مراد المصري (دبي)
قصص النجاح لا يصنعها أحد وحده، والتفوق يبدأ من حكايات لا تروى كثيراً، لكن من هناك تبدأ أول فصول الرواية ممن اخترن البقاء بعيداً عن الأضواء في أغلب الأوقات، فأسماؤهن لا تتردد كثيراً، وقد تمر بجانبهن في البطولات الرياضية دون أن تعلم هويتهن، لكنهن في الحقيقة ممن يساهمن في صناعة الحدث، وهن اللواتي نرى فيهن نموذجاً للمرأة الإماراتية والعربية بالإصرار والتضحية، وننصب لهن في «الاتحاد» منصة تتويج خاصة لنقول لكل واحدة منهن «أنتِ بطلة».
عندما نذكر رياضة الشطرنج، أول ما يتبادر للذهن على صعيد الرياضيات الإماراتيات فيها، سيكون بالتأكيد روضة السركال، نجمة نادي أبوظبي للشطرنج، هذه الفتاة التي شقت طريقها نحو الإنجازات بفضل دعم العائلة، وتحديداً والدتها أمامة درويش، معلمة الفنون الجميلة التي كان من الواجب لنا أن نسرد حكايتها على لسانها بنفسها، بوصفها صاحبة بصمة في تاريخ الشطرنج بصناعة بطلة ينتظرها المزيد من المستقبل المشرق.
كنت أجلس مع روضة عندما تعود من الروضة لنلعب الشطرنج رفقة شقيقاتها موزة ولطيفة وشمة، كان عمرها أربع سنوات فقط، وتعلقت مباشرة بهذه اللعبة التي كنا نعتبرها هوايتنا المفضلة في المنزل، لكن تميز روضة فيها جعلني أبحث لها عن نادٍ لتمارسها فيه بإشراف مدربين متخصصين، ورغم أن نادي أبوظبي للشطرنج يبدأ باستقبال اللاعبات في سن السادسة عندما تقدمنا للدخول إليه، فإن أدائها في الاختبار جعلها تنضم في هذه السن المبكرة، وأيضاً المشاركة مباشرة في البطولة الآسيوية ومنافسة لاعبات أكبر منها عمراً.
لا يهمني أن يتم ذكر اسمي أو الحديث عني، طالما التركيز يكون على روضة التي أرى فيها نفسي، ونعتبرها مصدر بهجة لنا جميعاً في المنزل كونها الأصغر عمراً، ومع كل نجاح تحققه نشعر أننا أيضاً جزء معها في هذه الرحلة الرياضية.
قمت بتضحيات عديدة خلال هذه المسيرة الرياضية لروضة، الأبرز فيه كان الوقت الذي أقضيه معها في المعسكرات والمنافسات، خصوصاً عندما كان يتطلب الأمر السفر خارج الدولة، حيث ابتعدت عن عائلتي في أوقات خاصة مثل الأعياد، ومناسبات أخرى، لكن الجميع كان يتفهم ما أقوم به رفقة روضة، خصوصاً والدها عيسى السركال، وكل التضحيات التي قمت بها، أمر لا أندم عليه، بالعكس فإن روضة تزيدني فخراً، وتجعلني أشعر أن ما أقوم به كان يستحق الأمر.
حلم روضة الأكبر أن تحصل على لقب «الأستاذ الدولي الكبير»، وهو الهدف الذي أطمح أن أساعدها لتحقيقه، نصيحتي لها هي الابتعاد عن التوتر والقلق، خصوصاً عند التعرض للخسارة، أخبرتها بأن تستمتع خلال المنافسات ولا تفكر بالتصنيف الدولي الذي ستتقدم فيه طالما استمرت بهذا الأداء، وأن الخوف يتبدد دائماً طالما كان الإنسان مجتهداً وواثق في إمكانياته، ولديه الشغف والطموح للتفوق.