يوسف العربي (أبوظبي)
طالما استفاد القطاع البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة من الرؤية الثاقبة للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله. واحتلت دولة الإمارات العربية المتحدة في عهده وعلى مدار السنوات الماضية المرتبة الأولى عربياً من حيث السعة، وجودة البنية التحتية، واستمرت الدولة في تحقيق هذه الإنجازات على الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية.
يضطلع القطاع البحري في الإمارات حالياً بدور حيوي في اقتصاد الدولة من خلال المساهمة بما يزيد على 90 مليار درهم من إجمالي الناتج المحلي للدولة.
ويمثل القطاع البحري ساحة مثالية للمستثمرين المهتمين بتأسيس أعمال التصنيع والتطوير والإبداع في المجالات كافة، وعلى رأسها الصناعة البحرية.
شبكة عالمية
وتمتلك الإمارات أقوى شبكة ربط مع الموانئ البحرية مع بقية دول العالم في دول المنطقة، انطلاقاً من وجود أكثر من 20 ميناءً رائداً أهمها ميناء جبل علي، وميناء خليفة، ميناء الفجيرة، وميناء حاويات خورفكان، وميناء صقر بالإضافة إلى الموانئ النفطية.
وتحتفظ الإمارات بصدارة الدول العربية خلال السنوات الخمس الماضية في الربط البحري مع موانئ العالم، كما تحولت موانئها إلى مراكز إقليمية قادرة على استقطاب الاستثمارات العالمية.
وتحتل الدولة المرتبة الخامسة عالمياً ضمن أهم المراكز البحرية الدولية، كما تأتي في المرتبة الحادية عشرة في حجم سعة الأسطول، والثانية عشرة في مؤشر خطوط النقل، والثالثة عشرة في مؤشر خدمات الموانئ وكفاءة الأداء.
تجاوز التحديات
وخلال ذروة «الجائحة»، وقفت الدولة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تعرضت لها سلاسل الإمداد والتمويل العالمية، حيث تم تبديل أكثر من 240 ألف بحار بشكل آمن خلال «الجائحة»، كما أطلقت «موانئ أبوظبي» مبادرتها العالمية «أصداء الأمل»، وشاركت في انطلاقة «ائتلاف الأمل»، الذي يمثل شراكة بين القطاعين العام والخاص، لدعم الجهود العالمية لتوزيع لقاحات فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم.
ووسعت دولة الإمارات من حضورها عبر الاستثمارات الخارجية لمجموعة «دي بي ورلد» في أكثر من 50 دولة على مستوى العالم، كما تم تطوير عدد من الأنظمة الرقمية بحراً وبراً وجواً من خلال «بوابة المقطع» ما حول موانئ الدولة إلى حاضنات للإبداع والحلول المستقبلية القائمة على التقنيات المتقدمة.
الصناعات البحرية
وحظيت الصناعات البحرية باهتمام المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، حيث نجحت الإمارات في التأسيس لصناعة بحرية قوية لنقل البضائع من وإلى الدولة التي تتمتع بموقع استراتيجي بين الشرق والغرب.
وأثبتت الإمارات أنها الأكثر استعداداً لتكون مركزاً عالمياً لصناعة السفن، لاسيما أن العالم في حاجة إلى منطقة آمنة وموثوقة توفر مستوى راقياً من جودة الحياة، حيث توجد مختلف الجنسيات والديانات.
وأصدر المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، العديد من التشريعات المنظمة للقطاع البحري، وهي التشريعات التي تميزت بالقوة والفاعلية، وساهمت في التحفيز على النمو المستدام بالقطاع.
وتميزت الصناعات البحرية في الدولة بتنافسيتها من ناحية التكلفة، إضافة إلى توافر مواد التصنيع الأولية، باعتبار أن الدولة مركزاً لأهم الموانئ ووجهة للخطوط الملاحية الرئيسة، ما سمح بتدفق المواد الأولية اللازمة للتصنيع بأسعار مجدية.
