لا تتوقف التحذيرات من مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية على الإمدادات الغذائية. فهذه المسألة محورية على الساحة الدولية، لأنها تساهم مباشرة في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ما يعمق مستويات التضخم المرتفعة أصلاً، نتيجة زيادات أسعار الطاقة.
ولا شك في أن البلدان الفقيرة، وتلك التي يتم وضعها في قائمة الأشد فقراً، أكثر تعرضاً لأزمة الإمدادات بأنواعها. وتوفر كل من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، إلى جانب صادرات هائلة لزيوت الطعام والسماد وغيرها من المنتجات الطبيعية.
فحتى النشاط الزراعي خارج نطاق هذين البلدين يتعرض للضغط بسبب النقص في إمدادات السماد، ما يزيد من فداحة الأزمة، ولاسيما إذا ما طال أمد الحرب.
ولأن الأمر كذلك، فقد حظي موضوع السلع الغذائية على أهمية كبيرة في اجتماعات عقدت بالجملة في واشنطن، بين قادة صندوق النقد والبنك الدوليين و«مجموعة العشرين» و«مجموعة السبع»، حتى إنه طغى على مواضيع أخرى على الأجندة مثل النمو الاقتصادي العالمي والمناخ والديون وغير ذلك.
الضغوط كبيرة، والمخاطر متعاظمة، ما حدا بالبنك الدولي إلى طرح مبادرة تذكّر بالمبادرات التي تطرح عادة في أوقات الحروب الكبرى، وهي توفير المساعدة عن طريق المدفوعات النقدية أو قسائم الشراء، لمساعدة المزارعين في الدول الفقيرة، لشراء الأسمدة من أجل ضمان استمرارية إنتاج الغذاء، وتعويض النقص، وتخفيف المخاطر على الإمدادات بشكل عام. فليس هناك مخرج آخر في الوقت الراهن من أزمة لا أحد يتوقع نهاية لها، ناجمة عن حرب متصاعدة في أوروبا.
والمسألة لن تحل بالطبع بمجرد تطبيق مبادرة البنك الدولي المدعومة بقوة من صندوق النقد، فإذا لم تكن هناك مبادرات أكثر استدامة، فستتواصل الضغوط في ميدان الغذاء (فضلاً عن الطاقة).
ولا بد من العمل على تسهيل حركة التجارة التي تقلصت كثيراً بسبب أزمة جائحة «كورونا»، إلى جانب ضخ استثمارات كبيرة في الإنتاج الزراعي. فالأمن الغذائي العالمي بخطر، لماذا؟ لأن مقابل كل زيادة مقدارها نقطة مئوية واحدة في أسعار الغذاء، يدخل عشرة ملايين شخص في دائرة الفقر المدقع حول العالم. وهذه المعادلة تضرب تلقائياً كل مشاريع الألفية التي أطلقتها الأمم المتحدة قبل ثلاثة عقود من الزمن، وحققت فيها قفزات نوعية بالفعل في العقد الأخير من القرن الماضي.
واللافت أن نقص الإمدادات الغذائية أثر على الأسر حتى في البلدان المتقدمة المانحة، بحيث اتسعت فيها شرائح الفقراء وفق المعايير الغربية.
فهذا النقص رفع معدلات التضخم إلى مستويات لم تحدث منذ أكثر من 40 عاماً، وكل الإجراءات التي تتخذ لكبح جماح هذه الآفة تتعثر. الغذاء العالمي سيشهد مخاطر أكبر طالما أن الحرب الدائرة في القارة العجوز مستمرة، فضلاً عن تأخر تنفيذ مشاريع الإنقاذ الخاصة بالبلدان الفقيرة، في ظل أجواء حمائية متزايدة على الساحة الدولية.