يوسف العربي (أبوظبي)
شكلت الموانئ البحرية في الإمارات، إرثاً حضارياً غنياً بالتواصل الإنساني بين الشعوب، وكنزاً للتبادل التجاري الذي عزز نمو الاقتصاد المحلي منذ فترة ما قبل الاتحاد وحتى الآن.
وأدرك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مبكراً أهمية الموانئ البحرية في تعزيز الريادة الإماراتية، وهو ما سار عليه المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، وتتواصل المسيرة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
وانطلاقاً من موقعها الجغرافي المميز وفطنة أهلها بشؤون التجارة، تبوأت الإمارات موقعاً قيادياً في هذا المجال، وباتت موانئها مراكز دولية وإقليمية، ومع النمو المتواصل والنجاحات المتتالية التي حققتها الموانئ البحرية في الدولة، تأسست شركة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»، والتي أسند إليها إدارة موانئ دبي مثل ميناء جبل علي وميناء راشد والمنطقة الحرة لجبل علي، فيما تأسست شركة موانئ أبوظبي لتضم ميناء خليفة وميناء زايد والمناطق الصناعية بالعاصمة.
ومع توالي الإنجازات في هذا القطاع، انطلقت شركة «دي بي ورلد» لنقل تجربتها إلى العالم من خلال أكثر من 90 محطة بحرية ضمن محفظتها حول العالم.
وانطلقت مجموعة موانئ أبوظبي إلى ترسيخ مكانتها في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية، وتعزيز موقعها بين أوائل المراكز العالمية، محركاً رائداً ومتكاملاً يسهم في دفع نمو التجارة.
ووقعت المجموعة حزمة اتفاقيات في 5 دول خلال 2021، وركزت الشراكات الخارجية لمجموعة موانئ أبوظبي على عدد من الأسواق البحرية الاستراتيجية التي جاء في مقدمتها مصر، الأردن، العراق، تركيا، والبحرين، لتوسيع حضورها على الصعيد العالمي.
النقل البحري
يشهد قطاع النقل البحري في الدولة نمواً مطرداً من حيث الموانئ، وتشغيل السفن، وبناء وصيانة أحواض السفن، وفقاً للمعايير الدولية بشأن السلامة البحرية وحماية البيئة البحرية.
وتملك دولة الإمارات العديد من الموانئ البحرية، ووفقاً لمجلس الشحن العالمي، يوجد اثنان من أكبر 50 ميناء حاويات في العالم في الدولة، وتحتل دبي أحد المراكز العشرة الأولى.
وتستحوذ الموانئ البحرية في دولة الإمارات على نحو 60% من إجمالي حجم مناولة الحاويات والبضائع المتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
وتضم الدولة 12 منفذاً بحرياً تجارياً، عدا عن الموانئ النفطية، بالإضافة إلى 310 مراس بحرية، بحمولة تصل إلى 80 مليون طن من البضائع.
ميناء زايد
ومن بين أقدم الموانئ البحرية في الإمارات، ميناء زايد في مدينة أبوظبي، والذي شكل ميناء البضائع العام الرئيس للإمارة لأربعين عاماً، وحالياً يتم استخدام الميناء محطةً للسفن السياحية، إضافة إلى شحن البضائع العامة والسائبة.
وتأسس ميناء زايد عام 1968 وهو أول الموانئ التجارية في إمارة أبوظبي، تملكه وتديره موانئ أبوظبي، ويتمتع الميناء بريادة في القطاع البحري في المنطقة.
ويغطي ميناء زايد مساحة قدرها 535 هكتاراً، ويحتوي على 21 رصيفاً، تتراوح أعماقها بين 6 و15 متراً، ويبلغ إجمالي طول أرصفة الميناء حوالي 4,375 متراً.
وفي إطار تفعيل مشاركتها في تحقيق الرؤية الاقتصادية، قامت شركة أبوظبي للموانئ بنقل عمليات شحن الحاويات بالكامل من ميناء زايد إلى محطة الحاويات شبه الآلية الجديدة في ميناء خليفة الذي تفضل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، بافتتاحه في الثاني عشر من ديسمبر عام 2012.
ميناء خليفة
يعد ميناء خليفة أحدث الموانئ الإماراتية في إمارة أبوظبي، تملكه وتديره شركة أبوظبي للموانئ، ويمتاز بعمق حوضه الذي يتيح له استقبال أكبر وأضخم السفن العاملة على خطوط الشحن البحري الدولية.
وتبلغ مساحة جزيرة الميناء حوالي 2.7 كم مربع، وخمسة كيلومترات داخل البحر، وتصله باليابسة طريق معبّدة بطول كيلومتر واحد وجسر، وتشتمل ساحة الحاويات في الميناء على ست من أكبر الرافعات في العالم لمناولة الحاويات من السفينة إلى الرصيف، و 30 رافعة آلية لتكديس الحاويات، و 20 ناقلة مسطحة لتحريك الحاويات.
توسعات عالمية
تهدف استراتيجية مجموعة موانئ أبوظبي إلى ترسيخ مكانتها في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية، وتعزيز موقعها بين أوائل المراكز العالمية محركاً رائداً ومتكاملاً يسهم في دفع نمو التجارة.
