(1-2)
رضا سليم وعلي معالي (دبي)
«انتفاخ العضلات».. هوس يطارد الشباب في كل أرجاء الوطن العربي، خاصة الرياضيين الذين يبحثون عن القوة والعضلات المفتولة وتقليد المشاهير في حلبات الملاكمة ومسرح بناء الأجسام وغيرها من الرياضات التي تحتاج إلى بنية عضلية خاصة، وهو ما يدفع الشباب للبحث عن الطرق السهلة عبر أنواع كثيرة من الحبوب والحقن والتي تمتد إلى المنشطات، ويسقط الرياضيون في الفخ بسبب المكملات المغشوشة التي تهدد حياتهم، وقد تؤدي إلى الموت المفاجئ.
فتحت «الاتحاد» ملف «هوس العضلات» الذي يرتكز على المكملات الغذائية باعتبارها الطريق السهل لـ«نفخ العضلة»، وهو العالم الذي تحول إلى «مافيا» وسوق رائجة في الوطن العربي، خاصة المنتجات المغشوشة والمهربة، ويدفع شبابنا الثمن، ولا أحد يصدق أن بوردة السراميك ومعجون السبيداج المخصص لدهان الحوائط يدخل في مكونات المكملات الغذائية، ويخرج للسوق من مصانع «بير السلم».
ويواجه الشباب العربي حملات دعائية كثيرة لشركات الأدوية، وهو عكس ما تسفر عنه أبحاث المراكز الطبية، حيث يستمر الجدل حول المكملات الغذائية وتأثيرها على صحة الإنسان، وهل تعد مفيدة أم أنها ضارة؟ وكيف تمكن تغطية احتياجات الجسم من الفيتامينات بشكل طبيعي؟
وتأتي المعاناة في إقبال الرياضيين، خاصة الشباب، على المكملات الغذائية من دون الحرص والتأكد منهم على صحة المواد المباعة ومدى مطابقتها للمواصفات التي حددتها وزارة الصحة على المحال وصالات الجيم والصيدليات.
الإدمان على المكملات الغذائية الصناعية التي تتكون من البروتينات والكرياتين والأحماض الأمينية يسبب مخاطر لدى الممارسين لرياضة كمال الأجسام من خلال التأثير على وظائف الكبد، والجهاز العصبي لكونها تتكون من مواد حافظة وكيماوية لها خطورة شديدة على الجسم، كما وجدنا كذلك أن الإدمان على المكملات الصناعية له مخاطر على الجانب النفسي للرياضي، ويتمثل ذلك في اضطرابات النوم وعدم التحكم في الأعصاب، وضعف في اتخاذ القرارات والصداع.
وقال الخبير الدولي الدكتور أسامة غنيم، الرئيس التنفيذي للوكالة المصرية لمكافحة المنشطات «النادو»: «المكملات الغذائية لها 3 أقسام، الأول الخاص بالأطفال، وهناك مكملات غذائية تندرج تحت قائمة الفيتامينات، إلا أن النوع الثالث هو الأخطر والذي يدور حوله الجدل والنقاش والخاص بالمكملات الغذائية التي تباع في الصيدليات والمحال الكبرى تحت مسمى البروتين والواي بروتين والأيزو وغيرها، والخطورة في اتجاهين: الأول تناول هذه المكملات قد يتسبب في مشاكل في تخزين المياه في الجسم، وأيضاً مشاكل في تخزين هذه المواد ومشاكلها على القلب والكبد وأثناء خروجها تتسبب في مشاكل للكلى».
وأضاف: «في حالة تلويث هذه المكملات، يكون الناتج أخطر على الرياضي لأن المصانع الأميركية والأوروبية دائماً ما تخلط هرمون التستوستيرون مع البروتين، وهو الذي يساعد على انتفاخ العضلة، ولا تكتب ذلك على المكمل الغذائي، لأنها لو سجلت ذلك لن يتناوله الرياضيون، وعدم وجود الهرمون مع البروتين لن يزيد حجم العضلة ويصبح لا فائدة».
وكشف الدكتور غنيم عن أن المكملات الغذائية المُصنعة تحت السلم التي تستخدم العبوات العالمية نفسها، وتجري تعبئتها بـ«بودرة السيراميك» ومعجون الحوائط «السبيداج»، وغيرها من المواد، لا تصلح للاستخدام الآدمي، وقد تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان أو الوفاة، كما يدخل النشا والدقيق في هذه المكملات الخطرة.
