حسونة الطيب (أبوظبي)
دورتها منتظمة كما الساعة، زراعة، نبات، نضج، حصاد ثم بيع، تتجدد كل عام، هكذا زراعة البن في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية. لكن لم يعد الحال كذلك، حيث بدأ أكثر من 300 من صغار المزارعين في مقاطعة ناندي الكينية، يئنون بالشكوى من الجفاف والهطول غير المتوقع للأمطار وارتفاع درجات الحرارة، المصحوبة بالآفات والأمراض.
وبدأت حرارة الطقس في شرق أفريقيا، تهد زراعة البن، بإلحاق الضرر بواحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم في تصدير المحاصيل، التي تصل قيمتها السنوية لنحو 2 مليار دولار.
وتنذر شجيرات البن، التي تلفحها حرارة الشمس، بالضرر الذي ربما يلحق بالشاي أيضاً، الذي يشكل أكبر صادرات كينيا.
في حال ارتفعت تكلفة البن، أو انخفض مذاقه، فالمعاناة لن تكن حكراً على المزارعين وحدهم، بل لجموع غفيرة من البشر يرتشفون نحو 3 مليارات فنجان من القهوة يومياً، بتكلفة قدرها 200 مليار دولار سنوياً، بحسب ذا إيكونيميست.
القهوة العربية
وفي منحدرات جبال كينيا الخصبة، تتم زراعة بعض أفضل أنواع القهوة العربية في العالم. وينتج هذا النوع من النبتة، الذي يعود موطنه الأصلي لبعض المرتفعات في كل من السودان وأثيوبيا، حبوب من القهوة تتميز بحلاوة طعمها وارتفاع سعرها، بالمقارنة مع روبوستا، المستخدمة في تحضير القهوة السريعة. وتنمو شجيرة البن العربية، التي تشكل 60% من الإنتاج العالمي للبن، وما يزيد عن 98% من إنتاج كينيا، على ارتفاع يتراوح بين 1.000 إلى 2000 متر في المناطق الاستوائية عند درجة حرارة بين 18 إلى 21.
وارتفعت الحرارة في بعض مناطق زراعة البن الكينية، على مدى الـ 60 سنة الماضية، بنحو 1.1 درجة، لتبلغ خلال النهار 25 درجة، وفقاً لإدارة الأرصاد الجوي الكينية.
صادرات كينيا
ورغم أن البن، يحل في المرتبة رقم 4 في قائمة صادرات كينيا، إلا أنه يمثل شريان الحياة لنحو 6 ملايين من سكان المناطق الريفية، أي أكثر من 10% من تعداد السكان المقدر بنحو 54 مليون نسمة، فيما يسيطر صغار المزارعين، على 65% من إنتاج البن في كينيا، بمتوسط مساحة لا تتجاوز 0.16 هكتاراً.
ولتفادي الأضرار الناجمة عن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، يسعى بعض المزارعين، للزراعة في قمم الجبال، المناطق التي كانت مخصصة لزراعة الشاي.
وليس ضيق المساحات هو المشكلة الوحيدة في أعالي الجبال، بل يعني ذلك مدى التأثير الذي ربما ينعكس على محصول الشاي جراء الاحتباس الحراري، الذي يدر على كينيا واردات تصل لنحو 1.2 مليار دولار سنوياً، بجانب دعم ما لا يقل عن 10% من سكان البلاد. كما أن حرارة الطقس، سترغم مزارعو الشاي للصعود إلى المنحدرات الضيقة أيضاً.
مساعدة المزارعين
ويحاول معهد أبحاث الشاي، المدعوم من قبل الحكومة الكينية، إيجاد طرق بديلة لمساعدة المزارعين للتأقلم مع التغير المناخي، مثل زراعة بعض الأشجار لتوفير الظل لشجيرات البن، أو زراعة شجيرات من أنواع أخرى أكثر تحملاً مثل روبوستا. كما يسعى المعهد أيضاً، لزراعة نوع هجين باسم أرابوستا، يجمع بين نكهتي العربية وروبوستا.
ومن الممكن، أن ينتج عن هذا التغير، خروج العديد من المزارعين الصغار عن القطاع تماماً، نظراً لعدم مقدرتهم على توفير الاستثمارات اللازمة، ما يعني إمكانية احتكار المؤسسات الكبيرة، لزراعة البن في كينيا.
أنواع جديدة
ويكمن الخيار الثاني، في زراعة أنواع جديدة كلياً، حيث يعكف الباحثون في الحدائق النباتية الملكية في منطقة كيو بالعاصمة البريطانية لندن، على تطوير نوع بري باسم كوفيا ستنوفيلا، له المقدرة على تحمل حرارة الطقس، تمت تجربته في العام 1843.
ويتميز هذا النوع، بقلة إنتاجيته، بالمقارنة مع الأنواع التجارية الأخرى، فضلاً عن السنوات الطويلة التي يتطلبها قبل النضوج.
وبخلاف إنجاز علمي بأي شكل من الأشكال، ربما يواجه مدمنو الكافيين، مستقبل مخيف ومحفوف بالكثير من الشكوك. وحذرت فيرن لونغ، من الهيئة العالمية لأبحاث القهوة، من أنه وفي حال عدم توفير ابتكارات قادرة على التصدي لتحديات التغير المناخي، فلا خيار للناس غير تناول قهوة صناعية.