ووقعت المجموعة حزمة اتفاقيات في 5 دول خلال 2021، وركزت الشراكات الخارجية لمجموعة موانئ أبوظبي على عدد من الأسواق البحرية الاستراتيجية التي جاء في مقدمتها مصر، الأردن، العراق، تركيا، والبحرين، لتوسيع حضورها على الصعيد العالمي.
وتأتي هذه الشراكات، انطلاقاً من تمتع مجموعة موانئ أبوظبي بخبرات كبيرة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، وامتلاكها إمكانات وبنى تحتية متطورة عالمية المستوى، وحرصها على توظيف هذه الخبرات والإمكانات في إدارة وتشغيل الموانئ والمدن الاقتصادية والصناعية والمناطق الحرة والخدمات اللوجستية لدعم التبادل التجاري، وتطوير منظومة عمل قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية في المنطقة بشكل عام.
«دي بي ورلد»
تضم محفظة «دي بي ورلد – الإمارات» ميناء جبل علي، ومحطة ميناء راشد البحرية، ورصيف الميناء وميناء الحمرية في دبي، وثلاث مناطق أعمال هي المنطقة الحرة لجبل علي «جافزا»، ومجمع الصناعات الوطنية، ومنطقة دبي للسيارات «داز» دبي التجارية والعالمية للأمن. ويعد ميناء راشد أول ميناء حديث في دبي تم إنشاؤه في عام 1972، ويجمع الميناء بين عبق تراث دبي وطموحات مستقبلها. يعمل ميناء راشد مرفأ للسفن السياحية والرحلات البحرية، ويقدم خدماته المتميزة لأصحاب اليخوت الخاصة.
وفي العام 1976، أعطى حاكم دبي آنذاك، توجيهاته لإنجاز مشروع أكثر طموحاً تمثل في بناء أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم في جبل علي بالاتجاه من العاصمة أبوظبي، وكان الهدف من بنائه دعم عمليات التجارة والشحن في ميناء راشد الواقع في قلب المدينة، وسرعان ما تم تغيير مفهوم الميناء الجديد على نحو أوسع، ليشمل التنمية الصناعية المتمثلة بمشاريع رئيسية في مجالات الألمنيوم والغاز والخرسانات.
وأدى إنشاء المنطقة الحرة حول الميناء في منتصف الثمانينات إلى تحويل جبل علي إلى مركز للشركات العالمية التي تسعى وراء أفضل المرافق والأسعار التنافسية والحرية في العمل كشركات «أوفشور».
توظيف أحدث التقنيات
نجحت الموانئ البحرية في الإمارات في توظيف أحدث التقنيات لزيادة كفاءة العمليات وتقليص التكلفة وتعزيز الأمن والسلامة، بحسب تقرير اللوجستيات الصادر عن «موردر إنتيليجانس» للاستشارات والأبحاث. وعزا التقرير الأهمية الاستراتيجية لموانئ الإمارات إلى الموقع الاستراتيجي الذي يربط بين الشرق والغرب، فضلاً عن الرؤية الاستراتيجية التي تركز على التكنولوجيا والابتكار لتعزيز النمو المستدام بالقطاع.
ولفت إلى أن الإمارات تعد قوة إقليمية في مجال الخدمات اللوجستية والشحن البحري، وأن التوسعات الجاري تنفيذها في موانئها البحرية مع دمج أحدث الحلول التكنولوجية مثل (البلوك تشين، وحلول الحوسبة السحابية، والأذرع الروبوتية، وأتمتة خدمات سلاسل التوريد وتحليل البيانات)، تضمن إبقاء الإمارات في الصدارة العالمية في مجالي الشحن المحلي والدولي، وإدارة سلاسل التوريد براً وبحراً.
44 منطقة استثمارية
تقدم الإمارات للمستثمرين أكثر من 44 منطقة حرة واستثمارية متعددة التخصصات، وتتسم هذه المدن ببنيتها التحتية عالية الكفاءة، وبخدماتها المتنوعة والمتميزة التي تسهل سير أعمال الشركات، ما يوفر الوقت والجهد على المستثمرين، ويسمح فيها لغير الإماراتيين بالملكية الكاملة للمشاريع وبنسبة 100%.
وتتميز المناطق الحرة في الدولة بتحويل الأرباح، وسهولة إجراءات التأسيس والعصرية، والتكاليف التنافسية، والإعفاءات بنسبة 100% من الرسوم الجمركية، فضلاً عن القوانين واللوائح الخاصة، وسهولة الوصول للأسواق إقليمياً وعالمياً، والبنية التحتية الحديثة والمتطورة.
واضطلعت المناطق الحرة في الدولة بدور بارز في دعم الاقتصاد الوطني في مختلف القطاعات، حيث تتسابق المناطق المنتشرة في أرجاء الدولة على جذب رؤوس الأموال والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
وأمسكت المناطق الحرة في الإمارات بزمام المبادرة، وأسست على مدار العقدين الماضين لمنظومة اقتصادية راسخة يصعب منافستها أو النيل منها.