حسونة الطيب (أبوظبي)
يمر قطاع صناعة السيارات، بتحول تاريخي، لا يقتصر على التخلي عن السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، وتبني التي تسير بالكهرباء، بل أصبحت السيارات، أجهزة حاسوب آلي تسير على عجلات تعتمد على قوة المعالجة.
وألحق وباء كوفيد19، ضرراً بالغاً بسلاسل التوريد العالمية لشركات السيارات، خاصة تلك العاملة في مجال أشباه الموصلات.
وفي حين، جعلت الشركات المُصنعة، السيارات تعمل بالكهرباء وأجهزة الحاسوب، مع تحديث سلاسل التوريد لتتلاءم مع الوضع الجديد، يخضع القطاع برمته، لأكبر عملية تحول في تاريخه.وبتعهيد معظم عمليات الصناعة في نصف القرن الماضي، بغرض التركيز على التصاميم، تخطط إدارة التوريد ومؤسسات السيارات وتجميع قطع الغيار، لفرض المزيد من السيطرة على سلسلة القيمة، ابتداء من المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية، وانتهاء بالبرامج التي تعمل بها هذه السيارات والمراكز التي يتم فيها بيعها. كما تسعى أيضاً، لتحويل أذرعها المخصصة لصناعة هذا النوع من السيارات، إلى مؤسسات تقنية.
وبقيمة تسلا السوقية البالغة 724 مليار دولار، التي تكاد تساوي قيمة أكبر 9 شركات تحل بعدها، يجد مدراء الشركات الأخرى، معاناة كبيرة لسلك طريق تسلا.
عمليات التعهيدويعني ذلك، تغيير عقود من عمليات التعهيد لموردين كبار مثل، بوش وكونتيننتال ودينسو، بغرض السيطرة على سلاسل التوريد وتوحيد الأجزاء المتفرقة والتصاميم وعمليات التسويق.
وفي ظل تراجع العرض أمام الطلب على المواد الخام، خاصة المستخدمة في صناعة البطاريات مثل، الكوبالت والنيكل والليثيوم، بدأت شركات صناعة السيارات مثل، بي أم دبليو، في استثمار نحو 334 مليون دولار في إنشاء مصنع لإنتاج الليثيوم في الأرجنتين في 2021.
كما وقعت كل من، رينو وستيلانتيس، اتفاقيات مع فولكان إنيرجي، في حين كشفت جنرال موتورز، عن استثمار ملايين الدولارات في شركة كونترولد ثيرمال ريسورسيز لإنتاج الليثيوم، بحسب ذا إيكونيميست.
وبدأت الجهود المبذولة لمحاكاة مصانع تيسلا الضخمة للبطاريات، تؤتي أُكلها، حيث تسعى شركات صناعة السيارات، للقضاء على السيطرة المحكمة لكوريا الجنوبية والصين وإنشاء مصانع قريبة من مقراتها، لخفض التكلفة وضمان وفرة الإنتاج.
وفي سبيل ذلك، تستثمر فولكس فاجن، نحو 2 مليار يورو (2.1 مليار دولار)، لإنشاء مصنع لها في ألمانيا، بجانب 6 مصانع أخرى في دول أوروبية مختلفة بحلول 2030. لكن تبدو مثل هذه الخطط، نادرة الحدوث، حيث لا تزال معظم الشركات، تفضل التعاون مع منتجين متخصصين.
وتتعاون كل من فورد وأس كي، في استثمار 7 مليارات دولار و4.4 مليار دولار على التوالي، لإنشاء 3 مصانع كبيرة في أميركا.
وكشفت جنرال موتورز في العام الماضي، عن استثمارات قدرها 2.3 مليار دولار، في إنشاء مصنع في تينيسي، بالتعاون مع شركة أل جي الكورية الجنوبية.
خفض التكلفة
وتلجأ بعض المؤسسات للشراكة أحياناً بغرض خفض التكلفة، حيث تتعاون كل من مرسيدس وستيلانتيس وشركة توتال إنيرجيز الفرنسية، لاستثمار 7 مليارات دولار، لإنشاء مصانع في فرنسا وألمانيا.
كما تستثمر فولكس فاجن، 1.4 مليار يورو بحصة قدرها 20٪ في مؤسسة نورثفولت السويدية، بالإضافة لشركة فولفو.
وتراجعت نسبة شراء السيارات الكهربائية عبر الوكلاء، حيث تتولى هيونداي واتحاد رينو – نيسان – ميتسوبيشي، مهمة البيع. كما تخطط، مرسيدس وفولكس فاجن وبي أم دبليو وجنرال موتورز، لإنتاج سيارات في مصانع خاصة بها.
ورغم أنه ليس هناك من بين الرؤساء التنفيذيين، من يقارع إيلون ماسك، في إنتاج أشباه الموصلات، دفع خفض إنتاج السيارات في السنة الماضية بنحو 7.7 مليون، نتيجة لشح الرقاقات، قطاع السيارات، لخلق علاقات وطيدة مع شركات تصميم الرقاقات مثل كوالكوم ونيفيديا.
كما اتجهت بعض الشركات، لتعيين شخص متخصص في أشباه الموصلات، لمساعدتها في تحديد المواصفات والخيار الأفضل.
وتُعول شركات صناعة السيارات، على البرامج التي ربما تُحدِث أكبر تحول في القطاع، حيث من المتوقع أن تشكل مصدر الدخل الأكبر خلال السنوات القليلة المقبلة.
تطوير البرامج
ويرجح بنك يو بي أس، بلوغ المبيعات العالمية لبرامج السيارات، نحو 1.9 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030.
وأعلنت فولكس فاجن، عن استثمار 30 مليار يورو، في البرامج وتطويرها على مدى الـ 5 سنوات المقبلة، بينما تنوي ستيلانتيس، تعيين 4.5 ألف مهندس برمجة بحلول 2024.
وأنشأت العديد من شركات صناعة السيارات، مراكز للبحث والتطوير في بعض مراكز التقنية من سيلكون فالي إلى شنغهاي، للاستفادة من المواهب والخبرات العاملة هناك.
وفي قطاع عالمي يضم ملايين العاملين وآلاف الشركات والمليارات من التكاليف، يتطلب تحديث سلاسل القيمة، إنفاق الكثير من المال والوقت، رغم أن ذلك لا يخلو من مخاطر الفشل.
ويعني ذلك للموردين، انخفاض النشاط التجاري، حيث يبعدهم الاندماج الرأسي، عن مركز صناعة السيارات. وربما يجلب ذلك، المزيد من المتاعب لرؤساء شركات صناعة السيارات، بينما هم يفكرون في أفضل السبل لنشر موارد شركاتهم والمهارات العاملة لديها، دون إثارة أي رد فعل من الحكومات والنقابات، التي تخشى فقدان وظائف القطاع وأجوره السخية.