حسونة الطيب (أبوظبي)
عندما تضطرب ضربات القلب، ينهمر الدم في الأوعية وربما يصل مرحلة التجلط. ويتسبب رجفان الأذين، في حدوث أكثر من 25 % من مجموع 100 ألف حالة جلطة في بريطانيا سنوياً. ويمكن تفادي حدوث معظم هذه الحالات، إذا تمت السيطرة على عدم انتظام ضربات القلب، لكن ينبغي اكتشافها أولاً. وفي ظل ارتفاع تكلفة الاختبارات والفحوصات وعدم دقتها، أصبح بإمكان ساعات آبل وقريباً جهاز فيتبيت، اكتشافها، وبتكلفة زهيدة للغاية وإنقاذ من تتعرض أرواحهم لخطر الموت.
تقوم العديد من الشركات في الوقت الحالي، بطرح أجهزة مختلفة، تبشر بحدوث تغيير كبير في طريقة العلاج. ويمكن للساعات والأسورة الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية ومجموعة سريعة النمو من الأحزمة واللصقات المطورة الكترونياً، وغيرها من الأجهزة القابلة للارتداء، تسجيل ما يزيد عن 7.5 ألف متغير فسيولوجي وسلوكي.
ورغم اختلاف هذه الأجهزة عن بعضها البعض من ناحية الفائدة، من الواضح أن للتعلم الآلي، المقدرة على تصفية سيل من المعلومات، للكشف عن صورة مستمرة ومحددة للشخص ولحالته الصحية.
ربما لا يزال قطاع الصحة الرقمية، في بداية مشواره، ما يجعل إقبال المستثمرين عليه، مشوباً بشيء من الحذر. ومع أن الانهيار الأخير في سعر سهم شركة تيل أدوك، التي تقدم استشارات طبية عبر الإنترنت، والذي كان بمثابة مؤشرٍ للقلق للبعض، إلا أن عمليات الابتكار بالنسبة للمرضى، قد بدأت لتوها. وربما تكون مؤسسات الأفراد، بين دخول وخروج في القطاع، لكن يبدو أن الأجهزة القابلة للارتداء والذكاء الاصطناعي، على استعداد لإعادة رسم خارطة الرعاية الصحية، بثلاث طرق كبيرة، التشخيص المبكر، التطبيب الشخصي وإدارة الأمراض المُزمنة. وتبشر كل واحدة من هذه الطرق، بخفض التكلفة وإنقاذ أرواح المرضى.
وفيما يتعلق بالتشخيص المبكر، يمكن للأجهزة القابلة للارتداء، اكتشاف التغييرات الطفيفة التي يمكن أن تمر دون أن يلاحظها أحد، ما ينتج عنه، مرض أقل حدة وعلاج أقل تكلفة. ويمكن لأجهزة الاستشعار، الكشف عن بداية اختلال توازن الأشخاص الكبار في السن، حيث تتغير مشية الناس وحركة اليد، في المراحل الأولى من مرض باركنسون. كما يمكن، تعزيز التشخيص النفسي، من خلال أنماط الرصد المتوفرة في أجهزة الهواتف الذكية. ويساعد السوار الذكي، النساء على الحمل، من خلال إمكانية توقع وقت الدورة الشهرية، فضلاً عن مقدرته الكشف عن حملٍ تقل مدته عن أسبوع، خاصة وأن العديد من النساء يستمررن في ممارسة عادات تضر بالأجنة لأشهرٍ عدة، قبل اكتشاف الحمل.