وأشار إلى أن المكملات الغذائية العادية ليست في قائمة المنشطات باستثناء الملوثة فقط، وكانت اللجنة الدولية لمكافحة المنشطات «الوادا» قد أعلنت منذ عامين أن 66% من المكملات الغذائية على مستوى العالم ملوثة بهرمون التستوستيرون، ولا يمكن أن يكتشف الرياضي ما إذا كان المكمل الغذائي ملوثاً أم لا، لأن الشركات لا تكتب المكونات الحقيقية على المنتج، وبالتالي قد يؤدي تناولها إلى أن تكون عينة الرياضي إيجابية.
وأوضح: «دورنا في الوكالة المصرية لمكافحة المنشطات وكل المنظمات المعنية بالأمر على مستوى العالم، هو التوعية أمام سيل المكملات الغذائية المنتشر في المحال والصيدليات، وللأسف هذه المكملات ليست مرخصة من وزارة الصحة، ودائماً ما تكون قد وصلت الأسواق عن طريق التهريب، لأنه في حالة عمل ترخيص لها وتحليلها سيتم اكتشاف هرمون التستوستيرون فيها، وبالتالي سيتم إيقافها». واعترف المدير التنفيذي للوكالة المصرية لمكافحة المنشطات أن المكملات لها ضرر كبير على الرياضيين في مصر والوطن العربي والعالم كله، و66% منها ملوثة، وللأسف لا توجد لدينا إحصائية عن الرياضيين الذين سقطوا في المنشطات بسبب المكملات الغذائية الملوثة، ولكن لدينا عدد كبير، وخلال الجلسات معهم لمعرفة المواد التي تناولوها، نكتشف أنهم تناولوا مكملات غذائية ملوثة بهرمون التستوستيرون. وتحدث الخبير الدولي في المنشطات عن الحلول، وقال: «الحل في التوعية والتعليم والثقافة للرياضيين، وللأسف الفكر الموجود عند المدربين أن الرياضي إذا لم يحصل على مكمل غذائي فلن يستطيع أن يلعب، وهذا فكر عقيم، والحل في عمل تحليل المكمل الغذائي في إنجلترا في حالة حاجة الرياضي لتناول المكملات للتأكد من سلامتها».
بناء العضلات يحتاج عملاً لسنوات
قال اللاعب الدولي المصري السابق حسن مصطفى: «كل رياضي له هدف معين في الرياضة التي يمارسها، وعملية بناء العضلات تعتمد في الأساس على النظام في الغذاء والموضوع لن يكون بين يوم وليلة، وأنا في هذا المجال منذ سنوات طويلة حققت الكثير من الألقاب، ولا بد من التركيز فيما تمارسه، وصالات الجيم بها الضار والنافع، ولكن هذا يتوقف على ما يريده الرياضي، وهل هو يرغب في بناء عضلات سريعة من أجل المنظرة، أم البطولة؟».
وأضاف: «المدرب له دور كبير في حياة الرياضي، من خلال المتابعة وكيفية الوصول بالرياضي إلى أعلى المستويات من خلال برامج مدروسة وعلمية، والمكملات الغذائية مجرد مساعد فقط، ولا بد من عمل التحاليل المستمرة، وأيضاً الوقوف على آخر المستجدات للحفاظ على صحة العضلات».
وتابع: «هناك رياضيون يرغبون في تثقيف أنفسهم بشأن المكملات الغذائية، وهي نقطة مهمة لتفادي الوقوع في المحظور، وعلى الرياضي الذي يذهب إلى صالة الجيم أن يهتم بالتدريبات فقط وفي وقتها المحدد».
انتفاخ العضلات «كذبة كبيرة»!
يؤكد محمد عبدالعزيز، أحد أبطال بناء الأجسام والذي سبق له المشاركة في بطولة العالم، أنه بدأ المشوار مع هذه الرياضة من 15 عاماً، وقال: «تحولت من الهواية إلى المشاركة في البطولات بعد سنوات من التجهيز في صالة اللياقة عن طريق أحد أصدقائي، وكانت أول بطولة لي تحت 19 عاماً، وبعد فوزي بها كانت الحافز لمواصلة المسيرة لتحقيق إنجازات أكبر». وأضاف: «كل الممارسين للعبة يحصلون على المكملات الغذائية، ولكن الأهم ما يحصل عليه الرياضي وتوقيته، وليست بالحصول على كميات كبيرة منها، وهناك خلط بين المكملات والهرمون، فالأول له فائدة كبيرة للجسم والرياضي بحاجة له، والثاني يمثل المشكلة الأكبر لكل شباب، على اعتبار أن الهرمون يؤدي إلى انتفاخ العضلات، وهذه كذبة كبيرة يعيش فيها الشباب دون أن يدركوا الخطورة الكامنة على صحتهم». ونوه إلى أن العرب الآن تقدموا بشكل كبير في رياضة بناء الأجسام وباتت اللعبة هوساً لكل الشباب، ويكفي أن بيج رامي بطل العالم، والآن توجد صالات كثيرة للتدريب ومعارض تعرض المنتجات التي من شأنها أن تساعد الرياضيين، والثقافة العربية تتطور من وقت لآخر.
