ثاني بن أحمد الزيودي*
مع انقضاء عام آخر مليء بالإنجازات الرائدة لدولة الإمارات، نستطيع القول إن التجارة الخارجية شكّلت واحدة من أهم قصص النجاح للدولة في 2023، حيث رسخت التجارة مكانتها محركاً رئيسياً للتنمية وإحدى أهم ركائز الاستراتيجيات الاقتصادية وعنصراً أساسياً في العلاقات الخارجية للدولة.
وخلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 الذي اختتم أعماله في مدينة إكسبو دبي مؤخراً، تم التأكيد على دور التجارة باعتبارها مساهماً رئيساً في الجهود العالمية لمواجهة تحديات التغير المناخي، كما كتبت التجارة صفحة ناصعة في قصة نجاح دولة الإمارات محلياً وتنامي دورها عضواً فاعلاً ومؤثراً في المجتمع الدولي، بالتزامن مع استعداد الدولة لاستضافة المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في العاصمة أبوظبي في فبراير المقبل.
ولطالما حظيت التجارة بأهمية خاصة بالنسبة لدولة الإمارات، فهي الجسر الذي يربط منتجاتنا من السلع والخدمات ومواردنا الطبيعية بالعالم ويرفد اقتصادنا بأحدث الأفكار والابتكارات، كما أصبحت التجارة اليوم ركناً أساسياً في طموحات الدولة للتنمية والتنويع الاقتصادي وفق ما جاء في رؤية «نحن الإمارات 2031» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في نهاية عام 2022، حيث تنص الأهداف الطموحة للرؤية على مضاعفة قيمة التجارة الخارجية إلى 4 تريليونات درهم، مع زيادة قيمة الصادرات غير النفطية إلى 800 مليار درهم، وهو ما يعكس القوة التحفيزية الكبيرة للتجارة لتسريع نمو الاقتصاد الوطني.
وقد تركزت الجهود على تحقيق هذه الأهداف في عام 2023، لاسيما ما يتعلق ببرنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، الذي يسعى لتحفيز نمو التجارة الخارجية غير النفطية عبر إلغاء الرسوم الجمركية أو تخفيضها، وإزالة الحواجز الفنية أمام التجارة وتحسين الوصول إلى الأسواق الدولية ذات الأهمية الاستراتيجية.
وقد نجحنا منذ بداية العام في إحراز تقدم لافت، إذ وقعنا اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع كل من كمبوديا وجورجيا، وباشرنا تنفيذ اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع تركيا وإندونيسيا وإسرائيل، وأنجزنا المفاوضات الخاصة باتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وموريشيوس والكونغو برازافيل، وأطلقنا مفاوضات لاتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع دول أخرى في خمس قارات، بما في ذلك صربيا وأوكرانيا وتكتل أوراسيا وأستراليا والفلبين وماليزيا وكوستاريكا وكينيا وتشيلي وفيتنام.
وإذا ما أضفنا كل ما سبق إلى اتفاقيتنا مع الهند، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2022، فإن هذه الاتفاقيات تمثل شبكة تجارية قوية تغطي أكثر من ربع سكان العالم وتمهد لحقبة جديدة من الازدهار الاقتصادي. إذ نتوقع أن يؤدي برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة إلى زيادة صادراتنا بنسبة 33% ويرفد الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 153 مليار درهم بحلول عام 2031، أي حوالي 10% من الناتج الإجمالي الحالي.
وقد بدأنا نرى تأثير الشراكات الاقتصادية على أرض الواقع: ففي النصف الأول من عام 2023، وصل حجم التجارة الخارجية غير النفطية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق ليبلغ 1.239 تريليون درهم، في حين وصلت قيمة الصادرات غير النفطية إلى 205 مليارات درهم، وهو أكثر من الإجمالي المسجل في عام 2017 بأكمله.
على ضوء ما سبق، نحن واثقون بأنه سيكون هناك المزيد من المنجزات التجارية في المرحلة القادمة. حيث أطلقنا في عام 2023 مبادرتين جديدتين مهمتين ستوفران دعماً كبيراً لقطاع إعادة التصدير والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني التي سيحققها القطاع، فضلاً عن خلق فرص عالمية جديدة لصادرات الخدمات الإماراتية، في ظل تنامي حصتها من التجارة العالمية.
ومن المرتقب أن تفضي هذه الجهود التي تتشارك فيها الجهات الحكومية والقطاع الخاص إلى خلق فرص كبيرة وواعدة للمصدّرين والمستثمرين والشركات الصناعية، كما ستمكّن دولة الإمارات من أن ترسيخ مكانتها لاعباً أساسياً ورائداً في ساحة التجارة العالمية. فعلى سبيل المثال، أبرمت دولة الإمارات، في دافوس خلال يناير الماضي، شراكة مهمة مع المنتدى الاقتصادي العالمي لدعم مبادرة «تكنولوجيا التجارة» التي تهدف إلى تسريع رقمنة جميع مراحل سلاسل التوريد العالمية لضمان حركة تجارية أكثر سرعة وكفاءة واستدامة. وبعد ذلك، لعبت دولة الإمارات دوراً فاعلاً في دمج التجارة ضمن البرنامج الرسمي لمؤتمر (كوب28) للمرة الأولى، حيث ساهم تحديد يومٍ مخصص للتجارة في أن تتصدر النقاشات المناخية وتحفيز الجهود لبناء نظام تجاري أكثر ذكاءً وشمولاً وصداقة للبيئة.
ومن جانب آخر، قدمت دولة الإمارات على مدار العام نموذجاً يحتذى به، فقد كنا في مقدمة المدافعين عن مزايا التجارة المفتوحة القائمة على القواعد، وجسدنا ذلك على أرض الواقع، كما قدمنا نموذجاً للتعددية تسعى دول العالم، لا سيما دول العالم النامي، إلى محاكاته الآن.
ونحن بدورنا سنسعى جاهدين لنحافظ على هذه الريادة، قولاً وفعلاً، خلال المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية والذي تستضيفه الدولة فبراير المقبل، إذ يمثل هذا المؤتمر حدثاً جوهرياً يهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل التجارة العالمية، وضمان أن تحظى كل دولة وكل مجتمع بإمكانية الوصول العادل إلى الأسواق العالمية.
إن رسالة دولة الإمارات واضحة للغاية: يتطلب الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين نظاماً تجارياً يتناسب مع متطلبات العصر، لذلك من الضروري أن يتّحد المجتمع التجاري الدولي من أجل تنفيذ الإصلاحات اللازمة في سبيل تحقيق ذلك.
وإذ نتأمل ما حققناه العام الماضي من منجزات رائدة، فكلنا ثقة بأن لدى دولة الإمارات القدرة والمصداقية الكفيلة على حشد الجهود الدولية لتحقيق هذه الغاية بما يحقق مصالح الجميع.
* وزير دولة للتجارة الخارجية