«2-3»
منير رحومة (دبي)
عندما تتخلى الرياضة عن دورها في حياة الناس، ويقل النشاط البدني عند الأفراد، وتغيب المبادئ الإيجابية التي تبثها الرياضة في مختلف فئات المجتمع، تطل المخاطر برأسها، وتتفشى الظواهر السلبية التي تجتاح المجتمعات.
وإلى جانب خطر الخمول على الصحة، والأمراض الكثيرة التي يعاني منها الأشخاص، تجتاح العادات السيئة، والسلوكيات العدوانية منطقتنا العربية، وتخفي وراءها الكثير من المخاطر الأخرى مثل الانحراف، والعنف بين الأشخاص، والإدمان، ومختلف مظاهر الكراهية والتطرف.
وبعد أن تطرقنا في الحلقة الأولى من التحقيق إلى الحقائق الصادمة بخصوص صدارة منطقتنا العربية للدول التي لا تمارس النشاط الرياضي، وتفشي مرض الخمول لدى شعوبنا، نسلط الضوء في هذه الحلقة على المرض النفسي الذي يصيب الأفراد، ويتسبب في انحرافات خطيرة تفرز سلوكيات عدوانية، تهدد المجتمعات، وتبعث على القلق بخصوص مستقبل الأجيال المقبلة.
ونستعرض آراء نخبة من الباحثين والخبراء العرب الذين درسوا الخطر الداهم مبكراً، وحذروا من انعكاسات السلوكيات العدوانية على مجتمعاتنا، وأبرزوا دور الرياضة في التصحيح وتقديم العلاج.
اقرأ أيضاً:
«القاتل الرابع».. مسكوت عنه في «الرياضة العربية»! «1-3»
«رؤية 2030».. بوابة الأمل «3-3»
مساعد الغوينم: غياب الاستراتيجيات يدفع إلى الجريمة
يرى الفريق متقاعد مساعد الغوينم، مدير عام معهد القادة الأمني للدراسات والتدريب الأهلي بالكويت، أن ممارسة الأنشطة الرياضية تعد من الاستراتيجيات الفعالة للحد من الجريمة بجميع أشكالها، مثل الإرهاب والمخدرات والعنف والتنمر، إذا تمت الممارسة بالشكل الصحيح. وأشار إلى أن نشر ثقافة التسامح ونبذ التعصب الرياضي يكون عن طريق التنشئة الاجتماعية والتربوية، وتنمية السلوك الإيجابي بواسطة المؤسسات التربوية والتعليمية والرياضية.
وشدد الغوينم على أن ممارسة الرياضة كوسيلة إنسانية تسهم في تمكين الإنسان بدنياً وذهنياً، وترسيخ قيمها النبيلة، المبنية على احترام الجميع، والتنافس الرياضي الشريف، بالإضافة إلى أن الرياضة لها دور كبير في زرع الثقة بالنفس وقوة الشخصية، وتكوين علاقات اجتماعية جيدة، وإشغال أوقات الفراغ للحد من الجريمة بأنواعها.
وقال: أبرز الجهات المعنية في تحصين الشباب من الوقوع بالسلوكيات المعادية للمجتمع هي الهيئة العامة للرياضة، من خلال إعداد البرامج والأنشطة الشبابية التي تسهم في الحد من الجريمة والمخدرات والإرهاب والعنف والتنمر، وتوعية الشباب بالثقافة القانونية والأمنية بعدم الوقوع في السلوكيات الخاطئة، واستثمار وقت الفراغ لدى الشباب بما يفيدهم من الناحية الصحية والبدنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
دويلي منصورية: طلبة المدارس في «دائرة الخطر»
شددت الدكتورة دويلي منصورية أستاذة تعليم عالٍ بقسم النشاط الحركي المكيف بالجزائر، على أن السلوكيات العدوانية المنتشرة في مجتمعاتنا، خاصة لدى الطلبة، ظاهرة خطيرة موجودة بصفة واضحة في مدارسنا.
وأشارت إلى أن دور الرياضة، وتحديداً ممارسة بعض الألعاب مثل الكاراتيه له تأثير مباشر على السلوك العدواني لدى الأفراد، وذلك بالحد من السلوكيات العدوانية، مؤكدة أن الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا المجال كشفت عن أن ألعاب الدفاع عن النفس ورياضة الكاراتيه تدخل ضمن هذا الإطار، وتسهم بشكل فعال في تقليل السلوكيات العدوانية عند طلبة المدارس والأحداث الجانحين في الإصلاحيات والسجون.
وأضافت أن ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية التنافسية، يمكنها أن تسهم في إشباع أو تعديل أو السيطرة على هذه الغريزة، حيث تهدف رياضة الكاراتيه مثلاً إلى البناء الكامل والمتوازن للأفراد، حيث تقوم بتحويل المهارات القتالية الدفاعية إلى عادات سلوكية، مع اختصار الجهد الجسدي والنفسي وبالتالي تحسين ردود الفعل.