عادة ما يتراوح مفعول معظم الأدوية، فيما بين 30 إلى 50% من المرضى. وبينما، يساعد تناول الموز بانتظام، على خفض ضغط الدم عند شخص ما، يرفعه لمستويات ضارة عند شخص آخر. ويمكن للعمليات الحسابية، تحويل جملة من البيانات من الأجهزة القابلة للارتداء، إلى وصفات طبية حسب الطلب وحميات غذائية لإنقاص الوزن، فضلاً عن التحكم في مستويات السكر وغيرها. وتتميز هذه الأجهزة، بفاعلية أكبر، حيث تُمكن الأطباء من رؤية المعدة بوضوح أكثر، ومن ثم تقديم رعاية صحية أفضل. وفي إحدى التجارب الألمانية، ساعد هذا النوع من رقابة المصابين بفشل القلب، على خفض معدلات الوفاة والأيام التي يمكن أن يقضيها المرضى في المستشفيات، بنسبة تصل لأكثر من 32%.
يمكن للأجهزة القابلة للارتداء، إحداث تحولٍ في الأمراض المُزمنة مثل، السكري، حيث من الممكن الحيلولة دون الإصابة بالمرض، بالتغيير في أنماط الحياة. وتستخدم شركة أبل، أجهزة صغيرة وطرق ذكية، مثل التي يستخدمها بعض المدربين، لمساعدة الناس على، المزيد من الحركة وتناول أطعمة صحية أكثر وأخذ أقساط كافية من النوم.
وزيادة طفيفة في التمارين الرياضية، كفيلة بالمساعدة، علماً بأن إضافة 1000 خطوة يومياً، تقلل من مخاطر الوفاة بنسبة تتراوح بين 6 إلى 36%. وتساهم الرقابة المستمرة، في تحويل توازن الرعاية الصحية من، ما يمكن أن يقوم به الأطباء للمرضى في عياداتهم، إلى ما يمكن أن يفعله المرضى لأنفسهم. وتنفق أميركا، ما بين 10 إلى 20 ألف دولار سنوياً، مقابل المريض الواحد بداء السكري، وما يصل لنحو 280 مليار دولار على نطاق البلاد. وأثبت التطبيق الخاص بالسيطرة على مرض السكري، مقدرته على خفض هذه التكلفة لما بين 1.4 إلى 5 آلاف دولار فقط.
وبلغت قيمة سوق تقنية الأجهزة القابلة للارتداء، 115.8 مليار دولار في 2021، مع توقعات بأن تناهز 380.5 مليار دولار بحلول 2028، مدعومة بالنمو الكبير الذي تشهده سوق الساعات الذكية. وشكلت أجهزة المعصم من أسورة وساعات وغيرها، 29.4% من سوق هذه التقنية في 2020.
وتبشر هذه التطبيقات والأجهزة، بزيادة كبيرة في فوائدها في المستقبل القريب، الفوائد التي تصبح أكثر وضوحاً، عندما تقوم هذه الأجهزة القابلة للارتداء، بتوفير المزيد من البيانات ومن ثم تحقيق المزيد من الابتكارات. وما يدعو للتفاؤل، بيع نحو 200 مليون وحدة من هذه الأجهزة في عام 2020، وتوقع ارتفاع العدد للضعف بحلول 2026.
يُجدر بالذكر، أن واحداً من بين كل 4 أميركيين، يملك نوعاً من أنواع الأجهزة القابلة للارتداء. وفي غضون عام أو اثنين، ربما يقيس الجهاز الموجود بمعصمك، نسبة السكر ونقص الماء في الجسم، بجانب الكشف عن علامات مختلفة لحالات الإصابة بالالتهابات وعمل وظائف الكبد والكليتين، التي تتطلب جميعها في الوقت الحالي، سحب الدم في المختبر. وفي الوقت الذي، تكتسب فيه هذه الأجهزة المزيد من التطور والمزايا يوماً بعد يوم، فمن غير الراجح تخلي المستخدمين عنها.
وكما هو الحال مع أي تقنية من التقنيات الأخرى، يشوب الأجهزة القابلة للارتداء بعض الشكوك والقلق مثل، الاستغلال السيئ للبيانات الصحية للمرضى، من قبل الشركات المُصنعة أو شركات التأمين أو الحكومات. والأهم من ذلك، ربما لا تصل هذه التقنية للفقراء، الذين هم في أكثر الحاجة إليها.