عمرو عبيد (القاهرة)
في إطار الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، اهتمت منظمة الأمم المتحدة بدور الرياضة والرياضيين العالميين في بذل الجهود والمساهمة في حملات التوعية، والمشاركة الجادة في الخطوات الدولية المبذولة للحد من المخاطر التي تُهدد كوكب الأرض وقاطنيه، وبينما تتنافس الأندية والدول في كثير من الألعاب الرياضية، خاصة كرة القدم، فإن التنافس بدأ ينتقل إلى ما هو خارج تلك الملاعب، نحو مجالات الاستدامة وإنشاء أبنية وملاعب صديقة للبيئة، ولا يقتصر الأمر على كون أزمة المناخ هي المُحرك الأساسي للاستدامة، بل إن الجدوى الاقتصادية من الاستثمار في الوقت والمال للتحول نحو الاستدامة ستعود بفائدة كبيرة جداً على الجميع في المجال الرياضي.
ويكشف كثير من التقارير عن وجود عشرات الملاعب الكبيرة حول العالم، اعتمدت في تشييدها أو إعادة تأسيسها على الالتزام بقواعد الاستدامة الصديقة للبيئة، ومنها ملعب «مرسيدس بنز» في أتالانتا بالولايات المتحدة الأميركية، وهو موطن فريقي «أتالانتا فالكونز» و«أتالانتا يونايتد» لكرة القدم، وكان أول ملعب رياضي احترافي في أميركا يتمكن من الحصول على شهادة «LEED» الخاصة بالريادة في الطاقة والتصميم البيئي، ويُعتبر في كثير من التصنيفات المكان الرياضي الأكثر استدامة في العالم، واعتمد هذا الملعب في ولاية جورجيا على كفاءة الطاقة ومصادرها المتجددة، وكذلك كفاءة استخدام المياه ببرامجه المتخصصة في تقليل استهلاكها، بجانب وجود صهاريج مياه الأمطار التي تتسع لـ 680 ألف جالون، تُستخدم لاحقاً في عمليات التبريد والري بجميع أنحاء الملعب، بل إن إدارة الملعب توجه الجماهير دائماً إلى إحضار علب وزجاجات الألومنيوم خلال تواجدهم، لإعادة تدويرها.
وهناك في أميركا أيضاً ملعب «كليمات بليدج» بسياتل في واشنطن، المُستخدم في لعبة هوكي الجليد وكذلك كرة السلة، وهو أحد الملاعب القليلة حول العالم التي تتوجه لتكون نظيفة وخالية تماماً من انبعاثات الكربون، لأنه يتبع سياسة استخدام الكهرباء في كل شيء، سواء للتدفئة أو الطهي من دون استخدام للوقود على الإطلاق، كما أنه يوجد به صهريج يتسع لـ 15 ألف جالون ماء، يتم جمعها من مياه الأمطار الموجودة أعلى السقف، ثم إعادة استخدامها لصناعة الجليد الخاص بلعبة الهوكي.
كما يوجد ملعب توتنهام هوتسبير الجديد في لندن، المُتجه نحو تقليص انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 على أن يكون خالياً منها تماماً في 2040، وتعتمد تدابير الاستدامة فيه على توفير الطاقة المتجددة بنسبة 100%، بجانب تنفيذ حملات متكررة لتقليل استخدام البلاستيك وإعادة التدوير، وإنشاء أماكن لزرع الزهور البرية وبرك المياه وتسكين الحشرات والخفافيش، لصناعة حياه برية كاملة في المناطق المحيطة بالملعب.
أما ملعب نيف في إسطنبول المعروف باسم «رامس بارك» الخاص بفريق جلطة سراي التركي، فقد حطّم مؤخراً الرقم القياسي العالمي لموسوعة جينيس لأقوى إنتاج للطاقة الشمسية من منشأة رياضية، حيث تم تكوين شبكة الطاقة الشمسية الضخمة على السطح بقدرة 4.2 ميجاوات على مساحة 40 ألف متر مربع، ويضم أكثر من 10 آلاف لوح شمسي ويولد كهرباء متجددة تعادل الكمية التي يستهلكها 2000 منزل، مما يوفر 3250 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام.