وقالت: لعبة الكاراتيه تساعد المراهق على تعلم واكتساب المهارة الحركية وتشغيل الطاقة الزائدة، ليتحرر من الاضطرابات النفسية مثلاً، مثل الكبت والانعزال، كما تبعده عن العقد النفسية مثل الأنانية وحب الذات.
هالة الأبلم: التخلي عن النشاط يُصيب بالاكتئاب
قالت الدكتورة هالة الأبلم مدربة ومرشدة نفسية واستشارية تربوية أسرية في الإمارات، إن عدم ممارسة الرياضة في المجتمعات له انعكاسات سلبية، ليس فقط على صحة الإنسان، وإنما أيضاً على نفسيته، مضيفة أن النشاط الجسماني يسهم في تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب، كما يساعد الأشخاص المصابين به في تخطي الحالة وعلاجها، إلى جانب المشاكل النفسية الأخرى المختلفة.
وأضافت أن دراسات عديدة تناولت هذا الموضوع مؤخراً لأهميته، وفي بحث أجري من 200 طبيب بريطاني في المجال النفسي، وجدوا أن 22% من الأطباء يوصون بممارسة الرياضة والنشاط الجسماني لأثرها الجيد على الصحة النفسية للفرد.
وأشارت أيضاً إلى أن منظمة الصحة النفسية أوصت بضرورة تشجيع مرضى الاكتئاب على ممارسة الرياضة، وليس فقط تناول الأدوية المضادة للاكتئاب، لأن الرياضة تساعد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الطفيف، في مسألة تعزيز تقييمهم لأنفسهم، وزيادة شعورهم بالسعادة.
وذكرت أن ممارسة الرياضة تعمل على زيادة تحفيز إنتاج «الأندورفين»، وهي عبارة عن هرمونات تؤدي إلى الشعور بالابتهاج ومسكن طبيعي للألم، وبالتالي فإن ممارستها بشكل منتظم ومستمر من شأنه أن يساعد المرضى في التخلص من الاكتئاب، كما يقلل من خطر إصابة الآخرين به.
محمد إسماعيل: تنازل الأندية عن دورها يدفع الشباب إلى «فخ المخدرات»
أكد الدكتور محمد إسماعيل مطر من جامعة القدس المفتوحة بفلسطين، أهمية دور الأندية الرياضية في حماية الشباب والحد من تعاطي المخدرات، لما له من تأثير إيجابي في وقايتهم قبل الضياع وتفكك النسيج الاجتماعي، وإعادة التوازن النفسي والاجتماعي للعيش في بيئة أمنة.
وقال: تسهم الأندية الرياضية في تعديل السلوك المنحرف لدى الشباب وإعداد إنسان واع ومثقف متزن وبالتالي مساعدتهم على التكيف الاجتماعي والنفسي، وبث روح المحبة والتعاون والترابط بين أفراد المجتمع، كما تعتبر عاملاً مهماً في الحيلولة بينهم وبين الوقوع في مظاهر الانحراف، بما فيها تعاطي المخدرات، لذلك تلعب الأندية الرياضية دوراً أساسياً في توضيح خطورة هذه الظاهرة على الشباب، من خلال ملء أوقات الفراغ بأنشطة رياضية ترويحية أو ثقافية واجتماعية، يكون لها دور في محاربة الانحراف.
وقال أيضاً: يعاني الشباب الفلسطيني من ضعف المشاركة المجتمعية، إذ أصبح دوره أكثر انحساراً بتنفيذ حملات مجتمعية وأنشطة العمل التطوعي، ومشكلة تعاطي المخدرات كانت وما زالت أساسية وتستحوذ اهتماماً كبيراً من الدول والهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية القائمة على مواجهتها، وأيضاً من الباحثين والمتخصصين، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، وذلك بالنظر إلى آثارها المعوقة للتنمية في المجتمع، فضلاً عن آثارها السلبية الأخرى في المجالات الصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
وطالب محمد إسماعيل بالعمل على زيادة فعالية دور الأندية الرياضية، لتمكين الشباب للمشاركة في وضع وتصميم البرامج والأنشطة المتنوعة، التي تسهم في الحد من تعاطي المخدرات بالمجتمع الفلسطيني.
زبيدة الدباغ: «التنمر» محصلة ضعف التنشئة السليمة
أشارت الدكتورة زبيدة عبدالوهاب الدباغ من الجامعة الأميركية في الإمارات، إلى التأثير الإيجابي للرياضة في مكافحة حالات التنمر بالمجتمعات، بفضل الدور الفعال والمهم الذي تلعبه التربية البدنية والرياضية في تحقيق تنشئة اجتماعية، لها أهمية وأثر في ردع حالات التنمر في المجتمع.
