أبوظبي (الاتحاد) يعد الراحل عيسى صالح القرق واحداً من أبرز رجال الأعمال الإماراتيين وصاحب عطاء للوطن عبر المشاريع الاقتصادية التي أسسها والأعمال الخيرية التي أطلقها. خلال العقود الستة الماضية شارك عيسى القرق، الذي وافته المنية اليوم، بأعماله وإنجازاته في مسيرة نمو اقتصاد دولة الإمارات ودبي، حيث تمكن من تأسيس مجموعة اقتصادية تعتبر واحدة من أعرق الشركات العائلية في دولة الإمارات العربية المتحدة مع 27 شركة في محفظتها.
النشأة والمولد
حسب كتاب «ينابيع الذاكرة» الذي أصدره الراحل في تسعينيات القرن الماضي، ولد عيسى القرق عام 1927 ودرس في طفولته وصباه في مدرستي الفلاح والأحمدية حيث تعلم مبادئ الحساب واللغة العربية والدين الإسلامي. في البيت المقابل للمدرسة الأحمدية انشأ الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية مستوصفا كان يشرف عليه طبيب من شبه القارة الهندية يدعى محمد أيوب وقد اعجب ذلك الطبيب بفضول الصبي عيسى ورغبته في التعلم، فأعطاه دروسا في اللغة الانجليزية مع أبنائه السبعة، كما أشرف الأديب السيد هاشم الهاشمي على تعليمه فن الخط.
المسيرة المهنية
بدأ عيسى القرق مسيرته المهنية في مكتب بريد دبي براتب شهري قدره 25 روبية، ثم انتقل إلى مكتب بريد البحرين براتب 140 روبية، ومنه موظفاً في البنك البريطاني الشرق الأوسط حيث تدرج بعد ذلك في مناصب البنك حتى وصل إلى إدارته العليا، كما عُين مديراً لمكتب التطوير في "ديوان حاكم دبي"، وعضواً في "المجلس البلدي لدبي". بالتزامن مع نشاطه المصرفي، بدأ القرق نشاطا تجاريا بتأسيس مجموعة عيسى صالح القرق عام 1960 متسلحاً بالخبرة والمعرفة والرؤية الاستراتيجية، حيث حصل على وكالة شركة جراندج للإلكترونيات وشركة سيمنس الألمانية العملاقة وشركة التبغ الأميركية البريطانية أرميتاج شانكس وغيرها، كما ركز أيضا على الاستثمار في المجال العقاري. ومع مرور عدة عقود تضم محفظة أعمال المجموعة أكثر من 27 شركة تمثّل 370 علامة تجارية عالمية ضمن قطاعات الأعمال المتخصصة، بما في ذلك مشاريع مشتركة طويلة الأمد. وتنشط المجموعة في شراكات مع سلسلة واسعة من القطاعات التجارية، وتملك حاليا، أعمالاً متنوعة في تجارة التجزئة والإنشاءات والصناعة والعقارات. تتسم شخصية عيسى صالح القرق بالطموح والديناميكية والعصامية، حيث تمكنت المجموعة تحت قيادته من الاستمرار في تحقيق النمو والتوسع وفتح أسواق جديدة وكان حريصا على ضمان التميّز التشغيلي المحرك الدافع لنجاحات المجموعة وشراكاتها الطموحة التي أثمرت عن إطلاق شركات مثل "القرق يونيليفر"، و"سيمينس"، و"القرق فوسروك"، و"القرق سمولان"، و"أكزونوبل لدهانات الديكور" و"سيمينس للرعاية الصحية" و"سيمينس للنقل". كما تنعكس خبرة المجموعة، في عدد من المشروعات الرئيسة في الدولة مثل، دبي أوبرا وياس مارينا وبرج خليفة ومترو دبي وترام دبي ومسجد الشيخ زايد ومتحف اللوفر.
العمل العام
وفي مجال العمل العام، كان عيسى القرق أحد أعضاء لجنة المداولات في مكتب تطوير إمارات الساحل المتصالح، وفي عام 1971، عيّن في منصب المدير التنفيذي لمجلس تطوير إمارات الساحل المتصالح. كما التحق عيسى القرق بالسلك الدبلوماسي الإماراتي وتولى العديد من المهام، حيث شغل منصب سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى المملكة المتحدة وسفير غير مقيم في جمهورية إيرلندا بين 1991 و2009. نال القرق، الذي كان عميدا للسلك الدبلوماسي العربي في بريطانيا، لقب "سير" من الملكة اليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة وشمال إيرلندا عام 2008 تتويجا لمسيرة دبلوماسية حافلة قام خلالها بتمثيل الدولة خير تمثيل وعمل على التقريب بين البلدين الصديقين. كما حصل على وسام الامتياز للإمبراطورية البريطانية برتبة قائد عام 1990، فيما كرمه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1997، حيث قلّده وسام زايد الثاني، أرفع وسام مدني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
العمل الخيري
وفي مجال العمل الخيري، لعب عيسى صالح القرق دوراً بارزاً، حيث شارك في العديد من الأنشطة الخيرية على مدى عدّة عقود، واعتبر أن إنشاء مؤسسة عيسى صالح القرق الخيرية هو أفضل قرار اتخذه. وتأسست المؤسسة عام 2010 بقرارٍ من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حيث تم تمويل المؤسسة من الأموال الخاصة للمؤسس وعقاراته. تعمل المؤسسة على بناء مشروعات خيرية وإنسانية وثقافية وأنشطة ذات نفعٍ عام وتقدم جميع أوجه الرعاية المادية والمعنوية للفقراء والمحتاجين والمعوزين. كما تقدم مساعدات في مجالات متنوعة منها التعليمية والطبية ومشاريع الإسكان الخيرية وكفالة الأيتام والمسنين وبناء المساجد ودعم الوعي بالتراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وغيرها من مجالات العمل الخيري والاجتماعي المختلفة.