وساهم الموقع الجغرافي المتوسط لقارات العالم، في توفير الدعم الفني للقوارب سواء من خلال انتقال الكوادر الفنية والهندسية إلى موقع العميل بسرعة كبيرة، أو سهولة وصول السفن والقوارب المصنعة في الدولة إلى مراكز الصيانة والدعم الفني للقيام بعمليات التجديد والترقية، حيث يسهم كل ذلك في تحقيق المزيد من النمو في الاقتصاد وما بعده.
الطاقة الخضراء
ووفق خبراء بحريين، مثلت الإمارات نموذجاً للتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى حتى باتت في صدارة القطاع البحري بالمنطقة، الذي يحقق لها الاستدامة المثالية في أدائها الاقتصادي والتنموي، وأبرز ملامح هذا النموذج هو عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لإنتاج الطاقة، وتطوير موارد جديدة تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، وتطوير قدرات الدولة في مجال إنتاج الغاز الطبيعي.
ووفق معايير المنظمة البحرية الجديدة لعام 2020، والتي تشجع على تبني الغاز الطبيعي كوقود بديل في الصناعة البحرية، باتت دولة الإمارات تمتلك قيمة تنافسية عالية في جذب الاستثمارات البحرية، ما سيؤدي إلى نمو اقتصادها بشكل كبير في السنوات القادمة.
الحلول التكنولوجية
وعزا تقرير لمؤسسة «موردر إنتيليجانس» الأهمية الاستراتيجية لموانئ الإمارات إلى الموقع الاستراتيجي الذي يربط بين الشرق والغرب، فضلاً عن الرؤية الاستراتيجية التي تركز على التكنولوجيا والابتكار لتعزيز النمو المستدام بالقطاع.
وأكد التقرير أن الإمارات تُعد قوة إقليمية في مجال الخدمات اللوجستية والشحن البحري، وأن التوسعات الجاري تنفيذها في موانئها البحرية مع دمج أحدث الحلول التكنولوجية، مثل (البلوك تشين، وحلول الحوسبة السحابية، والأذرع الروبوتية، وأتمتة خدمات سلاسل التوريد وتحليل البيانات) تضمن إبقاء الإمارات في الصدار العالمية في مجالي الشحن المحلي والدولي، وإدارة سلاسل التوريد براً وبحراً.
ولفت إلى حصول موانئ الدولة على شهادات دولية في السلامة والجودة، كما تعرف بالتزامها بالضوابط مع تبني جميع الاحتياطات، وتبنيها أفضل ممارسات الصحة والسلامة.
موانئ أبوظبي
وتسعى مجموعة موانئ أبوظبي إلى ترسيخ مكانتنا الإقليمية والعالمية في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية.
وتسهم الشراكات العالمية التي تعقدها موانئ أبوظبي في الارتقاء بمستويات التبادل التجاري واستقطاب الاستثمارات الخارجية، إلى جانب تطوير منظومة عمل قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية في المنطقة بشكل عام».
وخلال عام 2021، وقعت مجموعة موانئ أبوظبي، مذكرة تفاهم مع الشركة العامة للموانئ في العراق بهدف تطوير علاقات التعاون والشراكة في مجال النقل بشكل عام والنقل البحري بشكل خاص، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات التي يتبناها الطرفان في أعمالهم.
وأعلنت المجموعة موانئ أبوظبي، ومجموعة «سي إم إيه سي جي إم» الفرنسية الرائدة عالمياً في قطاع الشحن والخدمات اللوجستية، عن توقيع اتفاقية امتياز مدتها 35 عاماً، حيث سيقوم الجانبان بتخصيص استثمار يبلغ 570 مليون درهم (154 مليون دولار) للمشروع.
دي بي ورلد
ولدى «دي بي ورلد» شبكة عالمية تضم 181 وحدةً تجاريةً في 64 بلداً عبر ست قارات، مما يعكس الحضور البارز في كلٍّ من الأسواق ذات معدلات النمو المرتفعة والأسواق المتطورة على حدٍ سواء.
