في سياق الفكر التفسيري لخضم التحولات الأيديولوجي والنظرية للعولمة، تتحرك العلاقات الاقتصادية والسياسية بين شبكة دول العالم نتيجة تباين المصالح والتحالفات الدولية التي اخترقتها نوافذ المعضلات والتحديات، وعرقلت ودفعت دائرة برامج التنمية العالمية والتعاونية نحو نهضة إنمائية ضيقة وأقل شمولاً يكون فيها الركود الاقتصادي العالمي طريقاً واضحاً، مع صياغة سلوكية تهمش العولمة وإنجازاتها.
تلك المعضلات والتحديات التي تشكلت وتحكمها قوانين العرض والطلب وارتفاع الأسعار لمستويات تضخم عالية وارتفاع الفائدة كوسيلة لجمح الأخير، وتسارع عمليات سحب ودوران رؤوس الأموال في سياق صراع القوى الاقتصادية الدولية، والاختلالات الناتجة عن تصنيعها وإنتاجها واضطرابات وفشل الجغرافيا الاقتصادية، وتوسع وظهور ونمو الأوبئة والفيروسات، والزيادة في الديون السيادية الآخذة في التوسع يوماً بعد يوم، ونوافذ التعامل مع المعضلات لحكومات العالم في إطار تحالفاتها والكتل تزداد قتامة في طريق مواجهتها.
ببساطة، فإن المعضلات التي تحتاج إلى اتخاذ الإجراء المناسب للتوجيه والحل بالطبع اعتماداً على الموارد المتاحة، تصبح العملية مختلفة وتختلف من بلد إلى آخر. وبما أن البرامج والأهداف الإنمائية التي يتبناها المجتمع الدولي تتعرض للعقبات والتشتت، فإن عملية التنمية برمتها تصبح صعبة وتختلف إمكانية حدوثها، مما يعمق اتساع دائرة الآفات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية عالمياً.
والحقيقة الواضحة وتستدعي الفكر التفسيري، فإن النهج الإداري القائم على الغموض الاستراتيجي لم يعد نهجاً للقوى الاقتصادية في انتقال واضح إلى الوضوح الاستراتيجي أو بالأحرى استراتيجية التحرك. وعليه فإن هذه الحقائق ستؤدي إلى ضياع إنجازات العولمة وحرية التجارة واستخدام معها أدوات أخرى مصاحبة بشكل عملي من أجل السيطرة واستعادة السيطرة ورسم خريطة اقتصادية جديدة في سياق المواجهات بين القوى الكبرى. التي لا يبدو أنها تخدم العالم في إطار برامج التنمية وتعزيز السلام والازدهار العالميين.
تنعكس وتتبلور مسارات الوضوح الاستراتيجي من خلال الشراكات الاقتصادية. ومن المعروف أن هذا الأخير يقوم أساساً على اعتبارات إيديولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية على المنافع المتبادلة للازدهار والتنمية. لذلك، طالما أن تلك الشراكات حول محيطي العالم لا تشمل تلك المفاهيم الإنسانية والإنمائية، فإن مصيرها تعميق التحديات وتضييق الحلول لمعضلات العالم.
ويشار في المشهد إلى أن هذه الشراكات الاقتصادية الحديثة مصحوبة بأدوات تستخدم القوة الصلبة والناعمة والتكنولوجيا والأقمار الاصطناعية في سياق التعرض الموسع للخصوم، مما يزيد من حدة المواجهة وصعوبة حل المعضلات. إذن، في سياق التحول الأيديولوجي النظري للعولمة، هل نرى تحولات معاصرة في النظام الاقتصادي في سياق كفاية الغذاء والإنتاج والصناعة مصحوبة باستخدام الأدوات المذكورة أعلاه لتحقيق السيطرة واستعادة السيطرة؟