عاطف عبدالله (أبوظبي)
انتعش الطلب العالمي على الفحم لتوليد الكهرباء نتيجة للقفزات الهائلة التي شهدتها أسعار الغاز في العامين الأخيرين.
وشرعت العديد من البلدان حول العالم في بناء أو توسيع محطات كهربائية تعمل بالفحم الحجري، رغم الأضرار البيئية التي يسببها.
وحسب التقرير السنوي لمرصد الطاقة العالمي Global Energy Monitor الذي نشر مؤخرا فإن العالم يضم نحو 2400 محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم في 79 دولة تبلغ قدرتها الإنتاجية الإجمالية 2100 جيجاوات، مع خطط لزيادة الإنتاج ب457 جيجاوات عبر مشاريع جديدة لمحطات توليد طاقة تعمل بالفحم. إلا أن التقرير رحب بتباطؤ الميل العالمي على صعيد هذه المنشآت، باستثناء العام الماضي.
وأشار تقرير مركز الأبحاث الذي يتخذ من في سان فرانسيسكو مقرا له: «لا تزال 170 محطة بقدرة إنتاجية 89 جيجاوات أي 5% من مجموع المحطات العاملة حالياً، غير مشمولة بموعد لتوقفها تدريجاً أو بهدف تحقيق الحياد الكربوني».
إحياء المشاريع
كشف التقرير عن استمرار مشاريع بناء أو توسيع محطات كهربائية تعمل على الفحم الحجري في 34 دولة مختلفة.
ففي الكثير من البلدان مثل ألمانيا وإيطاليا، يجري حالياً النظر في تشغيل محطات الطاقة العاملة التي تعتمد على الفحم مجدداً بعد أن كانت قد خرجت عن العمل سابقاً. وفي جنوب أفريقيا، تُوجّه المزيد من السفن المحمّلة بالفحم أشرعتها نحو مسار يعتبر في العادة طريقاً هادئاً حول رأس الرجاء الصالح باتجاه أوروبا. كما يشهد حرق الفحم بالولايات المتحدة غِمار أكبر انتعاش له منذ عقد زمني، في حين تعيد الصين فتح المناجم المُغلقة، وتخطط لإنشاء مناجم جديدة.
أصبح اعتماد العالم للفحم حالياً أقوى من أي وقت مضى، وهو الوقود الذي اعتقد الكثيرون أنه في سبيله للفظ أنفاسه الأخيرة قريباً.
وقد تزايد الطلب على الفحم منذ العام الماضي وسط نقص في الغاز الطبيعي، ومع ارتفاع استخدام الكهرباء بعد إلغاء القيود المفروضة جرّاء تفشي الوباء. لكن الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا أعاد شحن سوق الفحم، والذي أدى بدوره إلى ظهور تأثير الدومينو الذي ترك منتجي الطاقة يتدافعون من أجل الحصول على الإمدادات، ودفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
الإنتاج والاستهلاك
خلال العام الفائت، زادت قدرة إنتاج إجمالي المحطات العاملة بالفحم في العالم ب18,2 جيجاوات، في ارتفاع مرتبط بتعافي الأنشطة الاقتصادية من جائحة كوفيد-19.
وكان أكثر من نصف وحدات الإنتاج التي دخلت الخدمة (45 جيجاوات) في الصين (25,2 جيجاوات) و14% في الهند و11% في إندونيسيا وفيتنام وكمبوديا خلال العام الماضي.
وتضم الصين لوحدها مشاريع جديدة مع قدرة إنتاج إجمالية تبلغ 25,2 جيجاوات توازي تقريباً ما يسجل في بقية أرجاء العالم من إغلاقات (25,6 جيجاوات).
وحسب وكالة الطاقة الدولية، أنتج العالم الكهرباء من الفحم خلال 2021 أكثر من أي وقت مضى، بزيادة 9% عن العام السابق.
من المتوقع أن يرتفع إجمالي استهلاك الفحم في العام الجاري، لأغراض توليد الطاقة، وصناعة الفولاذ، والاستخدامات الصناعية الأخرى، بنسبة 2% تقريباً ليصل إلى مستوى قياسي يتجاوز ثمانية مليارات طن متري، ويظل عند هذا المستوى حتى عام 2024 على الأقل.
