مصطفى عبد العظيم (دبي)
بدأ القطاع السياحي والفندقي في دولة الإمارات مضاعفة جهوده نحو تحقيق الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، من خلال مواصلة التوسع في تبنى العديد من الحلول والمبادرات واتخاذ إجراءات فعالة، تأكيداً لدوره الفاعل في مواكبة المبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
وتضمنت مبادرات القطاع السياحي والفندقي بالدولة لترسيخ الاستدامة، التوسع في ترويج عروض الضيافة الخضراء وتحديث «أداة احتساب الكربون» المخصصة لقطاع الضيافة، وإطلاق «المجموعة الخضراء» من قبل «التحالف العالمي للفنادق» لتسليط الضوء على الفنادق المُبادرة لحماية الناس وكوكب الأرض.
وتسهم هذه المبادرات العديدة في زيادة عدد الفنادق والمنتجعات الصديقة للبيئة بالدولة، والتي تخلص العديد منها بالفعل من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، والإضاءة والمرافق المتكاملة الموفرة للطاقة، ودمج المواد المتجددة والصديقة للبيئة كجزء من تنميتها وصيانتها، حيث تتيح هذه التدابير للسياح الاستمتاع بتجارب بيئية ممتازة عند اقترانها بمصادر طاقة متجددة ومنخفضة الكربون مثل الطاقة الشمسية.
ووفقاً لدراسة دولية أجراها تحالف الضيافة المستدامة، فإن صناعة الضيافة تحتاج إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 66% لكل غرفة بحلول عام 2030، وبنسبة 90% لكل غرفة بحلول عام 2050، حيث تعتبر صناعة الضيافة مسؤولة حالياً عن 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
الضيافة الخضراء
وأعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي في وقت سابق عن اتفاقية شراكة استراتيجية مع مجموعة «هوتيل بيدز»، رائدة حلول السفر والسياحة الإلكترونية، للمساعدة في زيادة السفر الداخلي مع الترويج لعروض الضيافة الخضراء في جميع أنحاء الإمارة.
وتشكل الاتفاقية منصة لتقديم مبادرات أبوظبي في مجال الاستدامة والحوكمة البيئية، عبر مشاريع «هوتيل بيدز» الحالية مثل «برنامج الفنادق الخضراء»، المصمم للترويج لمنشآت الضيافة المعتمدة رسمياً كخيارات إقامة مستدامة، وهو ما يأتي في إطار التزامها بطرح حلول تدعم خطوات الوجهات السياحية نحو الاستدامة.
وتهدف الاتفاقية أيضاً إلى تعزيز وعي شبكة «هوتيل بيدز» من وكلاء السفر وبرامج العطلات الخارجية، بالمقومات والعروض السياحية الاستثنائية في أبوظبي. كما أنها تمهد الطريق للتنسيق بين الجانبين في تنظيم الجولات الترويجية، واجتماعات الأعمال مع أهم الشركاء في هذا القطاع، فضلاً عن إطلاق مبادرات للترويج للإمارة وجدولها الحافل بالفعاليات.
احتساب الكربون
بدورها، أعلنت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي مؤخراً عن إطلاق نسخة جديدة ومحدّثة من «أداة احتساب الكربون» المخصصة لقطاع الضيافة، تماشياً مع أهداف عام الاستدامة في دولة الإمارات ومبادرة دبي للسياحة المستدامة. ورُوعي في التحديث تحقيق إمكانية قراءة بيانات مصادر انبعاثات الكربون بشكل آني، ما يتيح للفنادق إمكانية تحديد مستويات استهلاكها للطاقة بصورة دقيقة ومن ثم إدارتها بكفاءة.
وستقوم الدائرة بالاستفادة من البيانات المجمعة، عبر قراءة المؤشرات الخاصة بالبصمة الكربونية، لتطوير استراتيجيات شاملة على مستوى القطاع، بحيث يتسنى للفنادق والمنتجعات إدارة التأثيرات البيئية وإدارة موارد الكربون، وتحديد الفرص المتاحة لتحقيق الكفاءة التشغيلية والتوفير في التكاليف.
وتعمل المبادرة إلى جانب دورها المهم في دعم الفنادق والمنتجعات ضمن المنظومة السياحية للمدينة، على تحقيق هدف أكبر يتمثل في تعزيز مكانة دبي كأفضل مدينة للحياة والعمل والزيارة وفق خطة دبي الحضرية 2040.
ومنذ إطلاق برنامج «أداة احتساب الكربون» في شهر يناير 2017 كجزء من منصّة الدرهم السياحي، يشكل هذا البرنامج أداة فعالة في قياس البصمة الكربونية لقطاع الضيافة في دبي، حيث ينبغي على المنشآت الفندقية في الإمارة تسجيل وتقديم بيانات عن 9 مصادر لانبعاثات الكربون شهرياً هي: الكهرباء، واستهلاك المياه، والتبريد، والغاز المسال، والنفايات العامة والمعاد تدويرها، والوقود والديزل للمركبات وكذلك لمولدات الكهرباء، والمبردات.
«المجموعة الخضراء»
وتماشياً مع عام الاستدامة لدولة الإمارات، أطلق «التحالف العالمي للفنادق (GHA)، ومقره الإمارات، وهو أكبر تحالف في العالم للعلامات التجارية الفندقية المستقلة، «المجموعة الخضراء» التي تضم حوالي 200 فندق ومنتجع وقصر للضيافة تحت مظلة واحدة، قد أبدت التزامها بحماية الناس وكوكب الأرض.
