسيلة مؤثرة لتسليط الضوء على فناني الإمارات، لا سيما في الفعاليات العالمية، والتي تسهم في التواصل مع نقاد الفن وجامعي التحف والمؤسسات العالمية، كما تم تدريب أكثر من 175 شاباً لوظائف مهمة في القطاع الثقافي، سينضم الفنان الإماراتي التشكيلي محمد أحمد إبراهيم إلى مجموعة رائعة من الفنانين الذين مثلوا الإمارات سابقاً، منهم: حسن شريف، ومحمد كاظم، والدكتور محمد يوسف، ونجوم الغانم التي حظيت مشاركتها خلال عام 2019 بإشادة واسعة.
يحتفل الجناح الوطني لدولة الإمارات العام المقبل بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه، وسيمثل هذا الإنجاز من خلال مشاركة متميزة للقيمين الفنيين وائل الأعور وكينيتشي تيراموتو في المعرض الدولي للعمارة، تقوم فكرة المعرض على سبر أغوار استخدامات الملح والمركبات المعدنية، المتواجدة في السبخات (الأراضي المالحة المسطحة) واسعة الانتشار في دولة الإمارات، والتي تتشكل فيها ترسبات ملحية بفعل الطبيعة، وتسخيرها في تطوير مواد بناء مستدامة، تركز استراتيجية تنظيم المعارض الخاصة بالجناح الوطني لدولة الإمارات بشكل متزايد على المعارض الفردية لفنانين مرموقين مثل نجوم ومحمد اللذين وصلت أعمالهما إلى مستوى متميز من العمق المفاهيمي والمهارة الفنية.
تعتبر المعارض التي تنظمها دولة الإمارات فرصة لتعزيز مكانتها بضمها مجموعة من الفنانين العالميين الذي أثبتوا جدارتهم على المدى البعيد، حيث تسعى مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان المفوض الرسمي للجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب، إلى دعم الثقافة والفنون الإماراتية وتعزيز التبادل الثقافي من خلال مبادرات ومشاركات عالمية أبرزها بينالي البندقية الذي يتيح لنا الاحتفاء بإبداعاتنا الفنية والتواصل مع زملائنا من كافة أنحاء العالم من خلال حوار فريد يعكس مدى التطور والتميز لمجتمعنا.
أتطلع بشغف إلى مساهمة محمد أحمد إبراهيم ومايا أليسون في سرد هذه القصة الملهمة، التي تعبر عن الإرث الثقافي لدولة الإمارات.