الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات تقود أكبر حركة ترجمة علمية على المستوى العربي

جانب من مؤتمر أبوظبي للترجمة (أرشيفية)
30 سبتمبر 2020 01:55

محمود إسماعيل بدر (الاتحاد) 

لم تكن التّرجمة الاحترافية يوماً مجرد وسيط بين الأنظمة اللغوية المختلفة، بقدر ما هي وسيط بين الثقافات والحضارات والإبداع الإنساني، كما أنها الحامل والرافع للثقافة الرصينة والعلوم والآداب الثمينة، فالترجمة كانت وستظل عالماً من الآفاق المفتوحة أمام بيئات ثقافية ولغوية مجهولة، ويمكن أن تكون بمثابة النّاقل الذي يمنحنا القدرة على تحسين فهمنا لقضايا التنمية ولثقافات الشعوب الأصلية، كما تكمن أهمية الترجمة في دورها الفارق في جدلية حوار الحضارات، الذي يهدف إلى تقوية التواصل في فهم الآخر، في إطار من التعاون المبني على الاحترام المتبادل والأمانة والدّقة، باعتبار «الترجمة» ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري لأي أمّة. 
نقول هذا الكلام بمناسبة «اليوم العالمي للترجمة - أطلق عام 1991»، الذي يصادف اليوم 30 سبتمبر، ويشكّل احتفالية استثنائية لعرض مزايا هذه المهنة التي تزداد أهمية يوماً بعد آخر في عصر العولمة. وقد أكدت التجربة الإماراتية وتؤكد أن الترجمة قبل كونها مهنة وفناً إبداعياً، تؤدي أيضاً دوراً مهماً في التّقريب بين الأمم وتيسير الحوار والتفاهم والتعاون بين شعوب العالم، والإسهام في التنمية وتعزيز ثقافة السلام والأمن الدوليين، عبر نافذة استراتيجية ثقافية تعمل على النّهوض بالعمل الثقافي في جوانبه الإنسانية والأصيلة، انفتاحاً على ثقافات العالم ومعارفه المختلفة، وسعياً إلى رفد المكتبة العربية بهذه المعارف، وخصوصاً النّادر منها، وكان ذلك إيذاناً بتوجّه رسمي من القيادة الرشيدة، بالاهتمام بالترجمة بشكل علمي وعملي، بتأسيس جملة من المؤسسات والمراكز البحثية، تعنى بهذه المهنة دراسةً ونشراً. 

مشروع «كلمة»
وينطلق مشروع «كلمة» للترجمة الذي أطلقته دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي عام 2007، من وعي وإدراك حقيقيين لما تمثله حركة الترجمة من دور في نهضة الشعوب، وتفاعلها مع الآخر، وتوفير نقاط التّماس المشتركة وردم الهوّة الفاصلة بين الثقافات، ونشر التقارب الحضاري بين الذّات والآخر. ويتميز هذا المشروع الوطني عن غيره من المشاريع الأخرى، بأن دوره لم يقتصر على الاستثمار في الترجمة (بوصفها «مهنة قائمة بذاتها») فحسب، بل يتعدّاها أيضاً إلى شراء حقوق الملكيّة الفكرية للكتب المترجمة والطباعة والتوزيع، ودعم صناعة الكتاب العربي والترويج له عالمياً. ونجد أنّه في وقت قياسي نجح في ترجمة ما يزيد على 100 عنوان في موضوعات تتعلق بالتراث وثقافات الشعوب وأساطيرها وعاداتها، وذلك من آسيا وأوروبا وأميركا، ومن اللغة الألمانية تمت ترجمة 110 عناوين في مختلف المجالات، بما فيها أدب الأطفال، حيث يعد نقل أدب الأطفال إلى العربية ركيزة أساسية في مشروع «كلمة»؛ إذ تمت ترجمة أكثر من 235 عنواناً من مختلف اللغات، إلى جانب أدب الناشئة الذي لا يلقى عادة اهتماماً واسعاً في الثقافة العربية، فقد تجاوز عدد ترجماته في مجال كتب الأطفال والناشئة 237 كتاباً. وفي كل ترجماته، يسعى المشروع إلى الترجمة عن اللغات الأصلية مباشرة، وبلغ عدد إجمالي اللغات التي ترجم عنها 19 لغة عالمية، ضمن 10 تصنيفات تغطي كافة مجالات المعرفة. وبالطبع لا يتسع المجال لاستعراض ترجمات الكتب التي نقلها المشروع للعربية، لكنه يتسع للقول إن هذا المشروع الطموح يعكس ريادة الإمارات في تعزيز قيمة الترجمة وأهلها وإعلاء شأن المهنة وتطويرها نحو الهدف التنويري المنشود، ساعياً، من خلال إحياء الترجمة العكسية، إلى فتح سبيل آخر يقود إلى ترجمة مؤلفات وكتب أهم الكُتّاب العرب إلى لغات العالم. 
إلى ذلك، تستضيف العاصمة أبوظبي سنوياً منذ عام 2013 «مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة»، الذي يهدف إلى تأكيد أهمية الدور الذي تلعبه الترجمة في بناء الجسور بين الحضارات والشعوب، وبناء قدرات المترجمين الشباب لاستكمال مسيرة نقل الثقافات والعلوم والآداب من وإلى العربية، وتسهم الندوات وورش العمل التي يتضمنها المؤتمر في إعداد كوادر مُدربة من المترجمين العرب في مجال الترجمة العلمية، والارتقاء بجودة الترجمة في العالم العربي.