«أليانز ريفييرا»
وقالت بعض التقارير إن ملعب «أليانز ريفييرا» في نيس، هو أول ملعب صديق للبيئة في أوروبا، ورغم أنه كلّف نادي الريفييرا الفرنسي 250 مليون يورو، إلا أن توفير الطاقة الذي ساهمت به التغطية «الكهروضوئية» والهياكل الخشبية «الصفائحية ثلاثية الأبعاد يجعلها حالة تستحق الدراسة بين المراحل المستدامة، كما استفاد الملعب من تعظيم موقعه الجغرافي، حيث يتم الحصول على الطاقة من الرياح القوية للوادي المحيط ومن مياه الأمطار، التي يتم توجيهها وجمعها لري عُشب الملعب، كما يوجد داخل الملعب نظام للطاقة الحرارية الأرضية لزيادة درجة الحرارة خلال الفترات الأكثر برودة طوال العام.
ملاعب السلة من إعادة التدوير
في عام 2021، تم افتتاح ملعب لكرة السلة في هونج كونج، تكونت أرضيته من 20 ألف زوج من الأحذية الرياضية المُعاد تدويرها عبر مبادرة بيئية من إحدى الشركات العالمية المشهورة بصناعة هذا النوع من الأحذية، وتم المزج بين مواد أعيد تدويرها من البلاستيك والمطاط والرغوة والألياف والجلود والمنسوجات وغيرها من المواد لإنشاء سطح ملعب كرة السلة هناك، وهو ما تكرر بالتفاصيل نفسها في «مدينة بلجراد» الجديد بصربيا.
وهو ما تكرر في إيطاليا خلال عام 2022، حيث شهدت روما ومقاطعة بيسرة إنشاء ملاعب لكرة السلة وأخرى صغيرة تتسع لـ11 لاعباً لكرة القدم، تكوّنت أرضيتها من إعادة تدوير الإطارات المُستعملة والمطاط، كما أن السنوات القليلة الماضية شهدت ظهور ملعب داسيا أرينا في أوديني، الخاص بفريق أودينيزي، الذي يُعتبر الأكثر استدامة في إيطاليا، حيث يعتمد كلياً على نظام «كهروضوئي» ويتم تقليل استهلاك الطاقة فيه بنسبة 20% مقارنة بالمنشأة القديمة، بجانب استخدام غازات خالية من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما سيؤدي إلى تقليص أي تأثير على البيئة.
وفي ألمانيا، حصلت منطقة ليندن سود في مدينة هانوفر في فبراير 2023، على ملعب لكرة السلة مصنوع من 200 إطار سباق مُعاد تدويره، كما أن ملعب أوروبا بارك في فرايبورج يقوم بتركيب مجموعة شمسية بقدرة 2.4 ميجاوات، وكذلك إعادة تدوير الحرارة المهدرة من مصنع تصنيع قريب عبر خط أنابيب، للتدفئة خلال الأجواء الباردة.
كما بدأت منذ عام 2019 محاولات لصناعة كرات لعبة التنس «المُستدامة» من مواد قابلة للتدوير، وفي أميركا تقوم بعض المؤسسات باستخدام اللب المطاطي داخل كرات التنس التقليدية، وتحويلها إلى مواد بناء لملاعب التنس نفسها وأرضيات ساحات الفروسية وأنواع معينة من الملابس، وفي هولندا تم اختراع أول كرة تنس قابلة لإعادة التدوير بالكامل.
أرينا «يوهان كرويف»
ويعتمد ملعب أمستردام أرينا، المشهور باسم «ملعب يوهان كرويف» موطن نادي أياكس الهولندي، في توليد الطاقة المطلوبة للإنارة والتشغيل على إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث يحتوي الملعب على 4200 لوح شمسي وتوربينة رياح واحدة، والمثير أن المبني الرئيس يتألف من سلم متحرك يقوم بتوليد الطاقة بصورة تثير الإعجاب والدهشة، كما يحتوي على نظام لتخزين الطاقة مدعوم ببطاريات مُعاد استخدامها من السيارات الكهربائية المُستعملة، والمُدهش أن الأمر لا يقتصر على استخدام الطاقة المُتجددة وتقليل التأثير على البيئة المحيطة، بل إن القصة تحولت إلى استثمار «نظيف» وحقيقي يفيد المناطق المجاورة للملعب، حيث يتم توزيع الطاقة عليها وقت الحاجة إلى ذلك، من أجل تخفيف الضغط على شبكة الكهرباء الأساسية.
ومثل أغلب الملاعب التي تعتمد على الاستدامة والموارد الصديقة للبيئة، فإن ملعب أمستردام يقوم بإعادة استخدام مياه الأمطار بعد تجميعها من السطح لري العُشب، وهو ما يقلل من حجم استهلاك المياه العذبة القيّمة، وتُوجّه الطاقة الحرارية المتبقية لإبعاد الصقيع عن الملعب من دون الحاجة لاستخدام المزيد من الطاقة المُولدة.