وحذرت الوكالة من اتساع الفجوة بين الطموحات والأهداف السياسية من ناحية، وواقع نظام الطاقة الحالي من ناحية أخرى، وقدرت أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الفحم في عام 2024 ستكون أعلى بثلاثة مليارات طن على الأقل مما كانت عليه، في سيناريو يستهدف الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050. ترتبط قصة الفحم ارتباطاً وثيقاً بالغاز الطبيعي، والذي غالباً ما يتم الترويج له على أنَّه البديل الأنظف للاحتراق.
الأقل تكلفة
عندما بدأ العالم التعافي من الوباء في منتصف عام 2021، ارتفع الطلب على الطاقة مع إعادة فتح المتاجر والمصانع. لكن واجهت أوروبا، التي كانت تقود الجهود العالمية للاستغناء عن الفحم، أزمة غير مسبوقة في الكهرباء ونقصاً في الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعاره. وفي الوقت نفسه، كانت الطاقة المتجددة شحيحة بالمنطقة وفي مناطق أخرى من العالم. وأدى تشابك الأحداث إلى انقطاعات بالطاقة في عددٍ من المناطق، ودفع أسعار الغاز إلى أقصاها في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى اندلاع أزمة الطاقة.
فجأة، عاد الفحم للرواج، باعتباره البديل الأقل تكلفة. ويعد الفحم الحراري، الذي يتم حرقه بمحطات الطاقة، أحد أرخص مصادر الوقود «على ظهر هذا الكوكب»، إذ تبلغ تكلفته حوالي 15 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقاً لتقرير ل«بنك أوف أميركا»، ويُقارن ذلك بنحو 25 دولاراً للنفط الخام والسعر العالمي للغاز الطبيعي البالغ 35 دولاراً، بحسب التقرير.
وأفاد تقرير لوكالة بلومبرج بأن الاتحاد الأوروبي، الذي لديه بعض الأهداف المناخية الأكثر طموحاً في العالم، شهد ارتفاعاً في استخدام الفحم ب12% العام الماضي، وهي أول زيادة منذ عام 2017، على الرغم من أنَّ هذه الزيادة جاءت من مستويات منخفضة شهدها عام 2020. وارتفع استهلاك الفحم ب17% في الولايات المتحدة، وصعد أيضاً في كلٍّ من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وكانت الهند والصين، اللتان تهيمنان على الأسواق العالمية، من العوامل الرئيسية لزيادة الطلب العالمي.
تقليص الواردات
تعد أوروبا في أمس الحاجة لاتباع سبيل تقليل اعتمادها على روسيا، المورّد الرئيس للوقود الأحفوري. ويمضي الاتحاد الأوروبي في سبيله لحظر الفحم الروسي مع زيادة استخدامه الكلي للوقود، في حين يسعى بشكل متوازٍ إلى تقليل استخدامه للغاز الطبيعي الروسي. وتتمحور خطوة أوروبا حول فكرة أنَّها ستكون قادرة على دفع المزيد مقابل إمدادات الفحم غير الروسية مقارنة بالمشترين الآخرين، وهي مقامرة تؤدي إلى صعود الأسواق العالمية، ويمكن أن تكبّد الخسائر للبلدان النامية التي قد تواجه نقصاً.
وللمساعدة في تأمين الطاقة في الشتاء المقبل؛ تدرس الحكومة الألمانية العمل مع مرافق مثل «آر دبليو إي» لإعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي كانت قد خرجت من الخدمة، وتأخير إيقاف تشغيل المرافق النشطة.
في الدنمارك، تعمل «أورستد» على دعم إمدادات الفحم لاستخدامها بدلاً من الكتلة الحيوية، نظراً لتوقف إمدادات الحبيبات الخشبية محايدة الكربون بسبب الحرب. وتستكشف بريطانيا الخيارات لتعزيز أمن الطاقة، بما في ذلك الإبقاء على وحدات إنتاج الفحم التابعة ل«دراكس جروب» قيد التشغيل.
كانت إمدادات الفحم غير ثابتة بالفعل، حتى قبل الخطوة المحفوفة بالمخاطر التي اتخذتها أوروبا. وكان لابدَّ من إغلاق محطة للطاقة في ألمانيا العام الماضي عندما نفد الفحم. وأدى النقص أيضاً إلى انقطاع التيار الكهربائي في الهند والصين، علماً أنَّهما تشكّلان معاً نحو ثلثي استهلاك الفحم العالمي.