وأوضحت أن التنمر سلوك غير طبيعي، ينتج عن خلل من المسبب الرئيسي له، وهو الأبوين، نتيجة التربية الخاطئة أو الإهمال أو العنف الأسري، أو الغيرة، أو الغرور، أو قلة الثقة بالنفس، بالإضافة إلى الألعاب الإلكترونية العنيفة، وقالت: تنتج عن التنمر حالات كثيرة مثل فقدان الثقة بالنفس، وفقدان التركيز، وتراجع الأداء، والخجل الاجتماعي، والخوف من مواجهة المجتمعات الجديدة، واحتمال حدوث مشاكل في الصحة النفسية مثل الاكتئاب، والقلق وحدوث حالات انتحار، وفي بعض الحالات يؤدي الضغط العصبي والنفسي إلى حالات الوفاة.
موضي العنزي: الابتعاد عن النشاط الرياضي طريق التطرف والإرهاب
أشارت الدكتورة موضي العنزي أستاذة بجامعة الملك سعود، إلى أن الرياضة أداة فعالة ومرنة لتعزيز أهداف الوقاية من التطرف والإرهاب ونبذ التعصب والأفكار الهدامة، حيث تساعد على اكتساب قيم الاحترام والتسامح، وتطوير الكفاءات الاجتماعية، والتقارب بين الشعوب وأفكارها، والتسامح بين أفرادها، كما تبني أيضاً جسوراً بين الطوائف بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية أو الانقسامات السياسية بينها.
وأضافت أن النشاط الرياضي أداة مجدية لمنع النزاع والعمل على تحقيق سلام بين المجتمعات كافة، وذلك لأن الرياضة وعالميتها لديهما القدرة على تخطي حدود الثقافات، وتشجع على إقامة مجتمعات.
وشددت موضي العنزي على أن دعم ممارسة الشباب للأنشطة الرياضية، يساعد على مكافحة الفكر المتطرف والتعصب والإرهاب، كما يزيد من الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع، كما أن الرياضة تسهم في تنمية الولاء للفرق الرياضية، بوصفها وسيلة لتنمية الولاء للوطن، وقالت موضي: تنمية الولاء للفرق الرياضية وسيلة لتنمية الولاء للوطن، وهو أبعد من دور الأنشطة الرياضية في شغل وقت الفراغ وتجديد النشاط، إلا أن الولاء للفريق الواحد يدفع إلى بذل الجهد من أجل الفوز على الآخرين.
العرب سوق عالمية للألعاب الإلكترونية
تحولت منطقتنا العربية في السنوات الأخيرة إلى سوق ألعاب إلكترونية سريع النمو على مستوى العالم، حيث أسهم تغير نمط المجتمع وانتشار الإنترنت المتزايد، والتخلي عن ممارسة الأنشطة البدنية، في زيادة ممارسة ألعاب الواقع الافتراضي.
وحذّر أطباء ومختصون من خطورة وقوع الأطفال والشباب أسرى للألعاب الإلكترونية، وتمضية ساعات طويلة من يومهم أمام الأجهزة اللوحية الذكية، حتى أصبحت ظاهرة لا تخلو من المخاطر الصحية والنفسية، الأمر الذي دعا منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الإدمان على ألعاب الفيديو، بأنه نوع جديد من الأمراض المعترف بها حول العالم.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن اللعبة الإلكترونية «PUBG»، وصل عدد مستخدميها إلى أكثر من 600 مليون ممارس حول العالم، بحسب إحصاءات الربع الأول من 2020، والغريب أن معظم الممارسين لهذه اللعبة هم من أولياء الأمور أو الراشدين، مما يسلبهم ممارسة حياتهم الطبيعية.
كما أن انشغال الآباء المفرط بالأجهزة التقنية، يسبب الإحباط لدى أطفالهم، ويسبب قطع التواصل مع أبنائهم، وبأنه يمكن الوصول مع هذه الألعاب إلى حد الإدمان والهوس.
وصنف أطباء واختصاصيون اجتماعيون، ممارسة الألعاب الإلكترونية بشكل مفرط، بأنه اضطراب سلوكي خاص، يؤثر سلباً في حياة الفرد اليومية، جسدياً وذهنياً واجتماعياً.
مخاطر الخمول:
- ارتفاع ضغط الدم
يطلق عليه القاتل الصامت، حيث لا ينتبه الشخص إلى مدى خطورة هذا المرض على حياته.
- هشاشة العظام
يحدث بسبب نقص الكالسيوم وينتشر بين الإناث، خاصة ربات البيوت حيث يعشن نمط حياة خاملاً.
- اضطرابات الدهون
هو محتوى الدهون في الدم ويمثل عاملاً مساعداً للنوبة القلبية.
- السمنة
تؤثر على الأشخاص سلباً وقد تكون مميتة في حالة الإصابة بـ «كوفيد-19».
- الاكتئابوالقلق
يؤديان إلى تغير مستويات الهرمونات ما يتسبب في خفض مناعة الجسم، وهو ما ينتهي بتدهور الوضع الصحي لمرضى «كورونا» وتعرضهم لإصابات شديدة.