ترجمْ
وتقوم مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة التي تأسست عام 2007، بجهود كبيرة على صعيد الترجمة، حيث أطلقت برنامج «ترجم»، بهدف إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر والأدب العالمي، ويسعى أيضاً إلى إظهار الوجه الحضاري للأمة، عبر ترجمة الإبداعات العربية إلى لغات العالم، كما تولي المؤسسة أهمية قصوى لترجمة أبرز كتب التراث الحضاري الصادرة في المناطق المحيطة بالوطن العربي، من أجل تعميق جسور التواصل الثقافي والمعرفي مع تلك الثقافات. ونشير إلى مشروع محمد بن راشد للتعليم الإلكتروني العربي (سبتمبر 2017)، الذي يضم مبادرة «تحدّي الترجمة» كأكبر تحدٍّ من نوعه في العالم العربي، ويسعى التحدي إلى ترجمة 5000 فيديو، بواقع أكثر من 11 مليون كلمة خلال عام واحد في مختلف مواد العلوم والرياضيات، بحيث يتم تعريب هذا المحتوى وإعادة إنتاجه وفق أرقى المعايير المعتمدة في المناهج الدراسية الدولية، ليكون متوفراً مجاناً لأكثر من 50 مليون طالب عربي. 

ترجُمان
وهنا تجب الإشارة إلى ما تقوم به دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة من تشجيع ودعم لأعمال الترجمة والمترجمين، من خلال نشر أعمالهم وجعلها في متناول القارئ العربي، فضلاً عن تأسيس صندوق منحة الترجمة في 2011، لتسهم في دعم الناشرين من أنحاء العالم من خلال توفير التمويل اللازم لترجمة أعمالهم. إلى ذلك أسست الشارقة عام 2017 جائزة الشارقة للترجمة «ترجمان»، الجائزة العالمية الأولى من نوعها في مجال الترجمة والتأليف، لتفتح المجال أمام مختلف دور النشر العالمية والعربية التي تمتلك ترجمات أجنبية، بأي لغة من اللغات، للمشاركة.  ومنذ إطلاقها عملت الجائزة على إيصال المؤلفات العربية إلى رفوف المكتبات العالمية ليتسنى للقراء التعرّف على إبداعات الثقافة العربية والاطلاع على كنوزها الإبداعية، وتعريف المجتمعات الغربية بإرث وتاريخ الحضارتين العربية والإسلامية، ودوره في إثراء الإنسانية بمؤلفات وبحوث في شتى المجالات العلميّة والأدبية. وهذا غيض من فيض الجهود الكبيرة التي تبذلها الإمارات لإحياء حركة الترجمة في العالم العربي وتطويرها والنهوض بها، ولا شك في أن إطلاق هذه البرامج وغيرها، يعدّ نقلة نوعية تجعل الترجمة أداة لتطوير المعرفة، ذلك أن معظم الأبحاث العلمية العالمية تكتب باللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن الترجمة تفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين للحصول على المعلومات والبقاء على تواصل مع ما يحدث في العالم. وما زالت الإمارات تقود أكبر حركة ترجمة علمية على المستوى العربي للنهوض بالعمل الثقافي العربي وانفتاحه على ثقافات العالم ومعارفه المختلفة، وسعياً إلى رفد المكتبة العربية بهذه المعارف والكنوز الثقافية والحضارية الثمينة.

«زايد للثقافة الإسلامية» تترجم (101) كتاب إلى لغات عالمية
احتفاءً باليوم العالمي للترجمة، الذي يوافق 30 سبتمبر من كل عام، تتوج دار زايد للثقافة الإسلامية جهودها بإثراء الساحة الثقافية بإصدارات متخصصة تربوية إنسانية قيّمة، حيث تعمل على ترجمة المقالات والنصوص المتخصصة في الثقافة الإسلامية إلى اللغة الانجليزية ولغات مختلفة كالصينية والروسية والفلبينية والتاميلية والأمهرية والآرومية والسنهالية والأوردية، ولعل من أبرز الترجمات التي تنفذها الدار بصورة دورية هي ترجمة مقالات الثقافة الإسلامية، والتي تصل إلى (120) ترجمة خلال العام. وقالت الدكتورة نضال الطنيجي، المدير العام لدار زايد للثقافة الإسلامية: تهتم الدار بتوفير المقالات والكتب بلغات عالمية، يصل عددها إلى 13 لغة بهدف تعزيز البحث العلمي وإثراء المكتبة وتزويد المهتمين باحتياجاتهم بلغات مختلفة من الكتب والمطويات التي ترضي طموحهم، تأكيداً على مسؤوليتها المجتمعية وتحقيقاً وتجسيداً لتوجهات الحكومة الرشيدة في بناء مجتمع مثقف مبني على التعايش. وأضافت الطنيجي: قامت الدار خلال السنوات الماضية بترجمة عدد (101) كتاب إلى لغات عالمية، من أبرزها: كتاب «الإسلام والمسلمون» و«منهاج المهتدين الجدد»، وكتب المذاهب المختلفة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، والعديد من الكتب الأخرى التي تعرف بالثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى ترجمة قصص الناشئة التي أعدتها الدار مسبقاً إلى ثماني لغات عالمية، هي الإنجليزية والصينية والروسية والفلبينية والأوردية والسنهالية والآرومية والأمهرية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©