مصطفى عبدالعظيم (أبوظبي)
تتسم العلاقات الاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية، منذ عقود بالقوة والمتانة والتطور المستمر، حيث تجمع البلدين شراكة استراتيجية شاملة في المجالات كافة، الأمر الذي ساهم في تحقيق التعاون الاقتصادي قفزات مهمة في حجمه وتنوعه خلال السنوات الماضية، في العديد من القطاعات الحيوية.
وفيما تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تقدماً سريعاً في مختلف المجالات، برزت في السنوات الأخيرة مجالات «اقتصاد المستقبل»، لترسم مسارات جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين الجانبين، لاسيما في مجالات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والابتكار والاقتصاد الدائري، إلى جانب القطاعات الحيوية الرئيسية الأخرى.
في مارس من العام الماضي، اتفقت الإمارات وروسيا الاتحادية، خلال اجتماعات الدورة الحادية عشرة للجنة الحكومية المشتركة بين البلدين للتعاون في القطاعات الاقتصادية والتجارية والفنية، على تعزيز التعاون في القطاعات ذات الأولوية على الأجندة الاقتصادية للبلدين، والعمل المشترك وتبادل الخبرات والمعرفة في مجالات الابتكار والبيئة والتعليم والخدمات المالية، بما يخدم النمو الاقتصادي المستدام لاقتصاد البلدين الصديقين.
12 قطاعاً للتعاون الاقتصادي
خلال أعمال الدورة العاشرة من اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني بين الإمارات وروسيا الاتحادية، وضع الجانبان إطاراً جديداً للتعاون الاقتصادي، يشمل 12 قطاعاً ومجالاً حيوياً ومستقبلياً ترسم خريطة طريق للتعاون بين البلدين خلال المرحلة المقبلة. ويتضمن ذلك التجارة والاستثمارات، والطاقة، والصناعة والابتكار، والخدمات المالية والمصرفية والجمارك، والأمن الغذائي والزراعة، والتعليم والنقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإعلام والثقافة والسياحة والرياضة، وحماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعة، والاقتصاد الدائري، والثورة الصناعية الرابعة، والفضاء.
قفزات التبادل التجاري
تصنف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية، حيث تأتي في المرتبة الثانية، وبلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وروسيا 40.2 مليار درهم، مقابل 13 مليار درهم قبل عشرة أعوام فقط، حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وروسيا منذ العام 2010 ولغاية نهاية 2023 نحو 204 مليارات درهم.
وأشارت بيانات وزارة الاقتصاد، إلى أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين للعام 2022 قفز بصورة قياسية، وذلك بنسبة 108% ليصل إلى 39.6 مليار درهم، مقابل 19 مليار درهم خلال عام 2021.
وبلغ التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين 13.7 مليار درهم عام 2013 و13.1 مليار درهم عام 2014، في حين بلغ 9.3 مليار درهم عام 2015، ونحو 7.6 مليار درهم في عام 2016، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 9.3 مليار درهم في عام 2017، وإلى 12.5 مليار درهم في عام 2018، وإلى 13.5 مليار درهم في عام 2019، قبل أن يتراجع في عام الجائحة 2020 إلى 9.4 مليار درهم، ليقفز بأكثر من 100% في عام 2021، ويصل إلى 19 مليار درهم، ثم إلى 39.6 مليار درهم خلال عام 2022، ويصل إلى 40.2 مليار درهم في 2023.
استثمارات بينية
تعد الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على النسبة الأعلى من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل، فإن الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتسهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها، كما تعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وتستأثر بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية الخليجية.
ويتشارك البلدان إمكانات تنموية واسعة وآفاقاً إيجابية تقوم على أسس تاريخية راسخة من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، حيث توطدت روابط البلدين على مدار 5 عقود، وواصلت ازدهارها حتى تكللت بالشراكة الاستراتيجية القوية التي تجمع البلدين.
4 آلاف شركة روسية
تحتضن أسواق الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية، وبلغ عدد العلامات التجارية الروسية المسجلة في الإمارات 647 علامة، وتضم الإمارات 29 وكالة تجارية روسية مسجلة. وتتضمن قطاعات الاستثمار الروسي في الإمارات الأنشطة العقارية وتجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، والصناعة التحويلية والمعلومات والاتصالات، إضافة إلى النقل والتخزين وقطاع التعليم والأنشطة المالية والتأمين، فضلاً عن الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية.
وتعد الإمارات مركزاً لإعادة توزيع المنتجات الروسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك لما تتمتع به من موقع جغرافي مهم كنقطة التقاء تجارية دولية، وخبرات مدربة في جميع مجالات العمل التجاري، وما تقدمه من تسهيلات وحوافز للمستثمرين.
التجارة والاستثمار
وتشكل الإمارات وجهة مهمة للتجارة والاستثمارات الروسية، للاستفادة من الميزات والفرص التي توفرها دولة الإمارات كواحدة من أبرز الوجهات الاستثمارية تنافسية في المنطقة والعالم، لاسيما بعد التحديثات التشريعية الاقتصادية الأخيرة، والسماح بالتملك الأجنبي للشركات بنسبة 100% والانفتاح والمرونة في سياسات التجارة والاستثمار وتأسيس ومزاولة الأعمال، وإطلاق حكومة دولة الإمارات لمشاريع الخمسين التي تمثل خريطة طريق استباقية لاقتصاد المستقبل، وتعزيز التحول نحو نموذج اقتصادي مرن ومستدام وأكثر انفتاحاً على الشراكات والأسواق العالمية.
وتعتبر الشركات الروسية، الإمارات مركزاً مناسباً للإنتاج والخدمات اللوجستية لتنظيم إمدادات التصدير واستيراد المكونات والمعدات والمواد المطلوبة إلى روسيا.
استثمارات الإمارات
تمثل استثمارات الإمارات في روسيا أكثر من 80% من إجمالي حجم الاستثمارات العربية، يتركز معظمها في قطاعات الغاز والنفط والخدمات اللوجستية في روسيا، فضلاً عن تطوير الموانئ وتطوير البنية التحتية، وتصنيع الزجاج والنقل البحري والأنشطة العقارية، إضافة إلى قطاع الطيران والبناء والتشييد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنقل الجوي للركاب والبضائع والاستثمار في مجال صناعة طائرات الهليكوبتر والاستثمار في مجال البتروكيماويات، وفي مجال الرعاية الصحية. ويعمل البلدان معاً على تعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في روسيا، واستكشاف فرص التعاون في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر وتسييل الكربون وحلول الطاقة المتجددة. كما أقرا تشكيل مجموعة عمل للتعاون في مجال الطاقة المستدامة.