وقال كريس هارتلي، الرئيس التنفيذي لـ«التحالف العالمي للفنادق»: «هناك الكثير من الأمثلة التي ترقى إلى أعلى المستويات العالمية فيما يتعلق بالممارسات والمبادرات ذات الأثر البيئي والاجتماعي الإيجابي، وذلك عبر 800 عقار يعمل تحت راية التحالف العالمي للفنادق وتابع لـ 40 علامة تجارية تنتشر في 100 دولة حول العالم».
ويتزامن إطلاق «التحالف العالمي للفنادق» لـ«المجموعة الخضراء» مع إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة التي يتخذ التحالف منها مقراً رئيسياً له، أن يكون عام 2023 عاماً للاستدامة تحت شعار«اليوم للغد»، وذلك وفاءً لقيم الدولة الراسخة تجاه موضوع الاستدامة والمحافظة على إرث مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
ومن ناحيته، قال يوسف لوتاه، المدير التنفيذي بالإنابة لقطاع الاستراتيجية المؤسسية والأداء في دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي:«من خلال مجموعة الفنادق الخضراء، يثبت التحالف العالمي للفنادق أن نجاح الأعمال في قطاع الضيافة، يمكن أن يسير جنباً إلى جنب مع تعزيز سلوكيات الاستدامة، ونتطلع إلى مواصلة العمل مع التحالف العالمي للفنادق والشركاء الآخرين في المدينة لتعزيز السياحة البيئية وكذلك ترسيخ مكانة دبي كوجهة مستدامة».
من جهته، قال ويليام هارلي فليمنج، نائب الرئيس للعمليات التشغيلية لدى «جيه أيه ذا ريزورت» ومنتجعات الشركة في المحيط الهندي، إن جيه أيه للمنتجعات والفنادق تواصل الالتزام بتدابير مستدامة في قطاع الضيافة على مستوى المنطقة إلى جانب تنفيذها المبادرات الخضراء، بما في ذلك تجنّبها استخدام أكثر من 5 ملايين قنينة بلاستيك ذات الاستخدام لمرة واحدة، وذلك من خلال محطات تعبئة المياه في قوارير مصنوعة من الزجاج.
حلول مبتكرة
أطلقت شركة فارنك، المتخصصة في مجال إدارة المرافق الذكية والخضراء التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، منصة باور تيك الرقمية الجديدة عن بُعد عبر الإنترنت، والتي تقوم بتحليل الاستهلاك والنفايات وكل ما يتعلق بالمتغيرات المتعددة التي يمكن أن تؤثر على المقاييس البيئية للفندق، مثل الإشغال الفندقي وعدد ليالي النزلاء وعدد غرف النزلاء وأغطية المأكولات والمشروبات وملفات تعريف الضيوف وساعات العمل والمناطق المكيفة، بالإضافة إلى الظروف الجوية العامة، مما يساعد الفنادق على الحفاظ على كفاءة تشغيلية أعلى وتكاليف أقل وانبعاثات الكربون المصاحبة.
السفر المستدام
أظهر تقرير صادر عن مجلس السفر والسياحة العالمي أن 69% من المسافرين يتطلعون بشكل فاعل إلى خيارات سفر مستدام في العام 2023، ومن هذا المنطلق فإن «المجموعة الخضراء» تسعى إلى تلبية هذا النوع من الطلب المتنامي، عبر تمكين 24 مليون عضو ينتمون إلى برنامج الولاء «جي إتش إيه ديسكفري» ومساعدتهم على اتخاذ خيارات سفر واعية ومسؤولة. وفي العام 2022، أظهر الأعضاء تفضيلهم لفنادق «المجموعة الخضراء» التي أسهمت بما نسبه 32% في الإقامات و39% في عدد الليالي و47% في إيرادات الغرف و49% في إجمالي العائدات.
خريطة طريق
قالت نادية إبراهيم، مديرة الاستشارات والاستدامة لدى شركة فارنك: «يساعد هذا التحليل في تقليل انبعاثات الكربون، وهو أمر أساسي لتحقيق أي خريطة طريق نحو الوصول لصافي انبعاثات صفرية».
ووفقاً لتحليل شركة فارنك الذي يستخدم بيانات من عملائه من الفنادق، بالإضافة إلى مقارنة دراسات المقارنة المعيارية لـ EGBC & Cornell Hotel، فإن الفنادق ذات الأربع والخمس نجوم لديها القدرة على توفير ما يصل إلى 10% سنوياً من استهلاك المرافق.
وأضافت إبراهيم: «تنفق هذه الفنادق في المتوسط 5.16 مليون درهم إماراتي سنوياً على فواتير الخدمات العامة، حتى تتمكن من توفير ما يصل إلى 384000 درهم إماراتي و133,000 درهم إماراتي على استهلاك الطاقة والمياه على التوالي، بالإضافة إلى توفير إضافي في التكاليف في التخلص من النفايات، مما قد يقلل أيضاً من انبعاثات الكربون. انبعاثات تصل إلى 700 طن سنوياً». وأكدت إبراهيم أن إزالة الكربون أصبحت ضرورة تجارية ليس فقط لصناعة الضيافة فحسب، بل لجميع قطاعات الأعمال، لأنه يلعب دوراً حاسماً في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، بحيث يمكن للفنادق على وجه الخصوص تقليل ما يصل إلى 60% من إجمالي انبعاثاتها من خلال اعتماد تدابير فعالة في استخدام الطاقة وحدها.