حسام عبدالنبي (أبوظبي)
نجحت دولة الإمارات، عبر تجربة عالمية رائدة، في اعتماد ممارسات مبتكرة وجمع التمويل اللازم للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، بحسب منصور الملا، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة «القابضة» (ADQ).
وأكد الملا لـ«الاتحاد» أن القطاع الخاص في الإمارات تعامل مع الوضع السائد بطريقة مبتكرة، حيث تمكنت الإمارات من الاستفادة من منشآت الزراعة الداخلية لتطبيق المفاهيم والتقنيات المبتكرة، مشيراً في هذا الصدد إلى تزايد الاستهلاك المحلي للفواكه والخضراوات التي يتم إنتاجها باستخدام أساليب الزراعة العمودية والمائية.
وقال الملا إن الابتكار في المنظومة الغذائية العالمية يعاني فجوة تمويلية تقدر بنحو 15.2 مليار دولار، حسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، ما يشكل خطراً حقيقياً في تلبية الطلب المتزايد على الغذاء من أعداد السكان المتنامية في العديد من الدول، مؤكداً أن النظم الغذائية العالمية تواجه تحديات غير مسبوقة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، أثر التغير المناخي واضطرابات سلاسل التوريد العالمية.
وأضاف أن هذه النظم بشكلها الحالي لم تعد تلبي متطلبات الاستدامة العالمية، إذ يصدر عنها نحو ثلث إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً. وأشار إلى أن عملية التغيير نحو نموذج أكثر استدامة يترتب عليها تكاليف كبيرة، ما يظهر أن الحكومات وحدها لا تستطيع أن تحقق الأمن الغذائي، بل يتطلب ذلك توحيد الجهود عبر مشاركة جميع الأطراف المعنية في دعم وتحفيز الاقتصاد، لافتاً إلى أن الهيئات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، والمستهلكين والأفراد، يؤدون دوراً مهماً في معالجة القضايا المعقدة التي تواجه النظم الغذائية الحالية، والعمل على تحقيق مستقبل أكثر استدامة.
دور محوري
وأوضح الملا أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تؤدي دوراً محورياً في دعم هذه الابتكارات في دولة الإمارات، والتي تتلقى الدعم أيضاً من خلال بعض المبادرات مثل «تحدي تكنولوجيا الغذاء»، وهي مسابقة للأمن الغذائي أطلقتها دولة الإمارات عام 2019 وتقدم من خلالها جوائز مالية وحوافز للشركات الناشئة ومنحاً لأكثر الحلول الزراعية المبتكرة، منوهاً بأن العديد من التقنيات الحاصلة على الدعم تخضع للتجربة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، مثل اعتماد تقنيات «بلوك تشين» في دعم سلسلة التوريد الزراعية.
وعن دور الأفراد في تطبيق الممارسات المستدامة، أفاد نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة «القابضة» بأن الأمن الغذائي مسؤولية الجميع في نهاية المطاف، إذ تشير التقديرات إلى أن ثلث إنتاج الغذاء حول العالم يتعرض للهدر أو الفقد خلال المرحلة الممتدة بين الإنتاج والاستهلاك، أي ما يعادل 1.3 مليار طن سنوياً بقيمة تصل إلى نحو تريليون دولار، منوهاً بأنه بإمكان المستهلكين الإسهام في الحد من هدر الغذاء يومياً من خلال اتخاذ قرارات واعية، مثل الترشيد في الاستهلاك وشراء السلع المصنعة محلياً، والحد من الهدر في المنازل، ودعم الممارسات المستدامة وتعزيز انتشارها.
هدر الغذاء
وأكد الملا، أن الحكومات في العديد من الدول والمنظمات غير الحكومية تدعم هذه الجهود، فمثلاً، تهدف المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء «نعمة» في دولة الإمارات إلى تقليل نسبة الهدر للنصف بحلول عام 2030، كما تسعى من خلال شراكاتها مع أبرز الجهات المحلية إلى نشر الوعي حول ضرورة مساهمة الأفراد في تعزيز الأمن الغذائي على نطاق واسع وتطوير المشاريع التي تدعم هذا الهدف.
وأضاف أن الحكومات ومؤسسات القطاع العام تؤدي دوراً أساسياً في قيادة جهود التعامل مع التحديات التي تواجه نظم إنتاج الغذاء العالمية، لكن لا يمكن تحميلها أعباء هذه التحديات بشكل كامل، منبهاً إلى أنه على الرغم من أن وضع الأمن الغذائي على رأس الأولويات في الخطط الوطنية يعتبر خطوة مهمة، إلا أن نجاح جهود التغيير يكمن في إحداث عملية تحول شاملة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية بهدف التخلص من الممارسات وأنماط الاستهلاك غير المستدامة.
وأوضح الملا، أن الطرق المتبعة في هذا النهج، تختلف، حيث يمكن للحكومات تحفيز عملية التغيير من خلال دعم الأبحاث والابتكار في المجال الزراعي، أو عبر تشجيع الاستثمارات الموجهة إلى المنشآت المتطورة لإنتاج الأغذية وتخزينها، أو من خلال تطوير أساليب استراتيجية مثل نظم التغذية المخصصة والمعتمدة على البيانات الضخمة، مستشهداً على ذلك بتحقيق بعض الدول تقدماً ملموساً من خلال إطلاق هذه المبادرات، مثل النجاح في إدخال أصناف أرز أكثر قدرة على مقاومة تغير المناخ في بنغلاديش التي تعد ثالث أكبر منتج للأرز عالمياً، وإعلان الحكومة الهندية في عام 2023 إطلاق أكبر خطة لتخزين الحبوب في العالم، وجهود حكومة البرازيل لدعم وتسريع وتيرة الابتكار في القطاع الزراعي، والتي أسهمت في تعزيز موقعها بين الدول الرئيسة المصدّرة للمنتجات الزراعية.
نظم عالمية
قال منصور الملا، إن العمل على بناء نظم غذائية عالمية أكثر مرونة يتطلب نهجاً شاملاً يتضمن مساهمة جميع الأطراف، مشدداً على أن تضافر الجهود في مواجهة المسببات الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي يساعد الحكومات وجهات القطاع الخاص والأفراد على اتخاذ خطوات ملموسة، تمهيداً لمستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن الغذائي.