أضرار تؤدي إلى السرطان والوفاة
تؤدي المكملات الصناعية إلى أضرار كبيرة على الجسم، حيث تتسبب في الإصابة بالحساسية، وحالة من الاكتئاب ومشاكل الكلى ومشاكل الكبد، والمشاكل العصبية، والاضطرابات الهضمية والسرطان، كما يمكن أن تؤدي المكملات الصناعية إلى الإصابة بالسرطان، لأنها تحتوي على تركيبات كيميائية وجزيئية، وبالتالي فالاستخدام المتواصل لها يمكن أن يتسبب في تدمير الخلايا الأساسية، وتلف الأنسجة وحتى أعضاء الجسم.
ويسبب الإكثار من تناول البروتين الصناعي بشكل مفرط حدوث ما يطلق عليه «تسمم البروتين»، وتشمل أعراضه الغثيان والإرهاق والإسهال، واضطرابات في وظائف الكلى والقلب والبنكرياس، وارتفاع ضغط الدم بشكل دائم بسبب أضرار الكلى، وذلك أن أي نظام غذائي يحتوي على كميات مفرطة من البروتين سيؤدي إلى أضرار مزمنة في الجسم، بعكس ما هو متوقع من تناول البروتين بالشكل المثالي من الغذاء الطبيعي.
كما أن الإفراط في تناول البروتينات الصناعية مع عدم شرب كميات كافية من الماء، يؤدي إلى أضرار صحية عديدة غير قابلة للعلاج، مثل زيادة نسبة تكوين حصوات الكلى التي تؤدي إلى الفشل الكلوي.
البداية الصحيحة تحتاج إلى مدرب
نوه أحمد شريف الذي يمارس هذه الرياضة منذ 2011 ويعمل مدرباً منذ 2012 حتى اليوم، إلى أن المكمل الغذائي يأتي بعد الغذاء نفسه لتعويض شيء ما في الغذاء الذي يتم تناوله، قائلاً: «المشكلة التي يقع فيها الشباب أنهم يحصلون على المكملات الغذائية من دون علم مؤكد، إما من خلال صديق، كلام سمعه من شخص ما، ولو أخذنا هذه المكملات بطريقة صحيحة وسليمة ستكون مفيدة للغاية».
وأضاف: «هوس الشباب بالعضلات نقطة إيجابية، ولكنها لا بد عن طريق العلم، وهناك الكثير من البلدان العربية أصبح لها الكثير من الأبطال في هذه الرياضة، ولا بد من توجيه في التمرينات وتناول الغذاء إذا كنت بالفعل ترغب في أن تكون بطلاً سليماً، والبداية الصحيحة في هذه الحالة لا بد أن تكون من خلال سؤال مدرب لديه خبرة لمعرفة كيفية التدريبات، وكذلك تناول الغذاء، وكل ما يرتبط بهذه الرياضة».
وتابع: «من خلال خبرتي في هذا المجال، هناك أشياء تحتوي على الكافيين، وإذا كانت هناك مشاكل في الكبد أو الكلى أو القلب أو مريض ضغط، فإنها قد تصل بالرياضي في هذه الحالة إلى الموت المفاجئ». وقال: «انفتاح السوق جعل الجميع يتحدث في هذا الجانب من دون علم، فهناك وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت نافذة خطيرة جداً لابد من الحذر منها، إضافة إلى ظهور البعض يتحدث من دون علم».
2246 حالة «غش» في أبوظبي
رصدت دائرة الصحة في أبوظبي، خلال النصف الأول من 2021، نحو 69 صنفاً تندرج تحت منتجات المكملات الغذائية المزيفة، وفي 2020 رصدت الدائرة 194 منتجاً مغشوشاً تم نشر أسمائها وصور عبواتها في قوائم المنتجات المغشوشة المختلفة في موقع الدائرة، ليصبح العدد الإجمالي للمنتجات المغشوشة المحذر منها 2246 منتجاً والتي تم إدراجها ضمن 5 تصنيفات وهي: منتجات كمال الأجسام المغشوشة ويبلغ عددها 203 منتجات، ومنتجات التجميل المغشوشة ويبلغ عددها 167 منتجاً، ومنتجات المقويات الجنسية والتي يبلغ عددها 1091 منتجاً ومعظمها مغشوش بالمواد الفعالة المستخدمة في العقاقير الطبية التي لا تستخدم إلا بوصفة طبية مثل مادة «سيلدنافيل تادالافيل»، إضافة إلى مادة «اليوهمبين» المحظورة في الدولة منذ عام 2007.