وتحرص «دي بي ورلد» في كل مواقع عملياتها على دمج الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركة في أنشطتها، وتسعى لتقديم مساهمة إيجابية للاقتصادات والمجتمعات التي تعمل فيها.
وتهدف «دي بي ورلد» إلى تذليل العقبات وتحسين الاتصال في الممرات التجارية سريعة النمو، مثل آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
أهم الموانئ البحرية في الإمارات
- ميناء خليفة
يحتل ميناء خليفة موقعاً استراتيجياً في منتصف الطريق الرابط بين أبوظبي ودبي، ويعتبر أول ميناء شبه آلي في منطقة الخليج، ويتميز بشبكة نقل متعددة الأنماط تعزز خدمات النقل الفعال والخدمات اللوجستية، بحراً وبراً وجواً.
ويعمل الميناء على خدمة أكثر من 25 خط شحن، ويتيح ربطاً مباشراً مع 70 وجهة دولية، وسيكون ميناء خليفة أول ميناء بدولة الإمارات يرتبط بشبكة الاتحاد للقطارات الجديدة، والتي يجري تشييدها حالياً.
- ميناء الفجيرة
يقع ميناء الفجيرة الأول متعدد الأغراض على الساحل الشرقي لدولة الإمارات، على المحيط الهندي، وبالقرب من طرق الشحن التي تربط الشرق مع الغرب.
ويسهم هذا الميناء في خدمة منطقة الخليج العربي بالكامل، إضافة إلى شبه القارة الهندية والمحيط الهندي، وتعزيز فرص الأعمال في الأسواق الموجودة في البحر الأحمر وشرق أفريقيا، والعديد من الدول المجاورة.
- ميناء جبل علي
يعد أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم، وهو أيضاً أكبر ميناء للحاويات بين سنغافورة وروتردام، كما يعد تاسع أكثر الموانئ ازدحاماً على مستوى العالم.
ويضم الميناء 67 مرسى، ويمكنه التعامل مع 50 مليون حاوية نمطية بحلول عام 2030، وتم تجهيز الميناء بأحدث المرافق لتلبية احتياجات الشحن الإقليمية والدولية.
- ميناء حاويات خورفكان
يقع الميناء في الشارقة، وهو ميناء المياه العميقة الطبيعي الوحيد في المنطقة، ويحظى بموقع جغرافي استراتيجي يناسب الحجم الكبير للتجارة البحرية بحاويات المياه العميقة الحالية.
- ميناء صقر
يقع الميناء في رأس الخيمة، ويعد أكبر الموانئ البحرية في مجال الشحن بالجملة في منطقة الشرق الأوسط.
الإمارات الأولى عربياً في جودة البنية التحتية
احتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً على مؤشر جودة البنية التحتية للموانئ، بحسب تقرير اللوجستيات الصادر عن «موردر إنتيليجانس» للاستشارات والأبحاث.
وأكد التقرير أن الإمارات تمتلك أقوى شبكة ربط مع الموانئ البحرية مع بقية دول العالم في دول المنطقة، انطلاقاً من موانئ الدولة التابعة لكل من «موانئ أبوظبي»، و«موانئ دبي العالمية»، فضلاً عن المنافذ البحرية المهمة في الفجيرة ومختلف أنحاء الدولة.
وتحتفظ الإمارات بصدارة الدول العربية خلال السنوات الماضية في الربط البحري مع موانئ العالم، كما تحولت موانئها إلى مراكز إقليمية قادرة على استقطاب الاستثمارات العالمية.
وقال إن المحفزات الحكومية والتسهيلات قلصت من تداعيات جائحة «كورونا» وتأثيراتها على قطاع التجارة والشحن، حيث شكلت هذه المحفزات استجابة حكومية سريعة لما يحتاج إليه القطاع.
وأوضح أن الإمارات تستعد من ناحية أخرى للاستفادة طويلة الأمد من مبادرة «الحزام والطريق» والتي تعزز الربط بين الإمارات وباقي دول آسيا ودول أفريقيا وأوروبا من ممرات برية وبحرية، حيث تعد الدولة ضمن 71 دولة مرتبطة مباشرة بهذه المبادرة.