655 مليون ريال استيراد السعودية
ارتفع حجم الاستيراد في سوق المكملات في السعودية، ما حقق نمواً متزايداً خلال الأعوام الخمسة الماضية بـ31.867 مليون كجم، بقيمة إجمالية تقارب 655.9 مليون ريال، واستوردت المملكة نحو 6.224.700 كيلو جرام من المكملات الغذائية خلال عام 2017، بقيمة إجمالية بلغت 106.7 مليون ريال، وفي 2018 بلغ حجم الاستيراد 6.334.002 كيلو جرام بقيمة إجمالية بلغت نحو 132.3 مليون ريال.
وبلغ حجم ما تم استيراده في 2019، أكثر من 5.735.767 كجم، بمبلغ يقدر بـ 135.1 مليون ريال، وشهد 2020 زيادة في حجم الكمية المستوردة لتبلغ 7.754.588 كيلو جراماً بقيمة بلغت نحو 148.3 مليون ريال، قبل أن تنخفض قيمة الواردات إلى 133.6 مليون ريال في 2021، حيث تم استيراد نحو 5.817.952 كيلو جراماً. جاءت الواردات من 45 دولة، استحوذت خمس دول على النصيب الأكبر خلال الأعوام الخمسة، من حيث قيمة ما تم استيراده، ففي 2021 بلغ إجمالي قيمة ما تم استيراده من المكملات الغذائية نحو 96.651.000 ريال، وهي تمثل 72.3 في المائة من إجمالي المبلغ المقدر بـ 133.6 مليون ريال.
احتلت أميركا المرتبة الأولى بإجمالي نحو 41.093 مليون ريال، الدنمارك 17.146 مليون ريال، بريطانيا 14.003 مليون ريال، نيوزيلندا 12.250 مليون ريال، ثم ألمانيا بنحو 12.157 مليون ريال، حيث تم الاستيراد في ذلك العام من 45 دولة.
450 مليون دولار صادرات مصرية
حقق سوق المكملات الغذائية في مصر نمواً غير مسبوق خلال الـ3 سنوات الماضية بحجم مبيعات تتخطى الـ 15 مليار جنيه، وهو من أكثر القطاعات تحقيقاً للمبيعات مقارنة بالعديد من القطاعات الأخرى، وعلى الرغم من التحديات العالمية والأزمات الاقتصادية، فقد حقق قطاع المكملات الغذائية نجاحاً كبيراً في مجال التصدير بالانتشار في عدة دول وفتح أسواق جديدة أمام منتجات المكملات الغذائية المصرية، ليتضاعف حجم الصادرات من المكملات الغذائية.
وتقدر صادرات شركات الأدوية والمكملات الغذائية المصرية بحوالي 450 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، كما تمتلك مصر حوالي 30% من إجمالي مصانع الأدوية في القارة الأفريقية، ويصل حجم صادرات تلك الشركات للأسواق الأفريقية إلى حوالي 65 مليون دولار.
تحذير أوروبي
حذرت المجلة الأوروبية لطب القلب الوقائي من أن مثل هذه المنتجات يمكن أن تشكل مخاطر صحية خطيرة لوحدها أو عند مزجها بمواد أخرى، كما أن تناول الكافيين بجرعات عالية يمكن أن يؤدي إلى تسارع ضربات القلب واضطرابات في نظم القلب وارتفاع ضغط الدم وموت القلب المفاجئ.
«التقليد» يملأ الأسواق الأردنية
تحولت سوق الأغذية الخاصة والمكملات في الأردن إلى سوق موازية وبقيمة مستوردات بلغت 112 مليون دولار سنوياً على رغم معوقات التقليد والتزوير، ولا يزال الإنفاق على المكملات متواضعاً ولا يزيد على واحد في المئة من دخل المواطن الأردني، ويوجد في الأردن 2500 ناد ومركز وأكاديمية رياضية في مختلف محافظات البلاد، يعمل بها نحو 16 ألف موظف.
إجراء جزائري
حظرت وزارة التجارة الجزائرية مطلع العام الحالي تسويق 20 مكملاً غذائياً أثبتت التحاليل المخبرية احتواءها على مكونات كيماوية، وعلى مواد غير مصرح بها في التركيبة، بينها أدوية تستعمل لعلاج الضعف الجنسي، لا ينصح بتناولها إلا بعد أخذ رأي طبيب مختص.
اقرأ أيضاً: هوس العضلات بين الحقيقة والأوهام.. «كبسولة واحدة» تعني الموت المفاجئ! (2-2)